منى المحروقي

الخطاب الاستعلائي للطرابلسي القائم على التهديد والوعيد يستفز الأمازيغ الذين مهما حاول يبقى بنظرهم ذلك الميليشياوي المندفع والجاهز للتعدي على أي جهة إذا كان الأمر في مصلحته.

لم يسبق أن توترت العلاقة بين الأمازيغ والحكومة في طرابلس كما يحدث مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة. ينتمي الدبيبة إلى مدينة مصراتة التي ينحدر الكثير من سكانها من قبائل أمازيغية مثل يدر وزمورة وغيرهما، لكنها تعرّبت الآن ولم يعد سكانها ناطقين باللغة الأمازيغية كما هو الحال مع مدن الجبل الغربي الأمازيغية.

يتكون الجبل الغربي أو جبل نفوسة كما كان يسمى سابقا نسبة إلى قبيلة نفوسة الأمازيغية التي سيطرت على المنطقة قبل قرون، من مدن أمازيغية ناطقة مثل يفرن وجاودو ووازن ونالوت وكاباو ومن مدن أمازيغية لكنها تعربت مثل غريان ومن مدن عربية في مقدمتها الزنتان بالإضافة إلى الرجبان.

وتبرز في الخارطة الأمازيغية أيضا مدينة زوارة المطلة على البحر المتوسط والحدودية مع تونس.

تسيطر المدن الأمازيغية بحكم الجغرافيا على المعابر وتنخرط في التهريب إلى جانب مدن أخرى كالزاوية على سبيل المثال، لذلك تحولت إلى أهداف في حرب مفتوحة على التهريب أطلقها الدبيبة قبل سنوات وفوض وزير داخليته عماد الطرابلسي الزنتاني العربي بقيادتها.

تعاني كل ليبيا وليس فقط منطقة الجبل الغربي من مشاكل اجتماعية وقبلية وعرقية وثمة حساسيات عالية جدا بين مكوناتها لا يمكن إنكارها، وهو ما يصر الدبيبة على تجاهله عندما عيّن الطرابلسي وزيرا للداخلية.

والآن مع الإصرار على بقائه وإطلاق يديه ضد الأمازيغ ينظر إلى الأمر على نطاق واسع بأنه تصفية لحساباته الشخصية، بل وحتى حسابات قبلية تاريخية.

ربما كان آخر شيء يمكن أن يفكر فيه الأمازيغ عندما وصل الدبيبة إلى السلطة قبل نحو أربع سنوات أن يتحول رئيس الحكومة المنحدر من مدينة “حليفة” يشتركون معها في قواسم مشتركة عديدة كان أبرزها العداء للقذافي والثورة عليه ولاحقا رفض سيطرة قائد الجيش خليفة حفتر ذي الميول “العروبية” على ليبيا، إلى خطر على نفوذهم وحتى وجودهم.

انخرط الأمازيغ الذين يعدون أقلية، بقوة في معارك الإطاحة بنظام القذافي لكنهم مع ذلك لم يستفيدوا من تلك المشاركة إلا باستعادة حريتهم بالحديث بلغتهم التي يقولون إن القذافي كان يمنعهم من ممارستها، مع تغاضي السلطات عن أنشطة التهريب وخاصة تهريب الوقود المدعم.

وباستثناء رئيس المؤتمر الوطني السابق نوري أبوسهمين لم يتقلد أيّ أمازيغي منصبا عاليا في الدولة، خاصة بعد مقاطعتهم للسياسة والانتخابات بسبب رفض السلطة منحهم حقوقا ثقافية مثل إقرار لغتهم لغة رسمية في البلاد كما حصل في المغرب والجزائر.

ومع ذلك لم يسلموا من الاستفزازات خاصة ما يتعلق بمذهبهم الإباضي حيث يتعرضون باستمرار للتكفير خاصة من تيار المداخلة المتنفذ في المنطقة الشرقية ليصل مؤخرا إلى جهات دينية رسمية في طرابلس كما حصل مع هيئة الأوقاف التابعة للدبيبة.

لطالما قدم الدبيبة نفسه كرئيس لكل الليبيين رغم التنافس الشديد والانقسامات مع الشرق وحتى مع الأمازيغ الذين لا يبدي الرجل عداء لهم حيث زارهم في أكثر من مناسبة، بل بالعكس أقر قرارات جريئة تجاههم في محاولة لاسترضائهم بمنحهم في يناير الماضي حق تسمية أبنائهم ومدارسهم بأسماء أمازيغية وهو ما ظل ممنوعا حتى بعد سقوط نظام القذافي الذي كانوا يتهمونه بالتهميش والإقصاء وتعمد طمس هويتهم أمام الهوية العربية البدوية.

في الحقيقة لم تبدأ المشاكل إلا بعد تعيين الطرابلسي المنحدر من مدينة الزنتان العربية والتي ربطتها صراعات تاريخية على النفوذ مع الأمازيغ في منطقة الجبل الغربي.

ويبدو الإمعان في استفزاز المدن الأمازيغية بنشر قوات من خارجها ومحاولة التضييق بالسيطرة على المعابر الحدودية مع تونس، نوعا من تصفية الحسابات أكثر منه حرصا على محاربة الفساد، خاصة أن هذه الحرب فتحت فقط على الأمازيغ بينما تغرق البلاد في الفساد والتهريب حتى من قبل سقوط نظام القذافي.

يحاول الطرابلسي منذ تعيينه وزيرا للداخلية إظهار مناطق الأمازيغ كأنها مناطق متمردة على الدولة والمسؤولة الأولى والأخيرة عن تهريب الوقود، الذي يتم من مناطق أخرى كالزاوية على سبيل المثال وهي مدينة غير أمازيغية وجهت لها ضربات بسيطة ثم توقفت الحرب على المهربين فيها دون أن تذكر الحكومة ما إذا كان قد تم تطهيرها من التهريب والمهربين.

لكن الطريف أن الطرابلسي الذي يقود معركة الدبيبة لمحاربة التهريب ورد اسمه في تقرير أممي سنة 2018 ضمن الشخصيات المنخرطة في التهريب وذكر التقرير حينها أنه “يتقاضى 5000 دينار ليبي عن كل ناقلة تمر من المناطق الخاضعة لسيطرة جماعته”.

يستفز الخطاب الاستعلائي للطرابلسي والقائم على التهديد والوعيد، الأمازيغ الذين مهما حاول يبقى بنظرهم ذلك الميليشياوي المندفع والجاهز للتعدي على أيّ جهة إذا كان الأمر في مصلحته، لذلك فإن محاضراته عن الدولة وسيادتها ليست فقط لا تقنعهم بحرصه على ثروات البلاد، بل تثير عندهم السخرية.

إن استمرار قيادة الطرابلسي للمعركة ضد التهريب يعزز الشكوك التي أحاطت بإطلاق الدبيبة للعملية قبل سنوات حيث تردد أن الهدف من ورائها ليس القضاء على التهريب، ولكن السيطرة على الظاهرة التي تحتاج محاربتها خطة أكثر جدية تبدأ أولا برفع الدعم عن الوقود وليس محاربة الأمازيغ.

من غير المعروف لماذا يتجاهل الدبيبة نداءات الأمازيغ المتكررة لوضع حد لتمادي الطرابلسي ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب عرقية في أيّ لحظة تنهي فكرة البناء والاستقرار التي يروّج لها ضمن “الإنجازات” التي حققها.

صحيح أن الطرابلسي كان له دور كبير في صد هجوم كان يمكن أن يطيح بحكومة الدبيبة ويفتح أبواب طرابلس لخصمه السابق فتحي باشاغا، لكن استمرار التغاضي عن خطر إشعاله حربا عرقية قد يقود إلى سيناريوهات ليبيا في غنى عنها.

________________

مقالات مشابهة