صغير الحيدري
مخاوف أمنية من أن تقود الأزمة إلى صدام مسلح
مددت السلطات التونسية عمل المنطقة العسكرية العازلة بغية مكافحة الإرهاب والحد من التهريب الذي يستنزف الاقتصاد، إذ تهرّب البضائع والبنزين من وإلى ليبيا.
أعلنت السلطات التونسية تمديد العمل بالمنطقة العسكرية العازلة على الحدود مع ليبيا في وقت تتصاعد المخاوف من تداعيات عودة التصعيد في ليبيا بين الفرقاء السياسيين والعسكريين، خصوصاً بعد إقالة محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، وما رافق ذلك من تلاسن وتلويح بالتحرك العسكري.
ونص القرار الذي نشر في الجريدة الرسمية التونسية على أن “يمدد العمل في المنطقة الحدودية العازلة عاماً إضافياً ابتداء من الـ 29 من أغسطس (آب) 2024″، وذلك طبقاً للقرار الرئاسي الذي صدر في الـ 29 من أغسطس عام 2013.
ويأتي الإعلان في خضم انشغال تونس بالانتخابات الرئاسية المرتقب تنظيمها في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهو ما لم يمنع السلطات الأمنية من استباق وإحباط عملية تهريب باستعمال الذخيرة الحية بولاية تطاوين، وتحديداً في المنطقة العسكرية العازلة مع ليبيا.
وكشفت وزارة الدفاع التونسية في بيان أنها ضبطت أربع سيارات تهريب وأوقفت ثلاثة أشخاص كانوا على متنها، اثنان منهم يحملان جنسية أجنبية.
خشية التهديدات الإرهابية
ومنذ عام 2016 الذي كان شاهداً على أعنف هجوم إرهابي تعرفه تونس واستهدف مدينة بن قردان الحدودية، عززت السلطات حضورها الأمني والعسكري في المناطق الحدودية، ولا سيما في المنطقة العازلة، وتسعى من وراء المنطقة العسكرية إلى مكافحة الإرهاب والحد من التهريب الذي يستنزف الاقتصاد الوطني، إذ تهرّب البضائع والبنزين من وإلى ليبيا. وللمنطقة العسكرية دور مهم في الحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين، وقال الباحث السياسي التونسي الجمعي القاسمي إن “السلطات الرسمية في تونس لا تخفي خشيتها من التهديدات الإرهابية، وكثيراً ما أعلنت وزارتا الدفاع والداخلية أن خطر الإرهاب لا يزال قائماً، وإذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة التطورات الجارية على مستوى الحدود جنوب شرقي ليبيا، من مشكلات أمنية وانفلات واشتباكات من حين إلى آخر مع سطوة للميليشيات، فإن هذا الخطر يصبح أكبر“.
وتابع القاسمي في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن “هذا الخطر يصبح أكبر لأن هناك ارتباطاً أيضاً بمعضلة التهريب التي لا تزال تشكل خطراً على الاقتصاد والأمن التونسي، وبالتالي فإن تمديد المنطقة العسكرية العازلة يندرج في هذا الإطار، وما إعلان وزارة الدفاع عن التصدي لعملية تهريب باستعمال الأسلحة النارية من ليبيا إلا دليل على ضرورة اليقظة ومراقبة الحدود لدرء أي أخطار قد تحصل“.
ويأتي إعلان السلطات التونسية تمديد العمل في المنطقة العسكرية العازلة مدة عام في وقت يحبس فيه الليبيون أنفاسهم، إذ أخفقت معظم الجهود في إحداث إنفراجة في الأزمة السياسية التي تعرفها البلاد منذ انهيار الانتخابات العامة عام 2021.
هجوم بن قردان
وعند الحديث عن المنطقة العسكرية العازلة التونسية يعود للأذهان الهجوم الذي عرفته مدينة بن قردان عندما هاجم مسلحون تابعون لتنظيم “داعش” الإرهابي المدينة فجر السابع من مارس (آذار) 2016، مما أسفر عن مقتل 50 مهاجماً و13 من عناصر الأمن والجيش ومدني واحد، في اعتداء خُطط له لعزل الجنوب التونسي عن باقي البلاد.
وبعد التحقيقات في شأن الحادثة اتضح أن عناصر إرهابية تسللت إلى مدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا ونسقت الهجوم مع مجموعات في داخل المدينة، وأفاد الجمعي القاسمي بأن “هجوم بن قردان لن يتكرر لاعتبارات عدة، أهمها أن ‘داعش‘ تراجع كثيراً شأنه شأن تنظيم ‘القاعدة‘ على مستوى النشاط في ليبيا“.
واستنتج القاسمي أن “كلا التنظيمين نقلا نشاطهما إلى منطقة الساحل والصحراء وتحديداً مالي والنيجر، وبالتالي فإن خطر أن تشهد تونس هجوماً مماثلاً لهجوم بن قردان أصبح مستبعداً ولا يرتقي إلى الخطر الحقيقي، لكن ذلك لا يمنع ضرورة اليقظة خصوصاً في ظل النزاع غرب ليبيا وحول مواقع النفوذ“، داعياً في المقابل “السلطات الأمنية والعسكرية إلى الرفع من مستوى استعداداتها لمواجهة أية أخطار في ضوء التطورات الليبية“.
هواجس أمنية
ويأتي إعلان السلطات التونسية في وقت أعلنت الأجهزة الأمنية والعسكرية تحقيق نجاحات مهمة على صعيد مكافحة الإرهاب، ومع ذلك تقول السلطات إن الخطر لا يزال قائماً، وفي صيف عام 2013 أعلنت السلطات أن الشريط الحدودي الجنوبي الرابط بين تونس والجزائر وليبيا منطقة عسكرية عازلة إثر تنامي ظاهرة انتشار الجماعات الإرهابية المسلحة في البلاد، ومنعت الدخول إليه إلا بتراخيص من السلطات، أما في عام 2015 فحفر خندق عازل بطول 250 كيلومتراً على الحدود، وذلك ضمن إجراءات أوسع شملت أيضاً تعزيز وجود مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية في المنطقة.
وتشترك تونس وليبيا بحدود طولها نحو 500 كيلومتر، ويربطهما منفذان بريان هما الذهيبة – وازن ومعبر راس أجدير الذي يشهد منذ فترة أزمة محاولة جهات ليبية متنافسة السيطرة عليه.
وقال الدبلوماسي الليبي السابق عثمان البدري إن “التأزم السياسي والأمني الموجود نتيجة تغيير النظام الذي كان موجوداً في ليبيا خلال عقد ونيف، شكل مدعاة لأن تكون لدول الجوار آليات مختلفة، وتعمل بأطر قد لا تكون اعتيادية أحياناً، وقد يصل الأمر إلى أن تتخذ هذه الدول إجراءات تهدف إلى حفظ الأمن فيها“.
وأوضح البدري في تصريح خاص أن “هناك تداعيات بكل تأكيد للأزمة الليبية على دول الجوار، لأن هذه الدول تتأثر ببعضها بعضاً سلباً وإيجاباً، وبالتالي قامت تونس، الدولة الجارة التي تربطها بليبيا روابط قرابة ومصاهرة ومصالح مشتركة، بإجراءات قد لا تكون اعتيادية لكنها محقة للحفاظ على أمنها الإستراتيجي والقومي والسياسي“.
وأكد البدري أنه “لا بد لتونس من أن تقوم ببعض الإجراءات الأمنية خصوصاً في المنطقة العسكرية العازلة مع ليبيا، وقرارها تمديد العمل في هذه المنطقة في اعتقادي مرتبط بالأزمة الأخيرة في شأن المصرف المركزي في ليبيا“، مردفاً أن “هناك مخاوف أمنية في تونس من أن تقود هذه الأزمة إلى صدام مسلح وأن يتفجر صراع بين المجموعات التي تشتبك حول النفوذ“.
وتأتي هذه التطورات في وقت تسلمت فيه تونس أربع طائرات عسكرية من طراز (C-208) من الولايات المتحدة الأميركية، وهي طائرات مجهزة بمنظومات استطلاع واستعلام ومراقبة.
وقال وزير الدفاع التونسي المُعين حديثاً، خالد السهيلي إن “هذه الطائرات مخصصة للاستطلاع ومجهزة بأحدث المنظومات، بما يعزز القدرات العسكرية والعملياتية للجيش التونسي في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود“.
__________________