تم تضخيم الانقسامات في الحرب الأهلية الليبية بفعل حملات التضليل التي ترعاها جهات أجنبية. إن المصالحة وإرساء السلام سوف يتطلبان من الجهات الفاعلة المحلية القيام باستعادة المساحات الرقمية الليبية.
تسود الحرب الليبية المتواصلة حالةٌ ضبابيةٌ تختلط فيها المغالطات مع التشويهات، وروايات التنافر التي تعصف بشبكات التواصل الاجتماعي الليبية والمنابر الإخبارية عبر الإنترنت. ويعمل المحتوى الذي تُنشئه وتغذيه جهات أجنبية على زيادة الارتباك. أما الصعوبة في معرفة الحقيقة فتعزز الإحباط وانعدام الثقة بين العديد من الليبيين.
إن الصراع الليبي يؤلب حكومة الوفاق الوطني (GNA) المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، ومقرها طرابلس الغرب، ضد تشكيلة متنوعة من الميليشيات المتحالفة مع الجيش الوطني الليبي (LNA) بقيادة أمير الحرب خليفة حفتر، الذي يسيطر على المنطقة الشرقية. بالنسبة للجهات الفاعلة المزعزعة للاستقرار مثل حفتر (المدعوم من مصر وروسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، فهي تعتبر اجتياح المساحات الرقمية بالمعلومات المضللة وسيلة لتحقيق الفتوحات على الأرض.
وسعت قوات حفتر إلى تحقيق مكاسب في صراعها من خلال زرع الارتباك حول دوافع وتكتيكات الجماعات المتنافسة مع تعقيد عملية الحصول على معلومات التي قد تكلف الجيش الوطني الليبي دعمه الشعبي بين الليبيين العاديين. وقد تلقى المساعدة من قبل شركات على الإنترنت مرتبطة بالأوليغارشي الروسي يفغيني بريغوزين ومجموعته “فاغنر” من المرتزقة الروس الذين بثوا روايات مثيرة للانقسام في شبكات التواصل الاجتماعي الليبية. ومن المرجح أن تستمر الجهود المدعومة من الخارج لتقويض تشكيل جمهور مطلع يشارك بشكل ديمقراطي في المساحات الرقمية الليبية إلى ما بعد أي وقف لإطلاق النار يتم التفاوض عليه في ساحة المعركة.
تحدث مركز أفريقيا مع خديجة رمالي، الخبيرة الرائدة في وسائل التواصل الاجتماعي الليبية التي أسست جمعية رقمية للنساء الليبيات، حول هذه البيئة الصعبة والاستراتيجيات التي يطورها الليبيون لمواجهة المعلومات المضللة عبر الإنترنت.
من الذي ينشئ المعلومات المضللة وينشرها في ليبيا وما هي أشكال المعلومات المضللة الأكثر شيوعًا في المساحات الرقمية في البلاد؟
تعاني المساحات الرقمية في ليبيا حاليًا من حالة في غاية التشرذم، وتتأثر بدرجات متفاوتة من المعلومات المضللة من مجموعة من الجهات الفاعلة المحلية، والحكومية، والدولية. وجاءت حملات التضليل الأكثر تعقيدًا وتنسيقًا من دول أجنبية، وبشكل خاص من الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومصر لتقدم دعمًا مباشرًا للجيش الوطني الليبي، وللتدخل الروسي المتعدد الأوجه في البيئات الإعلامية المحلية بطرق غالبًا ما تعود بالنفع على الجيش الوطني الليبي. وتمكنت هذه الجهات الأجنبية الفاعلة من استخدام المساحات الرقمية الليبية كوسيلة لتعزيز مصالحها دون تحمل عواقب أفعالهم المزعزعة للاستقرار.
بالرجوع إلى عام ٢٠١٤، كانت هناك شبكات كبيرة من حسابات تويتر الإماراتية والسعودية المزيفة تعمل بنشاط على مزاحمة الأصوات المحلية الحقيقية عن طريق النشر، وإنشاء هاشتاغات للمرور بالموقع، وإذكاء المشاعر القومية في ليبيا. وابتداء من عام ٢٠١٩، تم حشد الآلاف من هذه الحسابات للتمجيد بحفتر وحملته العسكرية. ومن ضمن ذلك استحضار صور لنضالات عمر المختار (أوائل القرن العشرين) ضد الاستعمار الإيطالي لربط الجيش الوطني الليبي بالقتال ضد الغزاة الأجانب والإرهابيين.
ومن التكتيكات الأخرى لهذه الحسابات المزيفة، تعريب الصراع وتصوير تركيا، التي تدعم حكومة الوفاق الوطني، على أنها الإمبراطورية العثمانية، والتذكير بأن ليبيا هي “مقبرة الأتراك”. وفي كل حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، تقوم هذه الحسابات بصياغة رسالتها باللهجة المحلية لتناسب أهدافها وغاياتها. لجأت العديد من هذه الحملات إلى مصادر خارجية من خلال شركات مصرية كانت على دراية باللهجات الليبية والقضايا المحلية.
في هذه الأثناء، كانت الجهات الفاعلة المدعومة من روسيا والمرتبطة بمجموعة فاغنر تنشط بشكل أكبر على فيسبوك وطوّرت أشكالاً أكثر براعة من المعلومات المضللة من خلال توظيف مستشارين ليبيين لإنشاء مجموعات محلية “بامتياز”، يمكنها أن تغرس معلومات مضللة بصورة أذكى لتجد صدىً لها عند الليبيين. وتقوم هذه المجموعات بالتقاط المظالم المحلية وتؤججها من خلال استرجاع الموضوعات المسببة للتنافر أمام الجمهور من أجل جذب المتابعين المتحمسين عبر الإنترنت الذين يتم إعدادهم فيما بعد ليكونوا أكثر تقبلاً للروايات الروسية حول الصراع. يبدو أن العديد من هذه الروايات كانت تجريبية –تختبر رسائل مختلفة وحتى متضاربة– لمعرفة ما الذي قد يعطي التأثير الأكثر إثارة. في المقابل، كانت الحسابات الإماراتية والسعودية منسقة للغاية في محاولاتها لتضخيم أهداف محددة.
“تقوم هذه المجموعات بالتقاط المظالم المحلية وتؤججها من خلال استرجاع الموضوعات المسببة للتنافر أمام الجمهور”.
من جانب حكومة الوفاق الوطني، تُظهر البيانات المتوفرة لدينا حتى الآن أن تركيا وقطر كانتا أقل نشاطًا في إنتاج المعلومات الرقمية المضللة، ووضعتا مزيدًا من المصادر وركزتا على الرسائل من خلال القنوات التلفزيونية والإعلامية التقليدية التي تدعمها الدولة بدلاً من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المزورة أو ذات الامتياز. ولا تقوم هاتان الدولتان بالقدر نفسه من التضليل المنسق أو التلاعب عبر الإنترنت، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه، على عكس الجيش الوطني الليبي وقوات حفتر المرتبطة دومًا بانتهاكات حقوق الإنسان، تشعر حكومة الوفاق الوطني بأنها أقل حاجة للطعن في سمعة الطرف الآخر من أجل تبرير أفعالها للمواطنين.
أخيرًا، على المستوى المحلي، لدينا جهات مسلحة غير حكومية تشكل بيئة للمعلومات. أكبرها هو تجمع مصراتة المتحالف مع حكومة الوفاق الوطني. ولديهم حضور نشط للغاية على فيسبوك. إنهم يديرون عملية سلسة للغاية مع من أُسميهم “المؤثرين في الحرب”، والذين يسمون بالمواطنين الصحافيين، أو أن الميليشيات نفسها تقوم ببث المحتوى مباشرة من الخطوط الأمامية. يقومون بعمل الكثير من مقاطع الفيديو، ويتم ذلك على الأغلب داخليًّا. يهدف محتوى هذه المنشورات إلى الحفاظ على الروح المعنوية وكسب الدعم العام والطعن في سمعة العدو من خلال منصاتهم.
كما أن الميليشيات الصغيرة الأخرى تقوم بذلك أيضًا، على الرغم من أنها ليست بارعة في الأعمال الرقمية. كل المعلومات المضللة التي تنتجها هذه الجماعات هي في الأساس من النوع نفسه للادعاءات الضيقة والمتدنية المستوى، كالقول بأنهم قد أسروا سجناء أو غنموا معدات معادية، والتي ربما تكون صحيحة أو غير ذلك. لا يبدو أن هذه الادعاءات منسقة ولا ترقى إلى مستوى ما رأيناه من حيث الروايات الكبرى التي تنتجها الشبكات الإماراتية والسعودية.
كيف تغيرت المشاهد الرقمية في ليبيا على مدى العقد الماضي؟
في عام ٢٠١١، كان جزء ضئيل فقط من ستة ملايين ونصف المليون مواطن ليبي لديهم نشاط على الإنترنت أو لديهم هواتف ذكية. كان نظام القذافي يراقب الفضاء الرقمي بشدة وكان الاتصال بالإنترنت مكلفًا. بدأ ذلك يتغير بشكل كبير بعد الثورة. بحلول عام ٢٠١٣، كان هناك الكثير من النشاط حيث بدأ الليبيون في الانضمام إلى مساحات الإنترنت مع تنشيط مساحات الوسائط الرقمية، على الرغم من أنها لا تزال تُدار على الأغلب من قبل أشخاص ليبيين في الشتات. قامت المنظمات الدولية بالكثير من التدريب على القدرات. ومع اندلاع الصراع والحرب الأهلية، كانت هناك العديد من عمليات القتل والخطف التي استهدفت شخصيات إعلامية معروفة في ليبيا.
تعرضت بنغازي في وقت ما للعديد من الاغتيالات لدرجة أن المراقبين بدأوا يفقدون العدد. وارتعب الناس من التعبير بشكل صريح على الإنترنت. وبدافع الخوف، أعرض معظم الليبيين عن الانخراط في المناقشات عبر الإنترنت حول السياسة أو القضايا الراهنة، وابتعدوا عن المساحات العامة على الإنترنت، وفضلوا الانخراط في مجموعات صغيرة مغلقة على الإنترنت. وحتى هذه المحادثات كان يشوبها التحفظ في كثير من الأحيان، حيث يمكن اختراقها من قبل الغرباء لأهداف خبيثة. لذلك، تشرذمت المساحات على الإنترنت وحدث نقص في المعلومات. وتلاشت التغطية الإعلامية الدولية، ولم يتطرق الناس إلى الأحداث الجارية. ونتيجة لذلك، لم يسد هذه الفجوة سوى المنتسبين إلى الجماعات المسلحة أو الأحزاب السياسية التي تحميهم، مثل جماعة الإخوان المسلمين أو غيرها من الجماعات القوية.
لقد انحدرت الأمور بشكل حقيقي بعد عام ٢٠١٤ مع استيلاء ميليشيات “الفجر الليبي” المدعومة من قطر على طرابلس وإجلاء الجاليات الدولية عن ليبيا. لم يكن هناك أي وسائل إعلام مستقلة في البلاد أو أي معلومات موثوقة لا تتم فلترتها من قبل قنوات محددة بتمويل أجنبي. كانت المساحات الرقمية مربكة ولا تزال. فالذي يُعتبر إرهابيًا عند جهةٍ ما، يعتبر مقاتلًا من أجل الحرية عند جهةٍ أخرى. في الآونة الأخيرة، رأينا شخصيات صحافية مزيفة وجدت لنشر الدعاية في مختلف المنابر الإعلامية، بما في ذلك التوصيات السياسية المتعلقة بالصراع الليبي. علاوة على ذلك، تعمل شخصيات التواصل الاجتماعي ومؤثرو الحرب على قيادة الجهود المبذولة لبث روايات الكراهية والحملات السياسية إلى الجماهير الليبية.
لماذا كانت هذه الحملات المضللة فعّالة إلى هذا الحد في ليبيا؟
على مدى أربعة عقود، كان نظام القذافي هو المصدر الوحيد للمعلومات في ليبيا. كانت المعلومات شحيحة، واعتاد الناس على تلقي ما يحتاجون لمعرفته من مصدر واحد. عندما انفتحت الأمور بين عامي ٢٠١١ و٢٠١٣، لم تكن هناك مؤسسات أو منشآت للحقائق الموثوقة، كان لدى بعض الوكالات الحكومية صفحتان أو ثلاث صفحات على فيسبوك، وكان من المستحيل معرفة أيٍ منها هو الشرعي. تعرض العديد من المواطنين لفيض من المعلومات التي كان من الصعب فرزها.
توقفت بعد فترة وجيزة عملية تطوير وسائل إعلام رقمية محلية موضوعية بسبب صعود الجماعات المسلحة، التي أرهبت الأصوات المستقلة لمنع المعلومات واحتكارها بالطريقة التي اعتاد عليها الليبيون في عهد القذافي. في ظل هذه البيئة، ازدادت حدة المعلومات المضللة والمسببة للتنافر على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص. غالبًا ما كانت تتم برمجة خوارزميات الوسائط الاجتماعية لإيصال المستخدمين إلى محتوىً يشبه ما يحبونه أو يتابعونه بالفعل. وهذا يعني أنه في المساحات الرقمية التي تطغى عليها مصادر المعلومات المنحازة أو المزيفة، يمكن أن تؤول تجارب المستخدمين عبر الإنترنت بسهولة إلى غرف صدى رقمية دون الكثير من التنوع أو المعلومات الموثوقة.
كيف أثرت المعلومات المضللة على المجتمع الليبي؟
لقد أدى تأثير هذا الوضع –حيث ينتهي الأمر بالعديد من مستخدمي الإنترنت الليبيين إلى نفق مظلم من المعلومات المضللة وغرف صدى حيث تتزاحم الأصوات المحلية مع حسابات مزيفة– إلى تأجيج التنافر في المجتمع الليبي. فتجربة وسائل التواصل الاجتماعي لشخص يعيش في جنوب ليبيا مختلفة تمامًا عن تجربة شخص يعيش في الغرب أو الشرق. فكل منهم يرى العالم بشكل مختلف تمامًا عن الآخر من خلال تجربته الرقمية.
بعض الأشخاص يعرف كيفية الالتفاف حول هذا الأمر والعثور على أصوات أخرى، لكن الكثير من الناس سئموا من الافتقار إلى المعلومات الموثوقة وأصيبوا بجنون الريبة وفقدوا الثقة في جميع المعلومات خارج الحي الذي يقطنون فيه أو مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي المحلية، والتي غالبًا ما تكون الطريقة الوحيدة للحصول على معلومات حول ما يجري حاليًا. برز بعض الأشخاص كمصادر موثوقة في أحد الأحياء أو البلدات، أطلق عليهم اسم “حلقات الوصل”، فهم المسؤولون عن نشر المعلومات لمجتمعهم.
“إن شيطنة المعارضين السياسيين ستصبح عقبة كبيرة أمام أي نوع من الحوار السياسي أو الجدل في المستقبل”.
ولكن ماذا سيحدث بعدئذٍ إذا كان هذا الشخص أو هذه الهيئة منحاز/ة؟ فبمجرد أن يكتسب هؤلاء الأشخاص متابعين لهم على منصاتهم، يمكن في كثير من الأحيان أن يتم اختيارهم للنشر نيابة عن جماعة مسلحة أو حملة سياسية مقابل أجرة. لذلك يصبح كل شيء بعدها مشوهًا ونرجع إلى نموذج القذافي ولكن على نطاق محلي للغاية.
ما أراه من محتوى على الإنترنت الآن يحرض على البغضاء الحقيقية تجاه الأشخاص في مختلف مناطق البلاد ويعزز العمى العاطفي، حيث لا يرغب الناس حتى في الاستماع إلى الجانب الآخر لأن كل ما يقولونه هو خطأ، كل ما يقولونه شر. تعتبر قوة روايات التنافر هذه هي الأبرز نظرًا للغة والدين المشتركين بين الجماعات الليبية المختلفة. إن شيطنة المعارضين السياسيين ستصبح عقبة كبيرة أمام أي نوع من الحوار السياسي أو الجدل في المستقبل.
لقد أدى مناخ التنافر هذا وحقيقة أن معظم الليبيين يعيشون في غرف صدى رقمية إلى إعاقة عمل المبادرات للتأكد من الحقائق وتنشيط وسائل الإعلام التقليدية. ومع ذلك، ثابرت مجموعات مثل مشروع “أكاديمية دويتشه فيله” على إنشاء برامج تدقيق حقائق للصحافيين الليبيين. وعملت مثل هذه المبادرات على توسيع مهاراتها في البحوث الرقمية، وطورت من قدراتها على تمييز صحة المصادر عبر الإنترنت، وحسّنت من الكفاءة المهنية لغرف الأخبار لديهم. هناك أمل بأن توفر الصحافة الجيدة في نهاية المطاف بديلاً موثوقًا وجذابًا عن روايات التنافر.
من أجل بناء الثقة في وسائل الإعلام، يحتاج الصحافيون إلى الحماية والقدرة على الكلام بحرية. يطالب الصحافيون بسن قوانين جديدة من شأنها أن تبدأ في إيجاد هذه الحماية. نظم المركز الليبي لحرية الصحافة مؤتمرًا في عام ٢٠١٩ بدعم من منظمة دعم الإعلام الدولي في كوبنهاغن، لمعالجة هذه القضايا. كانت إحدى التوصيات الرئيسية إنشاء هيئة إعلامية مستقلة لمراقبة أخلاقيات الصحافة.
ما هي الاستراتيجيات التي قمت بوضعها أنتَ وغيرك من الليبيين من أجل تحديد المعلومات المضللة ومواجهتها ومن أجل الاستمرار في إنشاء مساحات حرةٍ وآمنة على الإنترنت؟
أخشى أن ينسى الليبيون التقدم الذي أحرزناه من عام ٢٠١١ إلى عام ٢٠١٣ والحريات الصغيرة التي حققناها عبر الإنترنت في ذلك الوقت. كنت متفائلة للغاية وربما –ومع تذكر الماضي الآن– ساذجة في آمالي في تجربة مساحات آمنة على الإنترنت للتواصل بين النساء الليبيات. ونظرًا لأن المساحات الرقمية العامة أصبحت في غاية الخطورة، فقد حاولنا إنشاء مساحات مغلقة وربطها بين مناطق مختلفة، لربط “حلقات الوصل” مع سماسرة المعلومات للبدء في الحوار.
في الأساس، كنا نحاول مواجهة خوارزميات الوسائط الاجتماعية يدويًا لإعطاء الناس وجهات نظر في مناطق ومجتمعات أخرى. لكن في النهاية اتسع المشروع كثيرًا وأصبح مكشوفًا للعيان بدرجة كبيرة وكان لا بد من إغلاقه مرة أخرى. وبقيت الكثير من النساء اللواتي اتصلنا بهن على تواصل من خلال شبكات غير منظمة عبر الإنترنت، ولكن هناك خطر لأنه من الصعب السيطرة عليها. لذلك، أعتقد أنه من الصعب جدًا أن تنشئ أي شيء يمكنك البناء عليه بينما يوجد هناك نزاع نشط وأي شيء تقوله عبر الإنترنت يمكن أن يجعلك هدفًا أو يعرضك للخطر.
في واقع الأمر، نحن في مرحلة متناقضة حيث يمكن لأشخاص مجهولين أو متسترين وراء حسابات مزيفة أن يؤججوا نيران التنافر دون تحمل أي عواقب، بينما أولئك الذين يحاولون تعزيز الحوار والمصالحة علانية يعرضون أنفسهم للخطر.
“يعد فيسبوك وسيلة الاتصال الأساسية لثُلثي الليبيين … لقد قلل من التشديد على مكافحة المعلومات المضللة في العديد من البلدان غير الغربية”.
اليوم، يعد فيسبوك وسيلة الاتصال الأساسية لثلثي الليبيين. يحظى فيسبوك بالكثير من الاهتمام على الإنترنت في ليبيا سياسيًا، وتجاريًا، واجتماعيًا، لكن العديد من قوانين الإنترنت لم يتم وضعها لدولة تمر بصراع متواصل. مثله كمثل معظم شركات وسائل التواصل الاجتماعي، يعطي فيسبوك الأولوية لأسواقه الغربية وقد قلل من التشديد على مكافحة المعلومات المضللة في العديد من البلدان غير الغربية.
نحتاج، بشكل عام في هذه المنطقة، إلى إيجاد طرق لاستعادة المساحة الرقمية وإنشاء أشكال أخرى من الاتصال. أحد الأشياء التي أعتقد أننا نحتاجها من أجل البدء في استعادة المساحات عبر الإنترنت هو مؤسسة أبحاث مستقلة وموثوقة بإدارة محلية لجمع المعلومات حول كيفية قيام مشاهد التواصل الاجتماعي في تشكيل المجتمع الليبي وتحليلها بدقة وكيف يتم تلويث هذه المنصات والتلاعب بها من خلال معلومات مضللة وجهات أجنبية. لدينا بعض البيانات حول هذا الأمر ولكننا ما زلنا نجهل الكثير عنها.
وليس لدينا أي شيء إقليمي مثل مختبر الاتحاد الأوروبي أو مرصد ستانفورد للإنترنت لتوثيق كيفية استخدام منصات شركات التواصل الاجتماعي للتسبب في عدم الاستقرار وإشراك تلك الشركات في ذلك. يجب أن تتضمن هذه المشاركة الدعوة إلى المزيد من التخصيص والشفافية من شركات التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بسياساتها تجاه الشبكات المضللة في ليبيا. نحتاج مزيدًا من الإمكانيات للحصول على المعلومات من الشبكات الاجتماعية والتأثير على قرارات السياسة التكنولوجية من أجل مواجهة المعلومات المضللة بطريقة أكثر محليةً في ليبيا.
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه مساحات الإنترنت في إرساء السلام في ليبيا مستقبلاً؟
في المستقبل، يمكننا الانتفاع من مساحات الإنترنت لربط المجتمعات عبر المناطق المترامية الأطراف في ليبيا، ومن خلال هذه العملية، نبني التعاطف الوطني والوحدة، بالطريقة ذاتها التي بدأنا نعمل بها قبل أن تصبح الأمور خطيرة للغاية. في بعض بلدان أمريكا الجنوبية الخارجة من الصراع، استخدموا البرامج الإذاعية لمشاركة القصص الإنسانية من مناطق مختلفة لإضفاء الإنسانية على العدو مرة أخرى. من خلال سرد القصص قاموا بإعادة رتق العلاقات بين المناطق المختلفة. يمكننا القيام بشيء مشابه على مساحات الإنترنت في ليبيا.
نحتاج للاستماع إلى أناس حقيقيين وأن نبني التعاطف بين الشرق والغرب وذلك بإيجاد بعض المصالح المشتركة. يجب أن نبدأ دومًا من أرضية مشتركة. ويمكن للمساحة عبر الإنترنت أن توفر ذلك حيث يكون لديك أشخاص في مواقع مختلفة يلتقون ببعضهم البعض، ويتعرفون على بعضهم البعض من خلال سرد القصص أو برامج الحوار التي تستدعي جلب المؤثرين من أصحاب النفوذ مع حلقات الوصل المحلية.
كانت العملية الاستشارية للمؤتمر الوطني الليبي في عامي ٢٠١٨ و٢٠١٩ مثالاً جيدًا على كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل بين الليبيين من ذوي الآراء المختلفة. كان المؤتمر مفتوحًا لأي ليبي من خلال قنوات الانترنت التي أعدها مركز الحوار الإنساني المتواجد في سويسرا. اشترك سبعة آلاف ليبي من خلال 77 استشارة عامة. حددت هذه العملية نقاط توافق متنوعة وقيمة على المستوى الوطني، بما في ذلك الحاجة إلى مؤسسات وطنية موحدة وفاعلة للحوكمة والأمن وحماية سيادة هذه المؤسسات من التدخلات الأجنبية الشريرة.
وهنالك مثال آخر على إيجاد وجهة نظر مشتركة والبناء عليها جاء من ردود فعل الليبيين على المقترحات التي يتم طرحها، بأنه ينبغي أن نقسِّم ليبيا ونتجاوز عن هذا الأمر. اجتمع الناس في العديد من المناطق المختلفة في البلاد واتفقوا على رفض ذلك، فهناك تاريخ طويل، ودماء كثيرة، والكثير من الروابط والعلاقات. فنحن لن نوافق على تقسيم البلاد. هذا شيء يمكننا البناء عليه من خلال المبادرات المستقبلية. سوف نحتاج إلى الدعم بالإضافة إلى بناء القدرات المحلية لمشاريع من هذا النوع. سوف يستغرق الأمر الكثير من الوقت والجهد، ولكنني أعتقد أنه ممكن.
***
خديجة رمالي هي مستشارة مستقلة تعمل على قضايا تتعلق بالمجتمعات والمساحات الرقمية في ليبيا منذ عام ٢٠١٤.