الحبيب الأسود
الحكومات المتعاقبة ضالعة في فرض العديد من الإجراءات التعسفية على الصحافيين.
عاد السجال الحاد في ليبيا حول واقع حرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير في ظل استمرار ملاحقة كل صاحب رأي مختلف أو موقف منتقد لتصرفات السلطة وقرارات المسؤولين، آخرها اعتقال الصحافي ورئيس تحرير موقع صحيفة “الحياة الليبية” محمد الصريط، الذي أثار استنكارا واسعا وإدانة حقوقية من قبل المنظمات المعنية في البلاد.
وقالت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في بيان إن الاتصال بالصريط انقطع منذ ظهر الخميس الماضي، مضيفة أن المعلومات الأولية تفيد بأنه “محتجز تعسفيا لدى جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة المكلفة من مجلس النواب دون أساس أو مسوغ قانوني لذلك”.
وأضافت أن الصريط احتجز بعد “انتقاده عبر موقع فيسبوك إخلاء منزل أحد أفراد عائلته بمنطقة جليانة في بنغازي دون تعويض، ودون مبرر قانوني”، داعية قيادة الجيش وحكومة أسامة حماد وجهاز الأمن الداخلي إلى “العمل على الإفراج عنه بشكل فوري، ودون قيد أو شرط، وحمايته من المعاملة غير اللائقة، وإجراء تحقيق شامل وعاجل في ملابسات الواقعة، وضمان محاسبة المسؤولين عنها، وضمان عدم تكرارها”.
ويرى مراقبون أن اعتقال الصريط “ليس سوى حلقة من مسلسل تكميم الأفواه وملاحقة الأصوات الحرة في كافة أرجاء ليبيا، وخاصة في المنطقة الشرقية التي لا تزال تشهد عمليات الإيقاف والإخفاء القسري وتغييب كل من ينتقد سلطات الأمر الواقع في مناطق نفوذ قوات الجنرال خليفة حفتر سواء من الصحافيين والإعلاميين وصانعي المحتوى أو من الناشطين السياسيين أو من الفاعلين في المجتمع الأهلي وصولا إلى أعضاء البرلمان وآخرهم ابراهيم الدرسي الذي تم تغييبه منذ مايو الماضي”.
اعتقال رئيس تحرير موقع “الحياة الليبية” ليس سوى حلقة من مسلسل تكميم الأفواه وملاحقة الأصوات الحرة في كافة أرجاء البلاد
وأدانت الهيئة العامة للصحافة اعتقال الصريط، وانتهزت فرصة اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم التي ترتكب ضد الصحافيين، للتذكير بقانون المطبوعات الليبي الذي يمنع حبس الصحافيين احتياطيا إلا عن نيابة الصحافة وبإذن وزير الإعلام.
كما أشارت إلى الإعلان الدستوري الذي يحمّل الدولة مسؤولية ضمان حرية الصحافة والتعبير، إضافة إلى المواثيق والمعاهدات الدولية التي تعتبر الدولة الليبية طرفا فيها، داعية كافة الجهات المعنية إلى الإفراج عنه دون قيد أو شرط، وعدم حمله على الإدلاء بأي بيانات أو تعليقات في سياق العقوبات النفسية والمعنوية.
من جانبها أوضحت منظمة رصد الجرائم في ليبيا أن الصحافي محمد الصريط، محلل الشأن الليبي بصحيفة “نيويورك تايمز”، تعرض للاعتقال التعسفي على يد جهاز الأمن الداخلي في بنغازي، وتابعت أن الصحافي تم إيقافه داخل مقهى وسط بنغازي قبل أن يتم اقتياده إلى مكان مجهول وينقطع الاتصال به تماما.
وحمّلت المنظمة في بيان لها السلطات في شرق ليبيا المسؤولية القانونية الكاملة عن سلامة الصريط مطالبة بالكشف الفوري عن مصيره وإخلاء سبيله دون قيد أو شرط، وشددت على ضرورة احترام السلطات في شرق ليبيا للحق في حرية الرأي والتعبير وضمان بيئة آمنة للعمل الصحفي، وتوفير الحماية القانونية للصحافيين في أداء عملهم دون قيود أو تهديدات، داعية مكتب النائب العام إلى فتح تحقيق مستقل وشفاف في الانتهاكات المستمرة ضد الصحافيين، وضمان محاسبة المسؤولين عنها وفقًا للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
ومن جانبه دعا صندوق “دعم الإعلاميين” إلى الكف عن استهداف الصحافيين بسبب آرائهم الشخصية أو المهنية، مؤكدا أن “حرية الصحافة والرأي ركيزتان أساسيتان لأي مجتمع يسعى إلى العدالة والديمقراطية”، وطالب باحترام حقوق الصحافيين، وتهيئة بيئة آمنة لهم لممارسة مهامهم دون ترهيب.
وفي السياق ذاته استنكرت خمس منظمات غير حكومية، وهي المنظمة الليبية للإعلام المستقل ومنظمة “جديد” للإعلام الرياضي والمؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية وشبكة “أصوات” للإعلام ومنظمة “خطوة بخطوة” لحقوق الإنسان، في بيان مشترك الاعتقال والاحتجاز التعسفي للصحافي محمد الصريط وطالبت بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه، محملة الجهات المعنية مسؤولية سلامته، وحذرت من خطورة استمرار الممارسات التعسفية، وأكدت أن محاولات إسكات الصحافيين لن تؤدي إلا إلى تزايد الضغوط على ليبيا وتقويض أي جهود لإقامة نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان.
واعتبرت المنظمات الخمس في بيانها أن اعتقال الصريط يمثل انتهاكا خطيرًا لحرية الصحافة وحق التعبير، وتجاوزا واضحا للقوانين الليبية والدولية التي تكفل حقوق الصحافيين، وذكّرت بما تنص عليه المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة ووقعت عليه ليبيا، من حظر التقييد التعسفي لحريات الأفراد والتي تنص علي أنه “لا يجوز إخضاع أحد للاعتقال التعسفي أو حجزه أو نفيه”.
ليبيا حلت في الترتيب الـ143 عالميا والـ11 عربيا، في المؤشر السنوي لحرية الصحافة العالمي لعام 2024
ودعا البيان إلى الالتزام التام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم “163/68” بشأن سلامة الصحافيين ومسألة الإفلات من العقاب، والذي يلزم الدول الأعضاء، بما في ذلك ليبيا، بتوفير بيئة آمنة للصحافيين تتيح لهم ممارسة مهامهم دون خوف أو تقييد، وأكدت أن احتجاز الصحافيين على خلفية عملهم الإعلامي يخالف نص وروح القرار ويضع ليبيا في مصاف الدول التي تنتهك بشكل صارخ حرية الصحافة.
وذكرت الجهات المعنية بقانون المطبوعات الليبي الذي يمنع حبس الصحافيين احتياطيا إلا بموافقة من نيابة الصحافة ووزير الإعلام، والإعلان الدستوري الذي يحمل الدولة مسؤولية حماية حرية الصحافة والتعبير، ونبهت إلى التزامات الدولة بموجب المواثيق والمعاهدات الدولية التي تؤكد ضرورة احترام هذه الحقوق الكاملة.
وحلت ليبيا في الترتيب الـ143 عالميا والـ11 عربيا، في المؤشر السنوي لحرية الصحافة العالمي لعام 2024، الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، والذي يشمل 180 دولة ومنطقة سنويا، وقال التقرير الصادر عن المنظمة في مايو الماضي إن ليبيا لم تسجل أيّ اعتقالات للصحافيين أو عمليات خطف أو قتل خلال العام الجاري.
لكن بحسب تقرير المركز الليبي لحرية الصحافة فإن الرقم 488 هو حصيلة ما وُثِّق في الفترة ما بين عامي 2014 و2024 في أكثر من 16 مدينة ليبية، وهو رقم يُمثل جزءا من سلسلة واسعة من حوادث العنف والجرائم التي تعرض لها الصحافيون والهجمات على وسائل الإعلام خلال عقد كامل من الزمن، فالكثير منهم يُفضل السكوت وعدم تقديم الشكاوى خوفاً من ردود فعل انتقامية من المُنتهكين الذين ينعمون بإفلات تام من العقاب في ظل الصراع السياسي والعسكري الذي تعيشه ليبيا، فضلاً عن فرض القيود على الوصول إلى المعلومات والضغوط المهنية المُتزايدة على وسائل الإعلام الليبية.
وبحسب التقرير لم يتّخذ أي من مجلس النواب أو الحكومات المُتعاقبة أي خطوات جدية وحقيقية نحو إصلاح قطاع الإعلام الليبي أو العمل على تعزيز حماية الصحافيين وتسهيل إجراءات أعمالهم الميدانية، بل إن الحكومات المتعاقبة ضالعة في فرض العديد من الإجراءات التعسفية على الصحافيين ومنعهم من العمل في العديد من المرات.
وهنا يتضح كيف تستخدم الأطراف الليبية وسائل الإعلام كأداة سياسية. وتابع أنه خلال عقد كامل من الزمن عاش الصحافيون في ليبيا في ظروف استثنائية وصعبة نتيجة الوضع الأمني والسياسي المعقد وانهيار السلطة ودخولها في دوامة من التشظّي والانقسام، وسط مسلسل من العنف تتزايد فيه وجوه المتورطين الذين يتحكم بعضهم في مقاليد الحكم في الوضع الحالي.
________________