مالك المغربي

في 2021، عندما قرّرت الدخول إلى المعترك السياسي للترشّح إلى مجلس النواب الليبي بشكل مستقل، عن دائرة مدينة غريان في الجبل الغربي، وخلال البدء بتقديم إجراءات الترشّح، ومن دون سابق إشهار من ناحيتي، تم نشر اسمي وإعلان الجهة المسؤولة عن الذمة المالية عن ترشّح شخصي للانتخابات، حتّى تفاجأت بوجود صورتي الشخصية تتصدّر المنشورات على صفحات فيسبوك، وتتضمّن استغراباً: كيف لشخص مثلي أن يُرشّح نفسه للرئاسة، بينما عزمت على الترشّح إلى البرلمان.

ومن هنا، انطلقت موجات عنف ضدّي، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو بشكلٍ مباشر، لردعي عن المشاركة كمرشّحة في العمليات الانتخابية؛ هذا ما تقوله الناشطة الليبية المهتمة بالشأن العام، خلود القماطي.

يكشف التعداد الأخير لعدد سكان ليبيا في 2023، والمعلَن من قبل الأمم المتحدة والصندوق الدولي، عن تقارب بين فئات المجتمع من النساء والرجال ضمن العدد الكلي الذي يناهز سبعة ملايين ونحو 200 ألف نسمة، ثلاثة ملايين ونصف المليون منهم من الإناث مقابل العدد نفسه تقريباً من الذكور.

وبينما تنصّ الإعلانات الدستورية الليبية كافة منذ استقلال البلاد، على أنّ المشاركة في العمليات الانتخابية حق للجميع، إلّا أنّ الواقع مغاير والمشاركة السياسية محصورة في معظمها في فئة الرجال فحسب، ليس فقط من حيث حصّة كل فئة في الترشّح إلى المقاعد والمناصب السيادية، سواء على مستوى مجالس سيادة الدولة أو الحكم المحلي.

انطلقت موجات عنف ضدّي، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو بشكلٍ مباشر، لردعي عن المشاركة كمرشّحة في الانتخابات (…) حملات التنمّر التي كانت تركّز على مظهري طاولت طريقة لباسي ووضعي مستحضرات تجميل وصولاً إلى نعتي بـالقبيحة، وقذفي بصفات مُخلّة بالأدب

شهدت ليبيا، منذ إطاحة نظام القذافي، عام 2011، وحتّى نشر هذه السطور، أربع عمليات انتخابية وُصفت الثلاث الأُوَل منها بـالناجحة، فيما عُدّت الأخيرة فاشلةً“.

على سبيل المثال، على مستوى المشاركة في عمليات تنظيم تسجيل الناخبين والمرشحين التي تتولّى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تنظيمها، جاءت نسب المشاركة في انتخابات المؤتمر الوطني عام 2012، وانتخابات الهيئة التأسيسية في 2014، وانتخابات مجلس النواب عام 2014، والانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2021، وفق المفوضية.

القضايا تتعدّد

بالرغم من ضآلة الحظوظ والحصص التي تسبّب عجزاً في مشاركة المرأة وترقّيها في المناصب السيادية بسبب القوانين الانتخابية المعتمدة، تعدّدت القضايا الحياتية التي من شأنها أيضاً ردع النساء عن المشاركة في العمليات الانتخابية بأشكالها العامة.

وفي استطلاع رأي أجراه معدّ التقرير، جرى تحديد ثمانية أمور تعرقل مشاركة النساء في العمليات الانتخابية، وقد استُلهمت من البحث والحوار مع شخصيات نسائية ناشطة وعاملة في المجال العام والمشهد السياسي في ليبيا، وهي:

أولاًالفئات المهمّشة

الجماعات المهمّشة، بمن فيهم من يعيشون في المناطق النائية والريفية والمسنّين وذوي الإعاقة والأمّيين أو من ليست لديهم موارد معلوماتية كافية، قد يواجهون تحدّيات أكبر من حيث الوعي والتعرّف على عملية التسجيل ومن ثم التصويت.

ثانياًالعنف والتنمّر

التنمّر القائم على المرأة نوع من أنواع العنف الذي يُمارَس على النساء، خاصةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبق أن سجّل مفعوله وأدى إلى انسحاب مجموعات من النساء والحؤول دون تسلّقهنّ سلّم الحياة السياسية.

ثالثاًفقدان الحماسة للمنافسة

ربما تكون المرأة المرشّحة قد مرّت بمجموعة من الضغوط الاجتماعية، مثل التفكير المفرط في نظرة المجتمع إليها، وهو ما قد يؤدي إلى نقص الحماسة لديها حيال المشاركة في الحياة السياسية أو الرغبة في تسلّق مناصب سيادية، علماً أنه يكون ضعيفاً من الأساس.

رابعاًالسُنن الدينية والفتاوى الشرعية

الارتباط القوي بالدين وفهم بعض الأمور المتعلقة بالشريعة والسنن بمفهوم خطأ، قد يُنمّي أفكاراً مختلفةً عند المرأة تجاه مسؤولياتها داخل مجتمعها، وتالياً قد تميل إلى العزوف عن المشاركة.

خامساًعدم الثقة بأنظمة الحكم

بعد الذي مرّت به ليبيا من مشكلات، خاصةً تلك المتعلّقة بتعدّد الحكومات والأداء الضعيف، كل هذا قد يخلق شعوراً بعدم الثقة في نوعية النظام وتفضيل نظام حكم آخر ورفض اختيار سلطات جديدة، وتالياً يحدث العزوف عن المشاركة.

سادساًالفئات المشرّدة والنازحة

النازحون داخلياً، خاصةً الذين طالت أزمتهم ويعانون من عدم الاستجابة لمطالبهم وشعورهم بعدم الاستقرار، خاصةً الأمهات منهم، قد يولّد ذلك لديهم نوعاً من الغضب والشعور بعدم الانتماء، وهو ما قد يُثمر عن عدم مشاركة.

سابعاًالوضع الأمني وعدم الاستقرار

الخوف وعدم الخروج من المنزل في أثناء الاضطرابات والصراع المسلّح، حتّى لو كان في الأمر تضخيم ومبالغة، أمر يزداد في حالة النساء مقارنةً بالرجال، بالنظر إلى الأدوار الأسرية التي تقوم بها المرأة والمتعلقة برعاية أفراد الأسرة والأطفال، على العكس من الرجل الذي قد يدفعه الفضول أحياناً إلى الاقتراب ومعرفة مجريات الصراع. ووضع ليبيا غير المستقرّ منذ 2011، يجعل نسبة مشاركة المرأة أقلّ من الرجل.

ثامناًحقوق المتزوّجات من أجانب

تقلّ حظوظ النساء المتزوجات من زوج أجنبي في المشاركة في الحياة السياسية نظراً إلى المواد والقوانين الموضوعة التي تقيّد المشاركة على أساس هذا الشرط، أو حتّى التي تمنع أبناء الليبيات من أزواج أجانب والحاملين جنسيات آبائهم من المشاركة.

كذلك، يبدو أنّ العنف والتنمّر اللذين يُمارَسان على المرأة، واللذين صنّفتهما وحدة دعم المرأة في المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على أنهما عنف انتخابي، هما المثيران للجدل اليوم في ليبيا والرادع الأكبر للنساء عن المشاركة أو إعلان من يدعمن عندما يتعلّق الأمر بمشاركة الرجل في الساحة السياسية. فمحاولات قمع النساء أو حصر مشاركتهنّ أو حتّى إزاحتهنّ عن مناصب كنّ الأجدر بتقلّدها أمر لا نهاية له في البلاد.

نجحت ربيعة، في الحصول على المقعد البرلماني، وتعرّضت منذ ذلك الحين للعديد من أشكال العنف على غرار التنمّر والتهديد وتشويه السمعة، رغبةً في إزاحتها وإضعاف موقفها… عن العنف الانتخابي، أحد أساليب ردع النساء عن المشاركة السياسية في ليبيا

يتبع

***

مالك المغربي ـ صحافي ومصور وصانع أفلام وثائقية مستقل مقيم في ليبيا، ويعمل منذ 2017 صحافياً استشارياً مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا.

_______________

مقالات مشابهة