عبدالله الكبير

لعل الجزئية الأهم في وقائع نجاح إنجاز الانتخابات البلدية، هي بطلان شرط الأطراف السياسية بضرورة تشكيل حكومة واحدة لكي تجرى الانتخابات العامة، فالانتخابات البلدية جرت في 58 بلدية، في مختلف المناطق، في ظل الانقسام السياسي والأمني والعسكري، وفي وجود حكومتين.

ولم تسجل خلالها أي خروقات أو اعتداءات، بانتظار إعلان المفوضية عن النتائج النهائية، بعد اكتمال العد والمراجعة والنظر في الطعون.

فلماذا إذا تعطل الانتخابات التشريعية، وهي لا تختلف في كل خطواتها العملية عن الانتخابات البلدية؟ 

 الحجة التي دفعوا بها بعد هزيمة حفتر في طرابلس، واندحار عصاباته، هي نفسها التي يدفعون بها في كل مرة يشتد عليهم الضغط من أجل إجراء الانتخابات، فبعد هزيمة حفتر كان من الطبيعي أن يحسم الصراع على السلطة بواسطة الانتخابات.

ولكن سلطات الأمر الواقع أصرت على ضرورة الذهاب إلى مرحلة تمهيدية قبل الانتخابات، فعقدت حوارات تونس جنيف وتم انتخاب سلطة تنفيذية جديدة، وضرب المجتمعون موعدا مع الانتخابات في ذكرى الاستقلال 24 ديسمبر.

ولكن النية المضمرة مسبقا لدى سلطات الأمر الواقع بافشال الانتخابات، ووضع العراقيل في طريقها، وتكريس استمرار الحالة الراهنة، هي التي رجحت كفتها في النهاية، ولم تجر الانتخابات، وتبادل الخصوم الاتهامات بافشالها.

 ومع استمرار المطالبة بإجراء الانتخابات في الخطابين الداخلي والخارجي، ونجاح الانتخابات البلدية، لم يعد مقبولا التذرع بأن الانتخابات تحتاج إلى حكومة واحدة، ولابد من حوار سياسي ترعاه بعثة الأمم المتحدة، لتشكيل حكومة جديدة تشرف على الانتخابات.

 صحيح أن الانتخابات العامة، أي الانتخابات النيابية والرئاسية، أو النيابية فقط، أكثر أهمية من الانتخابات البلدية، و التفاعل معها والمشاركة فيها أكبر بكثير من الانتخابات البلدية، ومن ثم ستكون بحاجة إلى استعدادات أكبر، وتوقع أنها ربما لن تمضي بهدوء وسلام، خاصة إذا شملت الانتخابات الرئاسية، محور الصراع الأساسي بين عدة كيانات وشخصيات، أحدها لم يتورع ولم يتردد في شن الحروب، والاعتداء على الناس الآمنة في بيوتها ومصالحها، في ارتكاب أبشع الجرائم من أجل الوصول لسدة الحكم.

 ولكن رغم كل الاحتمالات السلبية، لا مندوحة عن خوضها، لأنها السبيل الوحيد المتاح لانجاز التغيير، ولأن الأصل هو نجاحها مثلما نجحت الانتخابات السابقة بشرط توفر كل ظروف هذا النجاح، أما الاستثناء فهو فشلها، وهذا متوقع فقط إذا تعمد طرف سياسي عسكري تخريبها إذا وجد أنها لا تسير في مصلحته، وبالتالي عدم الاعتراف بنتائجها.

 الجوانب الفنية للعملية الانتخابية جاهزة، فالخبرة التي راكمتها المفوضية العليا للانتخابات كبيرة، والدعم المالي واللوجستي حاضر، ولدينا أكثر من دليل على قدرة مديريات الأمن على تأمين مراكز الاقتراع والفرز والعد.

لاشئ إذا يعيق المضي نحو التغيير عبر الانتخابات سوى سلطات الأمر الواقع، فلاشئ يدفعهم إلى التخلي عن السلطة وامتيازاتها طوعا، وحتى مع تساقط حججهم، وبطلان ادعاءتهم عن القوة القاهرة والانقسام المؤسساتي، وغيرها، لن تجبرهم على حسم الأمر والعودة إلى الشعب لكي يختار ممثليه، بل ولعلهم بعضهم يعمل الآن على صياغة حجج جديدة، سعيا للمزيد من التعطيل، ولا تعويل على مجتمع دولي منقسم ولديه ملفات أكثر أهمية وأشد خطورة من الملف الليبي.

وحده تحرك الشعب الليبي بكل فئاته ومكوناته، وبشكل سلمي مثابر لا يغادر الميادين، وفي كل المدن والقرى، هو ما سيجبر الجميع على الرضوخ للإرادة الشعبية، وتنفيذ كافة المطالب.

_______________

مقالات مشابهة