تشخيص حالة الاوضاع في ليبيا
د. منصف البوري

حب الوطن لا يبنى على مجرد أن تولد فى هذا الوطن، ولكن على عمق انتمائك له ككل، حتى وأن احببت مدينتك أو جهتك أو منطقتك أو قبيلتك فان الوطن هو من يجسد روحك الوطنية، والتى هى بدورها غريزة فطرية في الانسان فهى تعنى أن تحب وطنك بإخلاص وأن تكون مستعداً للتضحية من أجله في أى وقت، وليس هذا فحسب بل أن تترجم هذا الشعور، أى شعور المواطنة إلى افعال ملموسة على ارض الواقع، فالوطنية بالافعال وليست بالاقوال فتصبح مصلحة الوطن فوق كل شئ بما في ذلك مصلحتك الشخصية والخاصة، وفى هذا السياق ليس من الوطنية في شئ أن تتخلى عن واجبك الوطني فى الانتخابات.

في تجربة السنوات الماضية الانتخابية حلت الشعارات الجوفاء محل المشاريع الوطنية وحل الاشخاص محل البرامج التى يفترض بها إعادة بناء الوطن على النحو الذي يستوعب حاجات الانسان وطموحاته التي عاش محروما منها لأكثر من أربعة عقود، وعندما أتيحت له الفرصة تكالبت (عليه) قوى الشر.

لاشك انه من أهم وأخطر الفترات التي تمر بها مرحلة بناء الدولة الحديثة هي تلك التى انتقل فيها النظام غير الديمقراطي إلى نظام ديمقراطي حديث يتم فيها رسم وبناء وتمكين البنية الأساسية لهذه الدولة الناشئة، وهو بالفعل ماحدث في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير وحالة المخاض الكبيرة وتعاظم التحديات الجسام والصعاب، وتبدو علاقة الشد والجذب التى تحكم العلاقة بالمجتمع مرتبطة الى حد ما بالعديد من الرواسب والحساسيات والمخاوف السلبية التى تركها الصراع السياسي والعسكرى وطبيعة التحالفات التى سادت فى هذه المرحلة.

وحين تتعرض الدولة الوليدة الجديدة إلى عملية المخاض الكبرى، تواجهها العديد من التحديات الجسام التي تعترض طريقها بشكل طبيعي وتلقائي بحكم طبيعة المخاض والتحول، يأتي في مقدمتها تحدي التفكك الجهوى والمناطقى والقبلى والذي يدفع باتجاه تفيكك وتقسيم الدولة إلى اطراف قبلية وجهوية وسياسية تجعل من المجتمع مجموعة من الجزر المنعزلة متعددة البواصلالاجتماعية والسياسية والتي تتقاطع في أهدافها وتطلعاتها وطموحاتها السياسية.

أن قضية بناء الدولة الحديثة كما تعكسها التجربة الليبية، تتطلب منا أن نأخذ في الاعتبار مجموعة من المحددات المرتبطة بعملية بناء الدولة، مثل: حدود التطور السياسي والاجتماعي، ومدى اقترابه من الحد الذي يسمح بوجود دائم للسلطة السياسية، بمعنى الوقوف على حدود تطور النظام السياسي ووعي النخبة السياسية والثقافية بمسئولياتها في تجنب المزيد من الصراعات السياسية والانقسامات الاجتماعية وترسخ فكرة البناء المؤسسي ودورها في تأكيد منظومة القيم الديمقراطية، بالإضافة لتناول الموارد والقدرات الاقتصادية وعمليات الإصلاح الاقتصادي جنبًا إلى جنب مع تناول الخصائص الاجتماعية والثقافية المميزة للمجتمع الليبي، وحدود انعكاس ذلك على درجة تماسك الدولة وقوتها.

وفى هذه المرحلة التى نعيشها اليوم لابد من معرفة حركة المجتمع ودوره فى عملية بناء الدولة وحدود وارتباط ذلك بتوفر مساحات وآليات دافعة تساعد على تحديد طبيعة العلاقة الحاكمة بين الدول والمجتمع ودور مؤسسات المجتمع المدنى فى هذا الاطار للمساهمة فى عمليات البناء السياسي والاصلاح وتحقيق التنمية المنشودة اخذين فى الاعتبار سمات المجتمع الجهوي والقبلى براوبطه التقليدية.

ومن الواضح أن مرحلة الصراع السياسي والعسكرى وتناحر العديد من القوى السياسية والمجتمعية قد انعكست بوضوح في تشكيل البيئة المحيطة بالعمل المدنى وفي طبيعة تشكيل المنظمات غير الحكومية بالقدر الذي لم يساعد على أن تكون هذه البيئة داعمة أو محفزة لبناء مجتمع مدني قادر على تفعيل أنماط المشاركة المجتمعية وتبني أجندة تنموية وحقوقية تسهم في دفع عجلة التحول الديمقراطي في البلاد، أو على الأقل تسهم في نقل الأنماط التقليدية من العمل المدنى ومؤسساته إلى مستوى أوسع باتجاه مكونات حديثة تدعم المجتمع المدني.

________________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *