إبراهيم محمد الهنقاري

أكتب هذا الحديث المؤلم والقاسي وأنا عَلى فراش المرض. لا أدري ما يفعل بي ولا بكم.!! لا أبتغي بذلك إلا وجه الله وصالح الوطن. لا أبحث عن منصب. ولا عن جاه. ولا عن مال. فقد اتاني الله تعالى من كل ذلك ما قدره لي وما رضيت به وما حمدته سبحانه وتعالى عليه.

أناشدكم في بدايته وفي نهايته أن اتقوا الله في ليبيا.!! فاتقوا الله في ليبيا.!! اتقوا الله لعلكم تفلحون.!! اتقوا الله لعلكم تهتدون.!!

ليبيا التي عرفت هي ليبيا التي ولدت فيها وتقاسمت مع أهلها الفقر والفاقة والمرض والحرمان. ليبيا التي علمتني في مدارسها وفي جامعتها. ليبيا التي وفرت لي الغذاء والدواء والتعليم والرعاية. ليبيا التي وفرت لي فرص العمل في مجالين من مجالات الخدمة المدنية العامة فيها مجال الاعلام ومجال النفط. ليبيا التي اكتسبت عَلى يدها الكثير من الخبرات في الادارة المحلية وفي الشؤون الدولية أيضا.

ليبيا التي اتهمتني بعض أجهزتها بالتامر عليها مع رفاق لي أعتز دائما بما كان يجمع بيننا من الحب للوطن والدفاع عن كرامته. ومن إيماننا بوحدة الأمة العربية وكرامتها. لم نكن نتامر عليها. بل كنا ندافع عن كرامتها. ونطالب بتطهير ترابها من الجيوش الاجنبية التي تدنسه ولو كان ذلك برضى حكومتها. فكنا نرفض ذلك الرضا وندعو حكومتنا الى استكمال سيادتنا الوطنية. كنا نعبر عن ضمير الوطن والشعب وام نكن أبدا من المتآمرين.!!

ليبيا التي عرفت أعادتني الى عملي السابق بمجرد انتهاء مدة العقوبة الظالمة التي حكم بها علي ثم أصدر ملك ليبيا الصالح الذي عرفت طيب الله ثراه مرسوما بالعفو العام لمن تبقى منا في السجن وقليل ما هم.!!

ثم وليت في ليبيا التي عرفت بعد السجن العديد مِن المسؤوليات الهامة في داخل الوطن وخارجه. كان من بينها المشاركة في أعمال العديد من المؤسسات الوطنية كالمجلس الاعلى للبترول والمجلس الاعلى للتخطيط ولجنة التخطيط المشتركة والشركة الوطنية العامة للبترول. ثم المشاركة في العديد من المؤتمرات العربية والدولية ممثلا لبلادي ومدافعا قويا عن حقوقها وعن سيادتها.!!

ليبيا التي عرفت هي ليبيا البناء والتنمية والرخاء. ليبيا الامن والامان. ليبيا الدستور والحكم الرشيد. ليبيا التي لا يظلم فيها أحد.!!

ليبيا التي عرفت هي ليبيا التي بناها قادتها من الرجال الكبار الذين عرفتهم والذين تعلمت منهم الوطنية وحب الوطن والوفاء للقيم العليا. والذين تشرفت بالعمل معهم والمساهمة معهم في بناء ليبيا التي عرفت.

ليبيا التي عرفت هي ليبيا التي لم تعرف الفساد ولا المليشيات ولا العصابات المسلحة ولا المؤامرات ولا نهب المال العام. ليبيا التي عرفت كيف تحافظ عَلى المال العام وكيف تنفقه في الصالح العام وحده.

ليبيا التي عرفت هي ليبيا دولة الاستقلال وكان اسمها المملكة الليبية المتحدة.!! وهي ليبيا الرخاء والتنمية والبناء وكان اسمها المملكة الليبية.!!

ليبيا التي عرفت تامر عليها الانس والجن من داخلها ومن خارجها في فجر يوم كريه انتصر فيه “الشيطان” وتمكن من اغتيال ليبيا التي عرفت ومزق دستورها وقضى عَلى كل ماتم تحقيقه فيها من الانجازات الكبرى وأعادها الى عصر ما قبل التاريخ.!!

في تلك اللحظة الكئيبة ليلة الاول من أيلول الأسود عام ١٩٦٩ ولدت ليبيا التي لا أعرفها.!! وما زلت أجهلها حتى اليوم.!

أجهلها ولكني لا أنساها.!! أتابع جراحها والامها وأتحسر عَلى ماضيها التليد وأبكي واقعها الأليم.!! وأدعو الله ليلا ونهارا أن يعيدها إلى أهلها الطيبين وأن يعيد إليها دستورها وإدارتها الوطنية المخلصة الوفية التي كانت. !!

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ (3)} الحج ١و٢.

إن لم يحرك هذا الوعيد الالهي الرهيب ضمائر المفسدين في الارض والعابثين بمقدرات الوطن والشعب فبشرهم بعذاب أليم يوم لا ينفعهم مال منهوب ولا جاه مزيف يوم يجدون أنفسهم هم وشياطينهم في نار جهنم وبئس المصير.!! يوم يحمى عَلى أموالهم في نار جهنم فتكوى بها ظهورهم وجنوبهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.!!

الله الله في الوطن.. الله الله في الشعب.. يامن تتقاتلون من أجل الفساد.!! يامن تتامرون من أجل الكراسي والمناصب.!! يا من نسيتم الله فأنساكم أنفسكم.!! توبوا الى الله توبة نصوحا عسى أن يهديكم الله سواء السبيل وينقذكم من النار وبئس المصير. {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} الاسراء ٨١.

لاشك انكم جميعا أو معظمكم تعلمون أن ما تقومون به هو الباطل.!! وأن الله وما يدعو إليه هو الحق وأن الحق يعلو ولا يعلى عليه وأن الله لابد أن ينصر المظلومين ويقهر الظالمين.

بين ليبيا التي عرفت وليبيا التي لم أعرف ضاع الوطن أيها السيدات والسادة.!! فابحثوا عن ليبيا التي عرفت وأعيدوها الينا.!!

”وما نيل المطالب بالتمني..

ولكن تؤخذ الدنيا غلابا..!!“

هذا نداء وطني صادق أطلقه وأنا عَلى فراش المرض يملأني الخوف مما هو قادم لي وللوطن وداعيا الله سبحانه وتعالى في السر وفي العلن وفي كل صلاة وفي كل حين أن يرحمني ويرحمكم ويشفيني ويشفي الوطن العزيز من كل الالام ومن كل الأوبئة ومن كل جائحة فهو عَلى كل شيء قدير. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

والسلام عَلى من اتبع الهدى.

________________

المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *