ماهر الشاعري
القانون يحفظ حق المرأة
ويشير الأكاديمي القنيدي إلى نص القانون في هذه المسألة بقوله: “نصت المادة الثانية من القانون رقم (6) لسنة 1959، بشأن حماية حق النساء من الإرث، على أنه لا يجوز الامتناع عن أداء ما تستحقه المرأة من نصيب في الميراث، كما نصت المادة الخامسة منه على أن كل مخالف لأحكام هذا القانون يعاقب بالحبس مع الحكم بأداء ما تستحقه المرأة من ميراث“.
صوت موسى القنيدي
يشاركه الرأي أحميد المرابط الزيداني، رئيس اللجنة القانونية في منظمة ضحايا لحقوق الإنسان إذ يقول إن حرمان المرأة من الميراث يُعدّ أحد أشكال العنف الممارسة بحقها، مستنداً إلى المادة (2) من القانون رقم (6). كما يرى عدم جواز الامتناع عن أداء ما تستحقه المرأة من نصيب في الميراث، أو الحيلولة دون انتفاعها به أو تصرفها فيه.
صوت احميد الزيداني
يقول الزيداني في شأن الاستعاضة عن الإرث بمقابل مادي، إنه عندما يكون هذا الأمر برضا الأنثى “الرضا التام غير المقرون بالإكراه، أو الغش، أو التدليس، أو غيره“، في هذه الحالة – وتحديداً عند اكتمال أهلية المرأة وتجاوزها سن الثامنة عشرة – ليست هناك إشكالية في هذه المبادلة، بشرط أن يكون التعويض يوازي القيمة الحقيقية لتلك العقارات أو المنقولات.
أما في حالة إن كان التعويض من قبيل إرغام الوارثة، ووضع اليد على نصيبها في الميراث، وإجبارها على أخذ المقابل المادّي بحجة أن الميراث من العقار سيذهب لرجل غريب (الزوج)، فإن ذلك لا يجوز ويُعدّ مخالفاً لنص المادة الثانية.
الحديث عن وجود قوانين ودساتير ليس هو جوهر المشكل. فالموضوع ليس بهذه السهولة. بعض النساء حصلن على أحكام قضائية بحقهن في الميراث وأُجبرن – تحت التهديد – على التنازل. أُخريات، تعرضن لضغوط للقبول بمبالغ زهيدة أو حتى الصمت عن حقهن بدون أية “ترضية“
تمسّك بالأعراف
لا يجد محمد الغيثي، عضو لجنة الحكماء وعضو لجنة فض النزاعات، أي غضاضة في بقاء الأصول والممتلكات العقارية في الميراث لدى الذكور وحدهم من الوارثين إذ يقول إن هذا الأمر وارد في المنطقة الشرقية من ليبيا، بل وفي ليبيا كلها.
ويُرجع الغيثي السبب إلى “أن التقسيم في كامل برقة يتمثل في امتلاك الشخص أراضي معينة، تعود ملكيتها له بالكامل من دون مشاركة أحد“.
وبحسب الغيثي فإن التقسيم يضيّع الأراضي ويفرقها بين القبائل حيث يلفت: “نسعى لأن تكون الأرض بالكامل لنا كعائلة واحدة، هذا هو السبب الرئيسي“.
يشير الغيثي إلى أن بعض المورّثين لا يملكون الكثير من الأموال، ولكن لديهم عقارات كثيرة، فعند التوريث لا يستطيع الذكور تعويض الوارثات مادياً بما يعادل أنصبتهن في العقارات، فيقومون بالاستحواذ عليها، ويضيف: “نعرف بأن هذا الأمر حرام شرعاً، ولكن الإخوة لا يستطيعون تثمين الأراضي وإعطاء أموال بدلاً من ذلك“.
ما الذي جرى للقانون؟!
يتكرر الحديث عن القانون اليوم – وهو في عامه الخامس والستين – حيث ما يزال في طور الأخذ والردّ، انتظاراً للدستور الذي تجري صياغته، فقد قامت الدولة الليبية عام 1973 – بتعليمات من معمر القذافي الذي حكم ليبيا من 1 أيلول/ سبتمبر 1969 حتى 17 شباط/ فبراير 2011 – بتعطيل الدستور الذي أُسس في خمسينيات القرن الماضي، إذ أمر بإلغاء القوانين واللوائح كافة، المعمول بها في الدولة الليبية، وبالتالي لا يوجد دستور للدولة. غير أن أغلب القوانين المعمول بها هي قوانين المملكة الليبية إبان حكم الملك إدريس السنوسي، مؤسس ليبيا الأول.
مريم حسين، عضوة الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، تتحدث لمعدّ التحقيق عن منع حق ميراث المرأة، وكيف نظرت الهيئة لهذا الأمر، قائلةً إن المادة (49) من مسوّدة مشروع الدستور الليبي تنص على أن “تلتزم الدولة بدعم ورعاية المرأة وسن القوانين التي تكفل حمايتها ورفع مكانتها في المجتمع والقضاء على الثقافة السلبية والعادات الاجتماعية التي تنتقص من كرامتها وحظر التمييز ضدها وضمان حقها في التمثيل في الانتخابات العامة وإتاحة الفرص أمامها في المجالات كافة وتُتخذ التدابير اللازمة لعدم المساس بحقوقهم المكتسبة ودعمها“.
المعروف عرفاً والمشروط شرطاً
الحديث عن وجود قوانين ودساتير ليس هو جوهر المشكل. فالموضوع ليس بهذه السهولة في رأي الدكتورة سالمة الشاعري، المتخصصة في القضايا الاجتماعية المُعاصرة، حيث تقول إن مطالبة المرأة الليبية بميراثها عن طريق المحاكم والهيئات القضائية، يُعدّ “عاراً أو عيباً” في المجتمع، ويشوّه “سمعة” العائلة؛ الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تهتك النسيج الاجتماعي، ويتسبب بعدها في اضطهاد المرأة وقمعها بجميع الوسائل، في سبيل ألا تأخذ حقها. تضيف الشاعري: “بل وصل الحال أن قامت بعض الأسر بانتحال شخصية الوارثة، وتنازلت باسمها عن حقها… حدثت هذه القصة في مدينة درنة“.
وعلى الرغم من تعطيل الدستور، إلا أن القوانين لا تزال سارية، فقد تحصّل معدّ التحقيق بشكل خاص على شكوى تقدمت بها سيدتان في إحدى المدن الليبية ضد إخوتهما الذكور الذين رفضوا بشكل قاطع منحهما إرث أبيهما، الذي ترك عقارات تقدّر بالملايين؛ ما اضطرهما إلى رفع دعوى قضائية.
عند مثول الذكور أمام القاضي، ومحاصرتهم بالمواد القانونية، تعهّدوا بإعطاء أختيهما ما لهما من حقوق، وإزاء ذلك رأت الأختان أن المسألة هكذا قد تمّ حلها. ولكنّ هذا التعهّد لم يجد سبيله للتنفيذ؛ فالأعراف في ليبيا تُعطّل تنفيذ حتى الأحكام القضائيّة، ووصل الحال إلى تهديد الإخوة الذكور للأختين بالقتل إن عادتا إلى الشكوى من جديد.
في ليبيا… “تخشى المرأة التعرض للاضطهاد بسبب مسألة شكوى الإخوة للحصول على نصيبها من الإرث. بعض النساء – نتيجة عدم درايتهن – يقمن بالتوقيع على مستندات مقابل قيمة رمزية (ترضية) لإسكاتهن وتنازلهن عن حقهن في الميراث، وبعدها يقولن بأنهن أُجبرن على ذلك… يصل الأمر أحياناً إلى التهديد بقتل النساء“
“حتّى إذا وصل الأمر إلى القضاء فإن العرف يظل حجر العثرة أمام المرأة في الحصول على حقها في الميراث“، هذا ما يقوله الأكاديمي القنيدي الذي يعتقد أن مسألة العقوبة خاضعة للقاضي بعيداً عن المُشرّع أو السلطة التشريعية، لأن كل جريمة لها عقوبتها، وبالتالي القاضي له الحق في الحكم بحبس الأشخاص من يوم إلى ثلاث سنوات حسب نص القانون.
إلى الجاهلية دُر!
“يعد حرمان المرأة من الميراث من مخلّفات الجاهلية، فقد كانوا لا يورِّثون المرأة إلى أن جاء الإسلام وأزال هذا الظلم الواقع على المرأة“، هذا ما تقوله الدكتورة سالمة الشاعري حيث تُؤكد أن المسألة لا تقف عند حرمان الوارثة من ميراثها، ولكن لها آثار اجتماعية مدمرة تصل إلى العداوة والبغضاء بين المرأة وإخوتها، وتمتد إلى الأبناء والبنات من كلا الفريقين، وقد تلجأ بعض النسوة إلى عمل ما يسيء لسمعة العائلة انتقاماً منها وثأراً لنفسها.
تلفت الدكتورة الشاعري كذلك إلى أن حرمان النساء من جانب كبير من الميراث المتمثل في العقارات يخلق تفاوتاً اقتصادياً بينهن وبين إخوتهن الذكور، الذين يتمتعون وحدهم بالعائد منها، في حين تقبع المرأة في مستوى اقتصادي أدنى.
المرأة هي الحل
ولا تستطيع النيابة العامة في ليبيا تحريك دعوى جنائية في هذا الشأن من تلقاء نفسها، كما يقول موسى القنيدي، الذي يشير إلى ضرورة وجود شكوى من وارثة تطالب بحقها من إخوتها وأقاربها حتى تستطيع النيابة استناداً إليها تحريك القضية.
ويعتقد القنيدي أن جوهر المشكلة يأتي من خوف المرأة وعدم قيامها باتخاذ إجراءات ضد من يمتنع عن إعطائها حقها، إلى جانب الأعراف والتقاليد، مع تقاعس الجهات الحكومية التنفيذيّة عن القيام بواجباتها إن وصل الأمر إلى القضاء.
ويقول القنيدي أيضاً: “تخشى المرأة التعرض للاضطهاد بسبب مسألة شكوى الإخوة للحصول على نصيبها من الإرث. بعض النساء – نتيجة عدم درايتهن – يقمن بالتوقيع على مستندات مقابل قيمة رمزية (ترضية) لإسكاتهن وتنازلهن عن حقهن في الميراث، وبعدها يقولن بأنهن أُجبرن على ذلك“.
بل يصل الأمر –في بعض الأحيان– إلى التهديد بالقتل، فـ “الفلوس تغير النفوس” كما يُقال في الأمثال الشعبية الليبية.
كانت فتحية تنكّس رأسها، عند مرورها بالقرب من مبنى تعتقد أنه –أو جزء منه– كان يجب أن يعود إليها بحكم الشرع، ولكنّها اليوم عازمة أكثر من أي وقت مضى على نيل حقها؛ حتى تكون مثالاً لغيرها من النساء في الحصول على حقوقهن المشروعة من المواريث.
***
ماهر الشاعري – صحفي تحقيقي حائز على الجائزة الفضية في شبكة إعلاميين من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
_______________