محمود شعبان
أزمة جديدة تفجرت في ليبيا، بعد استدعاء المجلس الرئاسي الليبي قرارًا سابقًا كان مجلس النواب الليبي “المحسوب على خليفة حفتر” قد أصدره بإقالة محافظ المصرف المركزي الليبي الصديق الكبير، وقام بتطبيق القرار، وتعيين محمد الشكري بديلاً له. الكبير رفض القرار وتمسك بمنصبه، ولاحت في الأفق شبه اشتباك عسكري بين قوات عسكرية “ميليشياوية” داعمة للكبير وأخرى داعمة لحكومة الغرب برئاسة عبدالحميد الدبيبة الذي يتمسك برحيل الكبير من منصبه.
وقد كشفت مصادر “عسكرية” لـ“عربي بوست” أن تفاهماً حدث بين أطراف في شرق ليبيا وبين الدبيبة حول رحيل الصديق الكبير، محافظ المصرف الليبي القديم، هذه المصادر قالت إن التفاهم الذي تم “كان تحت إشراف السفير الليبي في هولندا” والذي يعمل مستشارًا للمجلس الرئاسي الليبي، وهو السيد زياد دغيم.
المصادر قالت لـ“عربي بوست” إن هذه الوساطة كانت بتفاهم بين صدام حفتر والدبيبة شريطة أن تظل الأموال التي تتدفق إلى الشرق لإنجاز مشروعات إعادة إعمار الشرق كما هي، والتي كان يسمح بها محافظ المصرف الليبي القديم الصديق الكبير بدخولها للجانب الشرقي.
هذه الأزمة دفعت أطرافًا كثيرة إلى التحذير من دخول ليبيا في أزمة جديدة، حتى إن الأمم المتحدة، دعت إلى الهدوء وحذرت من حدوث اشتباكات مسلحة جديدة وطالبت بحل أزمة المصرف المركزي بعيدًا عن الاشتباك العسكري.
خلفيات الأزمة الحالية
في البحث عن جذور أزمة المصرف المركزي الليبي، فقد وجدنا أنه وبعد فشل خليفة حفتر الجنرال الليبي المتقاعد، والذي يتخذ من منطقة شرق ليبيا مقرًا لحكم المنطقة هو وأبناؤه، في دخول العاصمة الليبية طرابلس، في يونيو/ حزيران 2020 تم توقيع اتفاق عام 2021 في جنيف برعاية الأمم المتحدة. تأسست على إثره هيئات مؤقتة لإدارة شؤون البلاد. وتضمن اتفاق جنيف تولي سلطة تنفيذية وهي حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي التحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر/ كانون الأول 2021، لكنها تأجلت لأجل غير مسمى بسبب تجدد الخلاف السياسي وتوترات أمنية.
ظهور الأزمة إلى السطح، جاءت بعد خطوات قام بها برلمان طبرق، وهي إعادة تفعيل قرار إقالة محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، الذي كان قد سبق إن أصدره في عام 2018 في فترة حكومة فايز السراج ولكن لم يتم تنفيذه في وقتها، بالإضافة إلى سحبه الثقة من حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وإعادة صلاحيات القائد الأعلى للجيش إلى رئيس المجلس عقيلة صالح. وقام مجلس النواب الليبي في طبرق بخطوة سحب الثقة على الرغم من أن هذا المجلس ذاته لا يعترف بحكومة الدبيبة ويراها منتهية الولاية ولذلك كلف حكومة أسامة حماد بدلاً منها.
النائب الليبي في برلمان طبرق جبريل أُحيدة هاجم في تصريحاته لـ“عربي بوست” حكومة الدبيبة وقال أنها تخالف “القانون الليبي” مشيرًا إلى أن البرلمان الليبي، في إشارة إلى برلمان طبرق، رفض قرار إقالة الكبير، مشددا على أن هناك تحالف بين المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة.
قال كذلك إن احتكار حكومة الدبيبة للمسار المالي لليبيا هو سبب الأزمة الحالية، حسب كلام “احيدة“، مشيرا إلى أنهم يريدون المجيء بمحمد الشكري بعد أن انتهى دور الكبير على حد وصفه.
قال كذلك إن حكومة الدبيبة تريد التحكم في أموال المصرف الليبي، ولكن هذه الإجراءات رفضها مجلس النواب الليبي “في إشارة إلى برلمان طبرق“. وقال إن تقديراته تشير إلى أن الكبير سوف يرحل بعد هذه الأزمة ويتولى محمد الشكري صلاحيات منصبه خلال أيام قليلة.
لكن “احيدة” ذهب إلى أبعد من ذلك وقال إن هناك خيارات لدى مجلس النواب الليبي “في إشارة إلى برلمان طبرق“، وكذلك حكومة ليبيا “في إشارة إلى حكومة شرق ليبيا برئاسة أسامة حماد“، مشيرا إلى أنه من الممكن أن يلجأ مجلس النواب إلى نقل مقر المصرف الليبي إلى الشرق.
ولكن بسؤاله حول قانونية ذلك، وأن المصرف المركزي لابد أن يكون في العاصمة، قال “احيدة” إن هذا شأن ليبي داخلي ولا يحق لأحد من الأطراف الخارجية التدخل فيه أو التعليق عليه.
موقف الدبيبة
حكومة الدبيبة من جانبها ردت على خطوة برلمان طبرق الأخيرة بأنها تستمد شرعيتها من الاتفاق السياسي الليبي، “وتلتزم بمخرجاته التي نصت على أن تُنهي الحكومة مهامها بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتنهي المرحلة الانتقالية“، في إشارة إلى اتفاق جنيف.
لكن عقيلة صالح رئيس مجلس النواب طالب بضرورة إعادة النظر في اتفاق جنيف للمرحلة التمهيدية، قائلا إنه “لم يُضمَّن في الإعلان الدستوري الذي يعدّ السند لكل السلطات“، وهو الأمر الذي اعتبره المراقبون تهديداً لاتفاق جنيف نفسه الذي كان يتحاور الليبيون بشأن تنفيذ ما تضمنه.
الاشتباكات العسكرية
ومع قرار برلمان طبرق بإقالة الصديق الكبير محافظ المصرف الليبي من منصبه، حاصر مسلحون في الحادي عشر من أغسطس/آب 2024 مبنى تابعًا لمصرف ليبيا المركزي في طرابلس لطرد محافظ البنك، الصديق الكبير، حسب ما ذكرته وسائل إعلام محلية، قبل أن يتم تفريقهم.
ويتعرض محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير لانتقادات من أنصار حكومة الدبيبة بسبب إدارته للميزانية والثروة النفطية في هذا البلد الغني بالنفط.
ومؤخرًا اتفق المصرف المركزي مع البرلمان على اعتماد ميزانية قيمتها 160 مليار دينار ليبي نصفها لحكومة الدبيبة ونصفها لحكومة حماد وهو ما يعترض عليه الدبيبة ويرى أن حكومته هي الشرعية الوحيدة بالبلاد.
يشرح الباحث الليبي فرج دردور في تصريحاته لـ“عربي بوست” جذور المشكلة بالقول إن الصديق الكبير له علاقات كبيرة بكل من صدام حفتر وكذلك بلقاسم حفتر نجلي خليفة حفتر، وقد سمح الكبير “وفق كلام دردور” بتوفير اعتمادات مالية ضخمة من أموال المصرف للمشاريع التي أبرمها أبناء حفتر في الشرق وهي أموال طائلة من أموال الشعب الليبي.
وقال إن حكومة الدبيبة ترى أن دور “الكبير” قد انتهى وأن عليه الرحيل، لذلك دعمت حكومة الوحدة رحيل الكبير من منصبه ومجيء محافظ جديد للمصرف المركزي، مشيرا إلى أن الميليشيا المسلحة على الأرض التي تدعم الدبيبة والتي تدعم الكبير من الممكن أن “ينفلت زمامها” في أي لحظة، ويحدث اشتباك كبير في الغرب بسبب هذه الأزمة.
الموقف الأمريكي من الحصار
حصار المصرف المركزي دفع المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، للإعلان في بيان أن “محاولة استبدال قيادة مصرف ليبيا المركزي بالقوة يمكن أن تؤدي إلى فقدان ليبيا القدرة على الوصول إلى الأسواق المالية الدولية“.
وأضاف نورلاند أن “ظهور مجموعة أخرى من المواجهات بين الجماعات المسلحة في الأيام الأخيرة يسلط الضوء على المخاطر المستمرة التي يفرضها الجمود السياسي في ليبيا“.
تحركات حفتر
تزامن مع التوترات السياسية الأيام الماضية تحركات لقوات موالية لحفتر نحو جنوب غرب البلاد الخاضع لحكومة طرابلس، مما زاد من القلق الدولي نحو احتمالية تطور الأمر لحرب مرة أخرى.
هذا دفع سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة لإصدار بيان مشترك تضمن الدعوة إلى “أقصى درجات ضبط النفس” بعد تلك التحركات.
من جانبها ناشدت البعثة الأممية *ليبيا* “الأطراف الليبية كافة لتبني الحوار والتوصل إلى حلول وسط على نحو يصب في مصلحة جميع الليبيين“.
وأصدرت بعثة الأمم المتحدة *إلى* ليبيا بيانا تضمن أن “البعثة تتابع بقلق الإجراءات الأحادية الأخيرة من جانب أطراف ومؤسسات ليبية سياسية وفاعلة في شرق البلاد وغربها وجنوبها بشكل يؤدي *إلى* تصعيد التوتر وتقويض الثقة والإمعان في الانقسام المؤسسي والفرقة بين الليبيين“.
…
يتبع
_____________