بدأ موسم التزاحم والتهافت على منصب الرئاسة وكأن من يناله سوف “يدخل التاريخ من اواسع ابوابه” دون تقدير لحجم المسؤولية امام الله اولا وامام الشعب طرحت أسماء مدنية وعسكرية لتولي الرئاسة من منطلق الصورة التي يحملها كل مترشح عن نفسه وتدفعه إلى خوض التجربة لأنّه يتوسّم في نفسه خيراً، ويعتقد جازماً أنّه يملك مؤهلات تخوّل له حكم البلاد وأن لديه القدرة على القيادة والرعاية والإدارة ؟ وقد تكون مجرد شهوةٍ خفية في النفس لدى بعضهم تقدح في الإخلاص وتخالف التجرد لله سبحانه وتعالى، وهي ارضاء غروره وطموحه فى حب الرئاسة وحب الشهرة،
وهناك أكثر من تفسير لظاهرة التزاحم على الترشح للرئاسة، من كل الفئات والأطراف والمهن المدنية والعسكرية، أول التفسيرات – أن الليبيين عانوا من حالة احتباس سياسي أو انسداد الآفاق السياسية أمامهم لسنوات طويلة على مستوى القاعدة والقمة طوال عقود طويلة، بالاضافة إلى حالة فقدان الثقة بالنفس التي فرضتها سنوات التكلس والاحتكار للسلطة وحب الكراسي، وثاني هذه التفسيرات – “هشاشة” الدولة الليبية التي تسمح اليوم، بعودة “أتباع النظام الدكتاتوري السابق” ليعتلوا المشهد السياسي من جديد. ولا غرو في ذلك ما دام البرلمان وحكومتي الوفاق والوحدة الوطنية وتوابعهم قد رحّبوا “بأبناء النظام البائد”، وطبّقوا مبدأ “الاستتابة”، باعتبارها “تجبّ” ما سبقها من ظلم استمر 42 عاما.
وفي هذا السياق يمكن توضيح نقطتين
الأولى- هذا التزاحم لايخلو من كثير من قناصي الفرص والمنافقين والمزايدين على الأخرين بالوطنية والانتماء في الوقت الذي يدرك معظم من حولهم أنهم مدعون للوطنية، وأن انتمائهم الحقيقي هو لمصالحهم الشخصية الضيقة وليس للوطن، وبغض النظر عن مشروعيّة الترشّح باعتباره حقّا يتمتّع به كلّ مواطن أو مواطنة ليبية الذين تتوفّر فيهم الشروط المطلوبة للرئاسة من عدمه.
الثانية – افتقار أنصار الثورة الليبية وخاصة الشباب منهم إلى إفراز القيادات والعناصر القادرة على خوض التجربة، وربما عدم رغبتهم في استكمال المسار الثوري الأمر الذي جعل الكهلة والمسنّين يتهافتون على الرئاسة إيمانا بأنّ إدارة شأن البلاد تتطلّب شريحة عمرية كبيرة وكأن الحكمة محصورة لديهم فقط ؟
التساؤلات المشروعة في إطار هذا التهافت والتزاحم على الرئاسة هى هل سوف تستأثر اقلية بالسلطة والثروة، وأغلبية الليبين تبقى تتفرج وتعاني، ولا أمل لدى المواطن في الحياة الطبيعية الحرة والكريمة طالما لا يمتلك واسطة أو ينتمي لعائلة من عائلات المال والمليشيات المسلحة ؟ وهل من يترشح للرئاسة لايقدر على أداء أمانته إلا أذا كان من الأقوياء وأولو البأس الشديد مدني كان أم عسكري فكيف بمن لايمتلك بعضاً من مقومات الشخصية الإدارية لقيادة بعض أشخاص أن يطمح بولاية أمور ملايين المواطنين ؟
إلى متى يستمر تسامح شعبنا الليبي
في هذا البلد المنكوب بأزماته مع أولئك الذين يضمرون السوء للوطن وأهله وهم يقومون بتحريض ممنهج يستهدف أمنها الوطني ووحدتها لذلك يجب أن تكون ردة الفعل الشعبية بحق تلك الفئات المنحرفة سياسياً وديمقراطياً ووطنياً ردة تصحيصية بعد أن باعوا الوطن أرضا وإنساناً وجعلوا العالم يسخرمنا، هؤلاء العابثين يدّعون حب الوطن والوطن منهم براء فهم مخلصون لمصالحهم الذاتية والشخصية وفي اشباع بطونهم والاثراء غير المشروع عبر الصفقات ومحاولة الحصول على الوظائف لأبنائهم وأقاربهم على حساب الشعب الذي يعاني، فليس حريصاَ على مصلحة الوطن من يهدر الأموال ويتحصل على أعلى المرتبات والمزايا وليس حريصا ًعلى الوطن من يدعو إلى الإقليمية الضيقة وبث روح الفرقة وإثارة النعرات والفتن بين الليبيين .
في واقع الحال هؤلاء العابثين يساهمون في اغراقنا إلى أعماق المأساة وبدلاً من تقديم الحلول المطلوبة لأمن واستقرار ليبيا يجرون البلاد إلى اوضاع انقسامية من شأنها زيادة معاناة الشعب الليبي مما يتطلب الحاجة الملحة إلى فرز الخبيث من الطيب والسماح لمن يحترم منهم التفاهمات السياسية التي جرى الاتفاق عليها بالانخراط في العملية السياسية فهذا وطن وليس مسرح دمى أو مكاناَ لزرع الفتنة الجهوية المقيتة والعبث بالبلاد .