جون هانكوك

في ظل الاضطرابات السياسية المستمرة في ليبيا، لماذا تنجح مدن مثل مصراتة في عزل نفسها جزئيًا عن معظم الصراع وعدم الاستقرار الذي تعاني منه البلاد؟

هل من الممكن أن يكون دعم قادة الأعمال في مصراتة، وتركيزها على الحوكمة المحلية، وتركيزها على بناء اقتصاد قوي قائم على المشاريع التجارية بدلًا من الاعتماد على مؤسسات الحكومة المركزية مثل مصرف ليبيا المركزي قد ساهم في حمايتها من التحديات السياسية والتجارية التي تواجهها المدن الليبية الأخرى؟

منذ ثورة 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي، غرقت ليبيا في انقسام سياسي وصراع، حيث تنافست فصائل مختلفة على السيطرة على الحكومة المركزية وثروة البلاد النفطية الهائلة. وقد أدى هذا الاضطراب المطول إلى شلل أجزاء كثيرة من ليبيا، مما أدى إلى انهيار اقتصادي، وانهيار في الخدمات العامة، وانعدام أمني واسع النطاق.

مع ذلك، سلكت مصراتة مسارًا مختلفًا.

فقد استفادت المدينة من موقعها الاستراتيجي على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومينائها الحيوي، وتقاليدها الراسخة في الحكم المحلي لبناء اقتصاد أقل اعتمادًا على الحكومة المركزية وأكثر مرونة في مواجهة الفوضى السياسية الأوسع.

كان لمشاركة كبار رجال الأعمال والمؤسسات والحكم المحلي دورٌ حاسمٌ في تطور مصراتة، حيث ساهم بشكل كبير في استقلالها الاقتصادي واستقرارها.

لعب قادة الأعمال المحليون في مصراتة دورًا محوريًا في تشكيل مرونة المدينة الاقتصادية، لا سيما في سياق الاضطرابات السياسية الأوسع في ليبيا.

لقد استخدم هؤلاء الأفراد مواردهم ونفوذهم ورؤاهم للمساعدة في تحويل مصراتة إلى مركز اقتصادي أقل اعتمادًا على الحكومة المركزية وأكثر عزلة عن الصراعات الدائرة في البلاد.
كان لشخصيات أعمال بارزة مثل محمد طاهر عيسى، وأحمد أبو ختالة، وفاروق العبيدي، ومحمد الفقيه، وعبد الله بن ناصر، تأثير مباشر على استقرار مصراتة. لم يستثمر هؤلاء القادة في المشاريع التجارية فحسب، بل لعبوا أيضًا دورًا فعالًا في دعم حوكمة المدينة.

وقد أرست استثماراتهم في البنية التحتية والتصنيع والنقل والخدمات المالية الأساس الاقتصادي اللازم لمصراتة للعمل (إلى حد ما) بشكل مستقل عن الحكومة المركزية. وقد ساعد هذا الاستقلال الاقتصادي بدوره في السماح لمصراتة بتجنب التورط بشكل عميق في الصراع السياسي الداخلي الذي زعزع استقرار أجزاء أخرى من ليبيا.

من خلال توجيه الموارد إلى المشاريع المحلية والحفاظ على التركيز على التنمية الاقتصادية، ساهم قادة الأعمال هؤلاء في خلق شعور بالاستقرار والاستمرارية في مصراتة. لقد ضمنت جهودهم بقاء المدينة مركزًا للتجارة والصناعة، حتى في ظل معاناة بقية البلاد من أزمات اقتصادية وسياسية.
كما لعبت القيادة المحلية لمصراتة دورًا حاسمًا في هذه العملية.

فقد عمل المجلس البلدي للمدينة، الذي يتمتع بقدر من الاستقلالية، بشكل وثيق مع مجتمع الأعمال لتهيئة بيئة مواتية للاستثمار والتنمية.

وقد مكّن هذا التعاون مصراتة من جذب استثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية والصناعية، مما عزز اقتصادها المحلي بشكل أكبر.

عند النظر في تأثير هذه الشخصيات الرئيسية، من المهم الإقرار بتأثير مختلف مشاريع البنية التحتية والمشاريع التجارية التي دعمت تنمية المدينة، ومن الأمثلة على ذلك:

شركة الحديد والصلب الليبية:

بصفتها واحدة من أكبر الشركات الصناعية في ليبيا، تُعدّ الشركة مساهمًا رئيسيًا في اقتصاد مصراتة، حيث توفر العديد من فرص العمل بشكل مباشر وغير مباشر، وتدعم مجموعة واسعة من الأعمال والخدمات المساندة.

المنطقة الحرة في مصراتة:

تُعد هذه المنطقة واحدة من أكثر المناطق الحرة نشاطًا وأهمية في ليبيا، حيث تجذب الشركات المحلية والدولية على حد سواء. كما تُساهم في تعزيز مكانة مصراتة كمركز تجاري، حيث تُقدم حوافز ضريبية وموقعًا استراتيجيًا للتجارة.

ميناء مصراتة:

يُعدّ أحد أكثر الموانئ ازدحامًا في ليبيا، وهو بمثابة بوابة للواردات والصادرات، وهو أمر أساسي لاقتصاد المدينة، ويُسهّل التجارة ليس فقط لمصراتة، بل أيضًا لمعظم غرب ليبيا.

تتزايد الأنشطة التجارية في ميناء مصراتة على المستوى الدولي، مع إقامة شراكات مع موانئ وشركات حول العالم.

على سبيل المثال، وقّعت المنطقة الحرة في مصراتة مؤخرًا اتفاقيات مع ميناء أنتويرب في بلجيكا وشركة هندسة الموانئ الصينية، ومن المتوقع أن تجلب هذه الاتفاقيات الخبرات والتحسينات التكنولوجية والاستثمارات المحتملة.

تتماشى هذه الشراكات مع أهداف ليبيا الأوسع نطاقًا والمتمثلة في الاندماج بشكل أعمق في شبكة التجارة العالمية، على الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية المستمرة في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، لطالما كان مجلس بلدية مصراتة أكثر تماسكًا وفعالية من مجالس المدن الليبية الأخرى، مما ساعد على الحفاظ على النظام وإدارة موارد المدينة.

كما لعبت المؤسسات التعليمية والصحية دورًا في استقرار المدينة. فجامعة مصراتة، إحدى أكبر الجامعات في ليبيا، تُقدم التعليم والبحث اللذين يدعمان الاقتصاد المحلي.

تترابط هذه المؤسسات وتساهم مجتمعةً في الجدوى الاقتصادية والاستقرار في مصراتة من خلال ضمان النمو الاقتصادي والتوظيف والأمن والخدمات الأساسية. وقد ساعدت مصراتة في الحفاظ على قدر من الحياة الطبيعية والتنمية.

مكّن الاستقلال الاقتصادي لمصراتة من الحفاظ على استقرار نسبي، حتى في الوقت الذي انزلقت فيه أجزاء أخرى من ليبيا إلى الصراع. من خلال التركيز على التنمية الاقتصادية المحلية والحوكمة، تجنبت المدينة التورط في الصراعات السياسية والعسكرية الأوسع التي أثرت على ليبيا.

لم يصُن هذا النهج المصالح الاقتصادية لمصراتة فحسب، بل قدم أيضًا نموذجًا للصمود قد تسعى مدن ليبية أخرى إلى محاكاته.

باختصار، تنبع قدرة مصراتة على فصل نفسها عن الصراع السياسي الداخلي في ليبيا من حكمها المحلي القوي واقتصادها المزدهر القائم على المشاريع التجارية. وقد سمحت هذه الاستراتيجية للمدينة بتجاوز عواصف الصراع الوطني والظهور كمنارة للاستقرار والحيوية الاقتصادية في منطقة مضطربة.

إذنإذا كانت مصراتة مثالًا يُحتذى به، فلماذا لا يمكن للآخرين اتباع النهج نفسه؟
________________

مقالات مشابهة