المهدي هندي

هل ينجح المنفي في تجاوز الانقسام؟

يعكس الاجتماع الذي عقده رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفيمع رئيس الأركان العامة بالمنطقة الغربية الفريق أول ركن محمد الحدادوعدد من الضباط في طرابلس، وعيه العميق بحساسية وأهمية ملف المؤسسة العسكرية في المشهد الليبي الراهن.

فتأكيد المنفي على بناء جيش وطني مهنييرتكز على العقيدة العسكرية، بعيدًا عن الإصطفافات الجهوية والسياسية، يشير إلى أن القيادة السياسية (المعترف بها دوليًّا) تحاول استئناف جهودها نحو إعادة هيكلة هذه المؤسسة التي تمثل العمود الفقري لأي دولة.

لكن كما يوضح الواقع وتحليلات الخبراء، فإن هذا الطموح يصطدم بحائط الانقسام العسكري القائم بين شرق البلاد وغربها، وهو انقسام ليس مجرد مشكلة تنظيمية بل هو مرآة للانقسام السياسي المستمر منذ سنوات.

أعتقد أن التحدي الأبرز في هذه المسألة يكمن في وجود مؤسستين عسكريتين متوازيتين تختلفان في الهيكلية وفي علاقتهما بالسلطة المدنية:

في الغرب تتبع رئاسة الأركان ـ وزارة الدفاع في الحكومة، ما يكرس مبدأ تبعية الجيش للسلطة المدنية.

في الشرق ترتبط القيادة العامة للقوات المسلحة بالقائد الأعلى مباشرة، متجاوزة الحكومة في بعض الأحيان مما يمنحها طابعًا شبه استقلاليويعقّد أي محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية.

ولكن ما يحدد تبعية المؤسسة العسكرية هو الدستور، بمعنى هل النظام رئاسي مثل فرنسا ومصر وأمريكا أو برلماني مثل العراق أو مختلط.

وفي جميع الأحوال تبقى التبعية الأفضل لمجلس الأمن القومي لتحصين الجيش من تدخل السياسيين واستخدام السلاح لمصالح حزبية. هذا التباين لا يجعل مهمة التوحيد مجرد دمج لهياكل وقيادات، بل إعادة تعريف لدور الجيش في الدولة الليبية.

إن الإخفاقات المتكررة للمساعي السابقة سواء عبر اجتماعات القاهرة التي فشلت؛ نتيجة غياب الإرادة السياسية المشتركة، أو عبر لجنة (5+5) التي راوح عملها مكانه لأكثر من ثلاث سنوات رغم الرعاية الدولية، يؤكد أن التحدي أعمق من مجرد آليات للحوار، فهناك تحديات بنيوية داخل المؤسستين تجعل مهمة التوحيد عسيرة للغاية لعل أهمها: _اختلاف الهيكلية القيادية بشكل جوهري.

  • تضخم الرتب وكثرة الضباط ذوي الدرجات العليا، مما يخلق تنافسًا داخليًّا يضعف الانضباط.

  • الترقيات الاستثنائية التي أخلّت بتسلسل الأقدمية وأفرزت حالة من التشبع القيادي“.

  • الخلاف الجوهري حول نمط القيادة (الشرق متمسك بالقيادة العامة، والغرب يطالب برئاسة أركان تابعة للحكومة).

في ظل كل المعطيات السابقة، تبقى الخيارات المستقبلية محدودة أمام جهود المنفي وهي:

سيناريو الاستمرار في الانقسام (الأكثر واقعية):

تبقى كل مؤسسة عسكرية متمسكة بنمطها وولاءاتها، مع محاولات للتنسيق الجزئي بينها لا ترقى إلى مستوى التوحيد الشامل.

سيناريو التوحيد تحت رعاية دولية ضاغطة:

يمكن أن يتحقق هذا فقط بضغوط قوية ومفاوضات رابطة بين التوحيد وملفات أخرى مثل الانتخابات وإعادة الإعمار.

سيناريو إعادة الهيكلة من الداخل:

وهو المسار الذي يشير إليه المجلس الرئاسي، ولكنه سيظل محدود التأثير وقاصرًا إن لم يتزامن مع مسار سياسي وعسكري شامل للتوحيد.

لا شك أن الاجتماع الأخير في طرابلس يعكس جدية من المجلس الرئاسي في الدفع نحو الإصلاح، لكن جهود إعادة الهيكلة ستظل قاصرة ما لم يتم تجاوز الانقسام السياسي والعسكري العميق.

فتوحيد المؤسسة العسكرية ليس مجرد إجراء تقني تنظيمي بل هو عملية سياسية بامتياز تتطلب توافقًا وطنيًّا شاملاً، وإرادة صلبة من كافة الفاعلين المحليين، بالإضافة إلى رعاية دولية فعالة تضغط باتجاه الحل.

من دون تحقيق هذا التوافق سيظل الجيش الليبي الذي يشكل المحور الأساسي لمنظومة الأمن القومي أسيرًا للانقسام، وستظل محاولات إصلاحه رهينة التجاذبات الداخلية والإقليمية، ما يهدد استقرار البلاد وسيادتها.

________________

مقالات مشابهة