بلال عبد الله

تشهد الساحة الليبية اليوم حالة من الجمود، على خلفية انتهاء المدى الزمني المخصص لتنفيذ خارطة الطريق الليبية في يونيو الماضي، مع عدم وجود خطة أو توجه محل اتفاق بين الأطراف المعنية بالصراع بشأن إدارة عملية التسوية خلال المرحلة المقبلة، وهو الجمود الذي أفضى، ضمن أسباب أخرى تتعلق بتردي الظروف المعيشية، إلى انتفاض قطاعات من الشعب في عدة مدن منذ الأول من يوليو الجاري، حيث استهدفت المظاهرات أغلب الأطراف المنخرطة في الصراع شرق وغرب البلاد، ربما باستثناء المجلس الرئاسي. وفي هذا الإطار تراوحت ردود أفعال الفرقاء الليبيين، بشكل يعكس تصوُّر كلّ منهم لكيفية إدارة المرحلة المقبلة

معسكر غرب ليبيا

لم يظهر الكثير من ردود الأفعال عن معسكر غرب ليبيا، حيث اقتصر رد الفعل الأساسي على ذلك الصادر عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة. ويمكن تلخيص موقف هذا المعسكر في نقطتين:

1. أعرب الدبيبة عن دعمه للمظاهرات في عموم البلاد، مُطالباً جميع الأجسام السياسية بالرحيل، بما فيها حكومته، مؤكداً على أنه لا سبيل لتحقيق ذلك إلا عبر الانتخابات، متهماً خصومه السياسيين (في شرق البلاد) بعرقلة حدوث ذلك بسبب عدم اعتماد الميزانية والإغلاق المتكرر للنفط. وعملياً، يعني ذلك تمسُّك حكومة عبد الحميد الدبيبة بالبقاء في السلطة إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وعدم الاستعداد إلى قبول أي حلول تتضمن مغادرته السلطة قبل حدوث انتخابات؛ مع محاولة تبني خطاب هادئ يهدف إلى امتصاص غضب الفئات المشاركة في المظاهرات، لاسيما مع وجود الدبيبة في موقع المسؤولية المباشرة عن تدهور ظروف المعيشة، وتحديداً فيما يتعلق بالانقطاعات المتكررة للكهرباء في فصل الصيف بسبب طرح الأحمال، فضلاً عن توجه حكومته نحو رفع الدعم عن الوقود، وتقليص حجم رغيف الخبز، وغير ذلك من مشكلات معيشية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدبيبة فتح قناة تفاوضية (غير معلنة) مع حفتر بشأن ملف النفط، وفق ما كشف عنه موقع أفريكا إنتليجنس، بهدف التوصل إلى اتفاق حول إدارة ملف النفط.

2. قيام المتظاهرين في مدينة مصراتة بإغلاق الطريق الساحلي الواصل بين شرق وغرب البلاد، عند بوابة الخمسين الواقعة بين سرت ومصراتة. والجدير بالذكر أن هذا الطريق جرى فتحه العام الماضي بعد مفاوضات مضنية لإنهاء الانقسام؛ والعودة إلى إغلاق هذا الطريق مرة أخرى بالسواتر الترابية تُعدّ تلويحاً من قبل قوى نافذة بإمكانية العودة إلى سيناريو الانقسام مرة أخرى. وعلى الرغم من عدم وضوح الجهة التي تقف وراء هذا التصرف، إلا أنه يمكن القول إن رئيس الوزراء المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، سيكون من بين أكثر الأطراف المستفيدة من وراء عودة الانقسام مجدداً، إذ سيساعد ذلك على رسم خطوط واضحة للمناطق التابعة لحكومته، من دون وجود طرف آخر ينازعه السلطة، على خلاف الوضع الضبابي القائم حالياً، والذي لا يمكن لباشاغا خلاله السيطرة على السلطة في العاصمة، ولا أن يحسم مسألة تبعية المؤسسات الحكومية في الشرق لحكومته بشكل نهائي.

معسكر شرق ليبيا

يمكن تقسيم موقف معسكر شرق ليبيا خلال الأزمة الراهنة إلى شقين، الأول صادر عن المشير خليفة حفتر، والثاني صادر عن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح:

1. المشير خليفة حفتر: برز موقف المشير حفتر خلال الأزمة الحالية خلال محطتين اثنين؛ تتمثل أولاهما في رد الفعل المباشر على مظاهرات الأول من يوليو، عبر بيان تلاه الناطق باسمه، اللواء أحمد المسماري؛ إذ هدَّد باتخاذ الإجراءات الواجبة لصيانة استقلال القرار الليبي، إذا ما حاول أي طرف الانفراد به تماشياً مع أي إرادة خارجية تسعى لفرض مشاريعها وقرارها على الليبيين، مُعلناً تضامنه مع مطالب المتظاهرين. فيما تمثلت المحطة الثانية في زيارة حفتر مدينة درنة في الخامس من يوليو، للمرة الأولى بعد أربعة سنوات من تحرير المدينة من الجماعات الإرهابية، حيث ألقى خلال الزيارة خطاباً أمام جمع شعبي، شدد خلاله على تضحيات الليبيين في مكافحة الإرهاب وتحرير المدينة

ويمكن النظر إلى هذا التحرك من قبل حفتر بوصفه يهدف إلى التأكيد على الطابع الوطني للمؤسسة العسكرية بعيداً عن الانقسامات السياسية، عبر إعادة الاعتبار لشرعية مكافحة الإرهاب باعتباره أساساً لدور القيادة العامة، بعيداً عن الخطاب الانتخابي الذي ينشغل به بقية الفرقاء السياسيين.

أدى فشل تنفيذ خارطة الطريق، وعدم وجود رؤية دولية منسجمة بشأن مستقبل إدارة العملية السياسية، إلى انتكاس الأوضاع في ليبيا إلى حدٍّ يُهدد بضياع المكتسبات القليلة التي تحققت خلال العامين الماضيين، والمتمثلة في إنهاء معظم مظاهر الانقسام المؤسسي، وإعادة انتظام عملية إنتاج وتصدير النفط

2. عقيلة صالح: أعلن عقيلة صالح تضامنه مع مطالب المتظاهرين، غير أنه تبنَّى موقف حاد إزاء عملية اقتحام مقر مجلس النواب بطبرق والعبث به، وكان الجانب الأهم بالنسبة لموقف صالح هو توجيهه أصابع الاتهام إلى أنصار النظام السابق بالوقوف وراء تلك الواقعة. وفي لقاء تليفزيوني آخر، اتهم صالح سامي المنفي، شقيق رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، بالتورط فيما حدث.

بالإضافة إلى هذا الموقف العدائي إزاء كل من أنصار القذافي والمجلس الرئاسي، اتخذ صالح في الأول من يوليو قراراً بتعيين علي الحبري محافظ للمصرف المركزي، بدلاً من المحافظ الحالي المعترف به دولياً الصديق الكبير؛ وقد أتى هذا القرار عقب فشل لقاء جنيف، الذي جمع صالح برئيس محلس الدولة خالد المشري، في التوصل إلى اتفاق بشأن الإطار الدستوري للانتخابات؛ فضلاً عن العودة إلى إغلاق حقول النفط في شرق البلاد، ما يعني في المجمل توجه معسكر شرق ليبيا (وتحديداً مجلس النواب الداعم لحكومة باشاغا) إلى تبني موقف متصلب سيؤدي إلى عودة الانقسام مجدداً، وهو ما يلتقي، على الجانب الآخر، مع قيام جهات من مصراتة بإغلاق الطريق الساحلي بين سرت ومصراتة.

مبادرات الخروج من الأزمة

حتى الآن، ظهرت مبادرتان اثنان لتجاوز أزمة الانسداد السياسي الراهن، الأولى صادرة عن المجلس الرئاسي، والثانية صادرة عن سيف الإسلام القذافي.

1. مبادرة المجلس الرئاسيفقد أصدر المجلس الرئاسي، برئاسة محمد المنفي، مبادرة لتجاوز الانسداد السياسي القائم، ووفق بيان المجلس الصادر بتاريخ 5 يوليو، فإن أعضاءه الثلاثة توافقوا على عناصر خطة عامة، كُلِّفَ عضو المجلس عبد اللافي بمناقشتها مع الأطراف السياسية، ليتم الإعلان عنها بشكل تفصيلي فيما بعد. واكتفى البيان الفضفاض بالإشارة إلى عناصر حاكمة للمبادرة، تتعلق بشكل رئيس بمنع شبح الحرب، والحفاظ على وحدة البلاد، والحد من التدخل الأجنبي.

وعلى الرغم من غموض هذه المبادرة، إلا أنها تأتي بعد العديد من الإرهاصات على مدار الشهور الماضية، حملت مؤشرات على إمكانية توسيع صلاحيات المجلس الرئاسي لتجاوز الانقسام الحالي في البلاد، باعتبار المجلس أقل الأطراف السياسية الرسمية تورطاً في هذا الانقسام. كما طرح حراك بالتريس الشبابي، الذي يعد الجهة التنظيمية البارزة خلال الاحتجاجات القائمة، اسم المجلس الرئاسي أحد بديلين لقيادة السلطة إلى حين إجراء الانتخابات، حيث كان البديل الثاني هو المجلس الأعلى للقضاء. لذا لا يمكن استبعاد أن يكون فحوى مبادرة الرئاسي قيام أحد أعضائه بتشكيل حكومة موحدة إلى حين تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة

2. مبادرة سيف أصدر سيف القذافي في 5 يوليو مبادرة أخرى لتجاوز الأزمة السياسية؛ وعلى خلاف مبادرة الرئاسي، أتت تلك المبادرة على نحو أكثر تفصيلاً، إذ اقترحت المبادرة أحد خيارين؛ تمثل أولهما في تكليف جهة محايدةبوضع الترتيبات القانونية والإدارية اللازمة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة من دون أي إقصاء لأي طرف، مع إشارة البيان إلى أن هذا الخيار بعيد الاحتمال في الفترة الحالية. والخيار الثاني، قيام الأطراف المثيرة للجدل بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية دون استثناء، باعتبار أن الموقف من هؤلاء الأشخاص هو ما يحول دون التوافق على شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة.

ويمكن إبداء ملاحظتين على هذه المبادرة

على الرغم من عدم تحديد طبيعة الجهة المحايدة المقترحة، غير أنها على الأغلب قد لا تخرج عن إحدى جهات ثلاثة؛ الأولى، المجلس الأعلى للقضاء، الذي كثيراً ما يُقترَح اسمه من وقت لآخر، عن طريق أطراف غير رسمية في الغالب، للخروج من حالة الانسداد السياسي. والثانية، لجنة تُشكَّل من قبل الأمم المتحدة، سواء بإشراف مباشر من البعثة الأممية نفسها أو من قبل الأمانة العامة أو من قبل مجلس الأمن. والثالثة، أن يجرى تشكيل لجنة من قبل إحدى المنظمتين الاقليميتين الأكبر، أي الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية، والخيار الثالث سيكون الأضعف في حال الأخذ بهذه المبادرة.

أن الخيار الثاني للمبادرة، أي انسحاب الشخصيات الجدلية من المشهد، لا يمثل طرحاً جديداً في هذه الأزمة، حيث سبق أن أشار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى هذا الخيار خلال خطابه بمناسبة دور الانعقاد السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، في سياق التحضير لانتخابات 24 ديسمبر التي تعذَّر انعقادها. ودلالة تكرار هذا الطرح أنه قد يكون من الخيارات الجادة المطروحة في الغرف المغلقة بين الأطراف الاقليمية والدولية المعنية بالصراع.

السيناريو الأكثر احتمالاً لمآلات الأزمة الليبية هو بناء توافق بين حفتر والدبيبة بشأن إدارة الملف النفطي، لضمان بقاء الأوضاع على ما هي عليه على المدى القصير، من دون حدوث انتكاسة وفقدان للمكتسبات القليلة المتحققة خلال العام ونصف الماضيين

السيناريوهات المحتملة

يمكن الإشارة إلى عدد من السيناريوهات التي يمكن أن تتطور إليها الأزمة على المدى القصير، وذلك على النحو الآتي:

1. توافق حفتر والدبيبة: يتمثل هذا السيناريو في بقاء حكومة الدبيبة على خلفية نجاح التفاوض بين حفتر والدبيبة في التوصل لاتفاق لإدارة الملف النفطي خلال الفترة المقبلة. ووفق ما نشره بعض المواقع الاخبارية بتاريخ 6 يوليو (ولم يتم التأكد من مدى دقته)، فقد جرى التوافق بين الطرفين على تعيين فرحات بن قدارة (موالي لحفتر) على رأس المؤسسة الوطنية للنفط، بديلاً عن مصطفى صنع الله، مقابل أن يتم استئناف العمل في حقول وموانئ تصدير النفط. وفي هذا السيناريو يكون حفتر قد ضمن فعلياً الجمع بين السيطرة العسكرية والإدارية على ملف النفط، وفي المقابل يضمن الدبيبة استمرار الإنتاج والتصدير، بما يمكن حكومته من التعامل مع بعض الملفات المستعصية الخاصة بتشغيل محطات الكهرباء وتوفير الموارد المالية وإمكانية التراجع عن قرار رفع الدعم عن المحروقات.

2. عودة الانقسام: وفق هذا السيناريو ستنتكس الأوضاع إلى ما قبل التوحيد المؤسساتي للبلاد، فيبقى الدبيبة رئيساً للحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، بينما يُمارس فتحي باشاغا مهامه من سرت على كامل المنطقة الشرقية وأجزاء من جنوب البلاد. ويمكن القول إن كل من فتحي باشاغا وعقيلة صالح الداعمين الرئيسين لهذا السيناريو، غير أن العامل المرجح محلياً للدفع في هذا الاتجاه هو فشل المفاوضات بين حفتر والدبيبة في أبوظبي.

3. اندلاع الحرب: في هذا السيناريو سوف تتفاقم الأزمة الليبية بشكل يصعب احتواؤه، مما يدفع الأطراف المحلية نحو تبني خيارات صفرية، بغرض الهروب من الاستحقاقات السياسية والاقتصادية الضاغطة، ومن ثم ضمان كل طرف البقاء في مواقعه فترة أطول.

وعلى الرغم من وجود مؤشرات عديدة على إمكانية الانزلاق إلى هذا السيناريو، إلا أنه يظل مُستبعداً، لاعتبارات تتعلق بمواقف الأطراف الاقليمية والدولية التي لا يعد حسم الصراع الليبي عسكرياً ضمن خياراتها المفضلة على المدى القصير.

4. تشكيل حكومة جديدة: يتمثل السيناريو في قيام المجلس الرئاسي بتشكيل حكومة جديدة، برئاسة محمد المنفي أو عبد الله اللافي، لتكون بديلة لحكومة الدبيبة، ومن ثم تنهي مسألة الصراع على السلطة على المدى القصير، وتُعيد ضبط بوصلة الصراع السياسي نحو القضايا المتعلقة بإجراء الانتخابات، التي ستكون أولوية لأغلب الأطراف المستبعدة من السلطة حينها.

من بين السيناريوهات الأربعة، يمكن القول إن السيناريو المرجح سيكون هو الخاص ببناء توافق بين حفتر والدبيبة بشأن إدارة الملف النفطي، لضمان بقاء الأوضاع على ما هي عليه على المدى القصير، من دون حدوث انتكاسة وفقدان للمكتسبات القليلة المتحققة خلال العام ونصف الماضيين، لاسيما أن هذا السيناريو يلتقي مع رغبة واشنطن في ضبط أسعار النفط في السوق العالمي.

وإذا لم يتحقق هذا السيناريو سيجري العمل على تشكيل حكومة جديدة من قبل المجلس الرئاسي؛ ويلي ذلك سيناريو عودة الانقسام؛ في حين يظل عودة الحرب مجدداً السيناريو غير المرغوب من قبل أغلب الأطراف.

خلاصة واستنتاجات

مع فشل تنفيذ خارطة الطريق، وعدم وجود رؤية دولية محل اتفاق بشأن مستقبل إدارة العملية السياسية، كان من الطبيعي أن تنتكس الأوضاع في ليبيا إلى وضع يهدد بضياع المكتسبات القليلة التي تحققت خلال العامين الماضيين بعد انتهاء حرب طرابلس، والمتمثلة في إنهاء معظم مظاهر الانقسام المؤسسي، وانتظام عملية انتاج وتصدير النفط مرة أخرى. ويمكن القول إن الوضع اليوم أقرب إلى ما كانت عليه ليبيا قبل حرب طرابلس.

ويظل شبح الحرب في ليبيا ماثلاً، لاسيما في ضوء الظروف الدولية الراهنة التي تتسم بدرجة عالية من الاحتقان. وفي مثل هذه الظروف يكون أقل السيناريوهات سوءاً وأكثرها واقعية هو حدوث توافق دولي حول تعيين شخصية محايدة وذات ثقل في منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وفق أجندة عمل غير طموحة، تقتصر على تأجيل انفجار الأوضاع، وفتح أفق جديد أمام استئناف عملية التفاوض مرة أخرى. وبتعبير آخر، فإن بيئة الصراع الليبي لا تسمح بتحقيق أهداف تتجاوز تجميد الصراع مؤقتاً، بغرض منْع تدهور الأوضاع، ولتحييد الساحة الليبية عن الصراع الدولي الدائر على الساحة العالمية.

____________________________

مقالات مشابهة

4 CommentsLeave a comment

  • Hi just wanted to give you a quick heads up and let you know a few of the images aren’t loading correctly. I’m not sure why but I think its a linking issue. I’ve tried it in two different web browsers and both show the same results.

  • Наши специалисты предоставляют услугу капельницы от запоя круглосуточно на дому, обеспечивая необходимую поддержку в комфортной домашней обстановке. Если стационарное лечение не является возможным или предпочтительным, мы предлагаем эффективное решение для восстановления здоровья пациента без необходимости госпитализации.
    Разобраться лучше – [url=https://kapelnica-ot-zapoya-moskva3.ru/]наркологический центр[/url]

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *