عبدالله الكبير
يتحرك المشهد السياسي نحو المزيد من التصعيد، بعد اخفاق متوقع من مجلسي النواب والدولة حول الأساس القانوني للانتخابات، ولملء أي فراغ يمكن أن يستغله المبعوث الأممي عبدالله باثيلي، فيعود إلى مبادرته التي سبق أن أعلن عنها، ويشرع في تشكيل اللجنة التوجيهية العليا، أعلن رئيس مجلس الدولة خالد المشري عن طرح متزامن لمجلسي النواب والدولة، لخارطة طريق نحو الانتخابات، خلال الأسبوع المقبل في جلسة رسمية لكلا المجلسين، ولم يعلق رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بالتأكيد أو النفي.
المسودة التي انتشرت عبر وسائل الإعلام تضع قوانين لجنة 6+6 أساسا قانونيا للانتخابات، رغم الاعتراض عليها في المجلسين، ومطالبة عقيلة صالح بإجراء بعض التعديلات عليها، وهو ما لا يمكن حصوله دون تعديل دستوري، لأن التعديل الدستوري الثالث عشر ينص على إحالة مخرجات لجنة6+6 إلى المفوضية العليا للانتخابات، من دون حتى مناقشتها في جلسات مجلس النواب.
إن إجراء أي تعديلات عليها يستلزم موافقة اللجنة أولا، وإجراء تعديل دستوري يمنح مجلس النواب الحق في مناقشة مخرجات اللجنة، وتعديلها بالحذف والإضافة، وهذا سيفتح الباب لاعتراض مجلس الدولة، ومن ثم فالمتوقع في كل السيناريوهات هو استمرار الفشل.
خارطة المشري أقرب إلى تشكيل حكومة جديدة منها إلى خارطة نحو الانتخابات، فجل البنود تفصل في عملية الترشح لرئاسة الحكومة، والتزكيات المطلوبة، ومدة عملها، ومهامها، الخ، مع الإشارة أكثر من مرة إلى احتمال فشل الانتخابات.
لن يكون من العسير فهم الغرض الحقيقي من الخارطة، وهو تشكيل حكومة جديدة، واستمرار مجلسي النواب والدولة في مواقعهما، في تكرار عبثي لإعادة تدوير لنفس الكيانات والشخصيات العاجزة عن التوافق الحقيقي، الذي يمكن أن ينهي أزمة البلاد، ويضع لها دستورا تؤسس عليه الانتخابات ثم تبنى مؤسسات الدولة.
ولا يتوقع أن تجد المبادرة قبولا محليا أو إقليميا أو دوليا، فلا حماس لدي الأطراف الفاعلة في المشهد لتغيير الحكومة حاليا، لادراكهم أن الانقسام الحكومي ليس هو السبب في تعطيل الانتخابات، وإنما غياب إرادة التغيير في مجلسي النواب والدولة، وعجزهما عن التوصل لحل توافقي حقيقي، وأن تغيير الحكومات فقط لن يؤدي إلى إنجاز الانتخابات.
بالتزامن مع إعلان المشري عن خارطة الطريق، عاد حفتر للظهور ملقيا خطابا وجه فيه عدة رسائل، كشفت عن إصابته ببعض شظايا انفجار العلاقة بين مجموعات فاغنر والدولة الروسية، وكذلك الضائقة المالية التي تعصف به، فلأول مرة ينتقد تدخلات السفير الأمريكي ويصفه “بالمدعو نورلاند“، ويحمله مع غيره من السفراء مسؤولية زيادة التأزيم، مطالبا بعدم تدخلهم لأن الحل سيكون بتوافق ليبي خالص.
القصف الذي تعرضت له مجموعات فاغنر في قاعدة الخروبة جنوب المرج، ما كان ليتم بدون ضوء أخضر أمريكي، وفي القصف رسالة تحذيرية لحفتر من محاولة إغلاق النفط، مع احتمال قوي في تغير نسبي في الموقف الأمريكي من حفتر، الذي سيضعف كثيرا إذا خسر دعم فاغنر التي تسعى أمريكا وحلفائها إلى إخراجها من ليبيا.
مطالبات حفتر بالعدالة في توزيع العائدات، عبر تشكيل لجنة تتولى هذه المهمة، ليستفيد الشعب من ثرواته، وهجومه الحاد في خطابه على الحكومة والمصرف المركزي، وانتقاده للفساد في مؤسسات الحكومة بطرابلس، زاعما أنه يقف مع الشعب في معاناته، يعكس حاجته إلى المزيد من المال لتمويل مشروعه، والحفاظ على مابين يديه من سلطة ونفوذ، مع تقارير صحفية تزعم أن ديونه لمصلحة الإمارات وشركة فاغنر بلغت نحو سبع مليار يورو.
ولكن هذه الشعارات حول مكافحة الفساد، والمطالبة بالعدالة في توزيع الثروة، ومزاعم الاستجابة لمعاناة الشعب، لم تعد تنطل على أحد، فالكل تقريبا، ومن خلال تجارب السنوات السابقة، بات يدرك أنها مجرد شعارات تستخدم كورقة للضغط والابتزاز السياسي، وما أن يحصل المبتزون على مطالبهم الخاصة، سياسية أو مالية، حتى تنتهي المطالبات ويفتح النفط، وتعود القبائل الشريفة إلى مرابعها.
كل هذه التطورات ستقود إلى استمرار حالة الصراع، وربما زيادة حدتها، من دون أي أمل في إجراء الانتخابات خلال هذا العام.
_____________