
كشف التصعيد المفاجئ للعنف فى ليبيا، عقب مقتل عبدالغنى الككلى، رئيس جهاز دعم الاستقرار (مجموعة مسلحة تابعة للمجلس الرئاسي) ورئيس جهاز الأمن التابع للمجلس الرئاسي، هشاشة الأوضاع الأمنية فى البلاد، وهشاشة اتفاق 2020 الذى ينص على وقف إطلاق النار كخطوة أولى نحو الاستقرار.
مع اول اختبار سقط الاتفاق، وانكشفت الأرضية التى بنى عليها بكونها أرضية رخوة تقوم على تفاهمات مرحلية بين فاعلين مسلحين، تحكمهم المصالح أكثر من القانون، ويحركهم النفوذ أكثر من وحدة الوطن واستقراره.
فى ظل غياب مشروع وطني جامع، كانت العاصمة الليبية، خلال السنوات الماضية، تعيش على واقع القوة والسلطة، بعد ان سيطرت عليها مجموعات مسلحة تتقاسم النفوذ، بينما فشلت الحكومة فى نزع سلاحها أو دمجها ضمن مؤسسات الدولة.
ومع الأحداث الأخيرة، تصاعد التوتر الأمنى والحشد العسكري المتبادل بين الجماعات المسلحة المسيطرة على العاصمة طرابلس ومدن أخرى في غرب ليبيا، في صراع على النفوذ والسيطرة على المؤسسات الحكومية ومصادر الثروة.
أحدث مقتل الككلىي فراغا كبيرا دفع مجموعات مسلحة أخرى لمحاولة سده. من ناحية، تمكنت قوات موالية لحكومة عبدالحميد الدبيبة من السيطرة على مقار جهاز دعم الاستقرار، مما يعزز نفوذ حكومة الوحدة الوطنية فى طرابلس.
ومن ناحية أخرى، أوجد تفكيك جهاز كبير مثل دعم الاستقرار فراغا أمنيا في بعض الأحياء، مما يؤجج النزاعات المحلية.
ومن المحتمل ان تتصاعد الاشتباكات لإعادة رسم خريطة النفوذ، لا سيما مع تصاعد التوتر بين الميليشيات المحلية والمجموعات القادمة من خارج طرابلس.
بالإضافة الى ذلك، قد ترى بعض الفصائل ما حدث تهديدا لوجودها، وتبدأ فى التحالف ضد الدبيبة، مما يعقد المشهد أكثر. هذا التحول فى موازين القوة لا ينذر فقط بالاقتتال والفوضى، بل يشكل اختبارا صعبا لقدرة حكومة الوحدة الوطنية على البقاء كقوة سياسية مركزية، ومدى قدرتها على ضبط الأمن وردع الفصائل المسلحة الأخرى.
هذا الوضع يفتح المجال لعدة سيناريوهات ستحدد وجه ليبيا المستقبلى.
السيناريو الأول:
تعزيز حكم الدبيبة بعد إزاحة الككلي وجهازه الذى يعتبر أحد مراكز النفوذ المسلح المستقل. فى هذا السيناريو يصبح للدبيبة مركز أقوى داخليا وخارجيا.
وقد يتمكن من تقديم نفسه كشخصية قوية قادرة على ضبط الوضع الأمني من خلال تفكيك الميليشيات تدريجيا وبسط سيطرته عليها، واحتواء الفصائل الكبرى داخل طرابلس، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.
لكن فى ظل استمرار المواجهات العسكرية بين الفصائل والانقسام مع الشرق وتعثر الانتخابات، ستبقى حكومة الدبيبة لفترة أطول دون انتخابات، ما يعنى استمرار نظام سياسي غير ديمقراطي، مع احتمالية انفجار الأوضاع والاحتجاجات فى أى وقت.
السيناريو الثاني:
قد تؤدى التوترات إلى مواجهات أوسع بين الفصائل المسلحة، مما يزيد من خطر الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة.
في هذا السيناريو الذى يبدو اقرب للواقع، سوف ترفض فصائل مسلحة تحركات الدبيبة الأمنية وتعتبرها تهديدا مباشرا لها، مما يدفعها الى المواجهة، بالإضافة الى ما سوف تواجهه الحكومة من عمليات انتقامية من أنصار الككلي او تحالفات مضادة للدبيبة. ومع غياب القدرة على الاحتواء من قبل الدولة، من المحتمل ان تعود الاشتباكات فى طرابلس أو الزاوية أو مصراتة، مما سيقود الى فراغ أمنى واستمرار الفوضى السياسية.
السيناريو الثالث:
تدويل الأزمة والسماح لتدخلات خارجية أوسع في ظل فشل محاولات التوافق الداخلي والوصول الى انسداد سياسي حاد مقابل انتشار الفوضى والاقتتال. من المحتمل ان يفرز عن هذا السيناريو مقترحات أممية جديدة تتجاوز الأطراف الليبية الحالية، مع إعادة هيكلة العملية السياسية بالكامل، او فرض حل دولى أو «حكومة انتقالية» جديدة. هذا السيناريو سيكون نتيجة حتمية للسيناريو الثالث.
السيناريو الرابع:
استغلال الأحداث الراهنة من أجل تفكيك الميليشيات تدريجيا، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية مما يتيح المجال لفرض سلطة الدولة والتقدم نحو الانتخابات بعد التوافق بين مجلس الدولة والنواب على القوانين الانتخابية.
هذا السيناريو على أهميته إلا انه يبقى مستبعدا فى الوقت الحالي بسبب عمق الانقسامات بين الفرقاء، وإصرار الجهات المتضررة من التغيير على عرقلة العملية الديمقراطية.
فى ظل هذه السيناريوهات، يبقى مستقبل ليبيا غامضا وامام مفترق طرق:
فإما ان يتم استغلال الأوضاع الراهنة من أجل بسط سلطة القانون والتحول إلى دولة مدنية ديمقراطية ذات مؤسسات سيادية قوية.
أو الانفراد بالحكم وإدامة الحلول المؤقتة على حساب بناء الدولة، ومن ثم الانزلاق إلى مزيد من الفوضى الأمنية والانقسام وفتح الطريق أمام صراع جديد قد تمتد تأثيراته إلى الجوار الإقليمي، وقد يهدد الاستقرار كامل منطقة البحر المتوسط.
_________________