
من يقف وراء 10 مليارات دينار مجهولة المصدر؟
الانقسام السياسي والمؤسساتي في ليبيا أدى إلى نتائج سلبية متعددة، ومنها ما تعلق بالجانب الاقتصادي والمالي، حيث كشف المصرف المركزي الليبي عن معطيات خطيرة تهم ترويج مليارات العملات مجهولة المصدر.
حيث أكد المصرف في بيان بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول 2025، عن بلوغ إجمالي الفئات المسحوبة من العملة الوطنية ضمن الفئات (1/5/20)، 47 مليار دينار، منها نحو 10 مليارات دينار (1.8 مليار دولار) لم تصدر عن المصرف المركزي وغير معلومة له.
وأوضح المركزي أن قيم الفئات المسحوبة توزعت على النحو التالي:
فئة “الدينار الواحد“: حيث ورّد قرابة 37.4 مليون دينار من إجمالي الصادر والبالغ 100 مليون دينار.
فيما بلغت القيمة الموردة من فئة “5 دنانير” 2.5 مليار دينار من إجمالي الصادر 2,8 مليار.
وبلغت القيمة الموردة من فئة “20 دينارا– بريطانيا” 7.6 مليارات من إجمالي الصادر 8 مليارات.
فيما بلغ المورد من فئة “20 دينارا– روسيا” 19.9 مليارا من إجمالي صادر 13.4 مليارا.
ولفت المركزي إلى وجود فارق بقيمة 6.5 مليارات دينار من الإصدار الثاني من القيمة المطبوعة في روسيا والذي عدّها تجاوزا للمبالغ الصادرة، من إدارة الإصدار ببنغازي، ولم تسجل في السجلات الرسمية للمصرف.
يأتي هذا في الوقت الذي كان قد كشف فيه المصرف المركزي سابقا عن وجود فارق يقدر بأكثر من 3.5 مليارات دينار بين ما تم إصداره من فئة 50 دينار المطبوعة في روسيا وبين ما تم سحبه من التداول.
كما أشار المركزي إلى أن طباعة هذه العملة أثر سلبا على قيمة الدينار الليبي وأسهم في زيادة الطلب على العملات الأجنبية بمستويات كبيرة في السوق الموازي.
ووفقا لبيان المركزي، فقد ضاعفت طباعة هذه العملة من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وزادت من الضغوط على المصرف والقطاع المصرفي في سحبها.
وأكد المركزي اتخاذه الإجراءات القانونية كافة عن هذه التجاوزات، محملا مؤسسات الدولة كافة المسؤولية تجاه الموضوع.
في سياق متصل أعلن المصرف المركزي عن طباعة فئات جديدة من العملة الوطنية بقيمة 60 مليار دينار لتعويض الفئات المسحوبة من التداول المدة الماضية.
وقال المركزي: إنه تسلم ما يقارب 25 مليار دينار ليبي جرى توزيعها على المصارف كافة في أنحاء البلاد.
وأشار المركزي إلى قرب توريد 14 مليار دينار أخرى والتي ستصل إلى المركزي بالكامل قبل نهاية عام 2025 على هيئة دفعات متتالية.
ووفقا للمركزي فستورد باقي القيمة المتعاقد عليها والبالغة 21 مليار دينار خلال العام المقبل 2026 إلى مخازن المركزي.
يذكر أن المصرف المركزي انقسم في سنة 2014 إلى مؤسستين؛ الأولى في طرابلس، والثانية في بنغازي، وذلك بعد معارك شهدتها البلاد. وأدى الانقسام حينها، وما أعقبه من طباعة أموال جديدة، إلى تراجع قيمة الدينار الليبي أمام الدولار.
وبتوحيد فرعي المصرف المركزي نهاية عام 2022، جرت “شرعنة” العملة التي طبعها فرع البيضاء سابقا، لكن رياح الفوضى عادت بقوة نهاية عام 2023، مع عودة طباعة العملة مجددا في شرق ليبيا، من دون تحديد الجهة المسؤولة رسميا، ما دفع مصرف ليبيا المركزي لوصفها في بياناته بعملة مجهولة المصدر.
وتشهد المدن الليبية منذ أيام طوابير طويلة لمواطنين يقفون أمام المصارف على أمل سحب أموالهم أو رواتبهم، وسط أزمة سيولة خانقة جعلت الحصول على النقود أمرا بالغ الصعوبة.
عملات مزورة
دفع بيان المركزي الليبي بعدد من المؤسسات الرسمية إلى التدخل والتفاعل، حيث عد المجلس الأعلى للدولة إعلان مصرف ليبيا المركزي وجود عملة مزورة من الدينار الليبي خرقا جسيما للقانون المالي والمصرفي الليبي.
ووفق ما نقل موقع “ليبيا الأحرار” بتاريخ 14 أكتوبر 2025، فقد شدد المجلس الأعلى أن هذه العملة المزورة قرينة على وجود جريمة منظمة تمس السيادة النقدية للدولة، وتتطلب تدخلا عاجلا من الجهات المختصة للتحقيق والمساءلة.
ودعا المجلس النائب العام إلى فتح تحقيق جنائي عاجل في ظروف وملابسات إصدار الفئة غير القانونية وتحديد المسؤوليات المؤسسية والشخصية، سواء من داخل المصرف المركزي أو أي جهة أخرى أسهمت أو تسترت على هذا التجاوز الخطير.
وأكد ضرورة التعامل بحزم مع هذه المسألة، نظرا لتأثيرها المباشر على الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد.
كما دعا المجلس ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية إلى فتح تحقيق إداري ومالي شامل في آليات طباعة وتوريد العملة، والتحقق من مدى الالتزام بالمواصفات الفنية، وحجم الإنفاق، وتقييم العقود المبرمة مع الشركات الموردة.
وأهاب المجلس بالمؤسسات التشريعية والرقابية والقضائية كافة، القيام بمهامها بكل جدية، وتحمل مسؤولياتها القانونية والتاريخية حيال هذا الملف الخطير بحسب تعبيره.
وعلى المستوى العملي، استعرض رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية الإجراءات القانونية عبدالله قادربوه، الواجب اتخاذها تجاه الجهات أو الأفراد المتورطين في عمليات تزييف العملة.
وفي اللقاء الذي جمع الطرفين يوم 15 أكتوبر 2025، والذي خُصص لمناقشة ما ورد في بيان مصرف ليبيا المركزي، بحث تكالة وقادربوه سبل تعزيز التنسيق بين الجهات الرقابية والمالية لضمان حماية الاقتصاد الوطني والحفاظ على الثقة في النظام المصرفي.
بدورها، أكدت كتلة التوافق، أن حجم الأموال المزورة التي تم الكشف عنها، تعد “جرائم موصوفة ومتكاملة ضد الدولة وكيانها المالي وأمنها القومي“.
وطالبت الكتلة في بيان تفاعلي مع بيان المصرف المركزي، بالإسراع بالكشف عن الجهة أو الجهات التي تقف وراء ضخ هذه المبالغ الضخمة في السوق الليبي بعيداً عن القنوات الرسمية.
كذلك طالبت الكتلة البرلمان بـ“الإسراع في إقرار قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بصفته خطوة ضرورية للحد من الفوضى المالية وحماية الاقتصاد الليبي من الانهيار“.
_____________