منذ اتفاق الصخيرات في 2015، الذي وقّعه المشاركون في الحوار الليبي بالمدينة المغربية، لم يتوقف تدفق خرائط الطريقالتي تُعلنها جهات محلية ودولية لرسم مسارات لحل أزمة ليبيا، لكنها تتحول مع الوقت إلى مجرد وثائق تُضاف إلى الأرشيف، بينما تستمر البلاد في دوامة الصراع.

آخر هذه الخرائط خريطة طريق جديدة صرّح عدد من أعضاء مجلس النواب عن عزم المجلس على إطلاقها قريباً بناء على نتائج اجتماع القاهرة الذي ضم عدداً من أعضاء مجلسي النواب والدولة، يومي السبت والأحد الماضيين.

وهي خريطة الطريق السادسة داخلياً، بينما تواصل البعثة الأممية تفعيل مبادرتها، التي أطلقتها في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من خلال اللجنة الاستشارية التي ستسلم أعمالها إلى أخرى سياسية، فيما تظهر معالم خريطة طريق أخرى تسعى الأمم المتحدة لرسمها أيضاً.

بدأت القصة حين مثّل اتفاق الصخيرات أول محاولة جادة لوضع حد للأزمة، إلا أن الجهات الموقعة عليه لم تلتزم ببنوده التي تحولت حبراً على ورق.

ثم جاء المبعوث الأممي السابق غسان سلامة عام 2019 ليعلن عن خريطة طريق من ثلاث نقاط (هدنة واجتماع بين الدول المعنية واجتماع بين الأطراف الليبية)،

ثم مؤتمر برلين الأول، الذي انعقد في مطلع 2020 (شملت وقف إطلاق النار والحوار وصولاً لإجراء انتخابات)، لكن هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس بالتزامن مع عقد المؤتمر، قضى على الفرصة قبل أن تُولد.

ومع انتهاء حرب حفتر، نجحت ستيفاني وليامز، التي خلفت سلامة في منصبه، في قيادة حوار سياسي توصل إلى خريطة طريق جديدة في نهاية 2020، حددت مهلة 18 شهراً لإجراء الانتخابات، لكن الخلافات تجددت بين مجلسي النواب والدولة وأحبطت الآمال مرة أخرى.

على الصعيد الداخلي، تحولت خرائط الطريق إلى حدث مكرر، فعدد ما أعلنه مجلسا النواب والدولة والأحزاب والقوى المدنية حتى الآن خمس خرائط طريق مقترحة، لكن دون نتيجة.

والآن يسعى مجلس النواب إلى طرح خريطة سادسة من المحتمل أنها ستنص في أول مراحلها على تشكيل حكومة جديدة للإشراف على الانتخابات، ما سيحولها إلى خريطة لسد الطريق. يأتي ذلك بالنظر إلى أنها تهدف بشكل واضح لإقصاء الحكومة في طرابلس، الرافضة لأي مسار أو تقارب مع مجلس النواب، ولا ريب في أنها خريطة ستكرر فشل التجارب السابقة.

وإذا كان هذا هو الواقع بين مختلف الأطراف، والذي لا يضيف سوى المزيد من التعقيد والانسداد، فأي خريطة طريق ستنتجها مبادرة البعثة الأممية ستكرر حتماً تجربة الخرائط الأممية السابقة.

السؤال الذي يفرض نفسهلماذا لا تزال ليبيا عالقة في متاهة الانتخابات منذ سنوات؟

الإجابات المعلنة تقول إن السبب هو الخلافات المعقدة في القوانين الانتخابية، لكن الواقع يشي بأن الانتخابات نفسها أصبحت أداة لتمديد الأزمة لا لحلها.

فبدلاً من أن تكون بوابة للدخول إلى مرحلة دائمة، يتم توظيفها لإعادة إنتاج النخب الحاكمة ضمن مراحل انتقالية مستمرة. ويتجاهل الجميع وجود وثيقة أساسية يمكنها كسر هذه الحلقة المفرغة، وهي مسودة الدستور المخزنة في أدراج مجلس النواب، والتي لم تطرح للاستفتاء عليها رغم جهوزيتها، لتؤسس لمرحلة جديدة دائمة بشرعية دستورية شعبية.

يبدو أن أساس المشكلة هو عدم وجود وجهة محددة لهذه الخرائط المتعددة، كسائح في صحراء يرسم مسارات لكنه لا يعرف أين يريد الذهاب.

والنتيجة أن كل هذه الخرائط تحولت إلى أوراق لتوجيه الصراع لحشد المكاسب فقط، بينما الحل الجذري بيد الجميع، وهو بناء عقد اجتماعي عبر تمكين الشعب من المصادقة على دستوره الدائم، الذي يؤسس لطريق صحيح نحو انتهاء كل المشكلات القائمة.

_______________

مقالات مشابهة