تحقيق أسامة علي
لم تنته آثار حقبة القذافي حتى اليوم، إذ جرى التلاعب في طرق الحصول على الجنسية الليبية لأهداف سياسية وعسكرية، ما تسبب في معاناة متواصلة منذ السبعينيات وخلق ظاهرة تجنيد “البدون” لصالح طرفي النزاع في معركة العاصمة.
– قاتل العشريني الليبي المنحدر من قبيلة المحاميد طارق حمودة، في صفوف مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، منذ عام 2016 على أمل الحصول على الجنسية الليبية التي حرمت عائلته منها، رغم أنه من مواليد حي الطيوري بمدينة سبها الواقعة في جنوب البلاد، كما يقول لـ“العربي الجديد“، مضيفا :”حفتر وعدنا بالجنسية في حال انتصر وحكم البلاد“.
ولذات السبب، شارك مخزوم الشروي المنتمي إلى قبيلة الحساونة المتواجدة في جنوب البلاد، في اجتماع عقد في مارس/آذار2017، مع شباب من مختلف القبائل، ترأسه ممثل حفتر في الجنوب والقيادي في التيار السلفي المدخلي، مسعود الجدي المنحدر من قبائل أولاد سليمان في مقر الكتيبة 116 بهدف حشد وتجنيد مقاتلين في صفوف مليشيات حفتر، في مقابل وعود بمنحهم الجنسية وإنهاء مشاكلهم القانونية واستخراج جوازات سفر لهم، وبالفعل شكل شباب حي الطيوري كتائب أمنت حقول تازربو النفطية وقاعدة الويغ العسكرية القريبة من الحدود التشادية بحسب إفاداتهم لـ“العربي الجديد“.
وعود حكومية
انقسم أبناء قبائل المحاميد العائدون من دولتي تشاد والنيجر، إلى فصيلين، أحدهما يقاتل ضمن مليشيا 128 مشاة التابعة لحفتر، والثاني بعدد أقل ضمن المنطقة العسكرية الغربية التابعة لحكومة الوفاق، رغم أن الفصيلين ليس لديهما موقف سياسي ولا ولاء كامل لأي من الطرفين، حسب ما يقول حمودة لـ“العربي الجديد“، مضيفا: “الهدف هو الارتباط مع أي طرف سينتصر لنحصل على أوراق ثبوتية وجنسية ليبية وهي من حقنا بعدما حرمنا منها لسنوات“.
القذافي استخدم الجنسية لابتزاز أبناء القبائل وتجنيدهم في قواته
على خطى حمودة، سار عيسى شفتر من قبيلة ورفلة، والذي انضم برفقة صديقه ناصر امبارك مع أبناء عمومته من قبيلة أولاد سليمان، إلى أحد الفصائل المسلحة التي تقاتل ضمن المنطقة العسكرية الغربية بحكومة الوفاق في عام 2014 لذات السبب، لكنه يبدو متفائلا بشأن حصولهم على الجنسية، قائلا لـ“العربي الجديد“:” مشاركتنا في الدفاع عن العاصمة وحصولنا على أرقام عسكرية رسمية تمثل أملا في تفهم الدولة لقضيتنا“.
وآخر الوعود الرسمية التي تلقاها العائدون من أبناء قبيلة المحاميد كانت في 11 يناير 2018 من قبل رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، والذي تعهد خلال استقباله وفداً من المجلس الاجتماعي لقبيلة المحاميد، بأنه سيعمل على إيجاد حل جذري للأزمة بعد أن يلتقي ممثلين عن القبيلة بمسؤولي السجل المدني وفق ما جاء على صفحة المكتب الاعلامي لرئيس المجلس الرئاسي على “فيسبوك“.
لكن حمودة ورفاقه لا يعرفون إلى أين وصلت وعود المجلس الرئاسي اليوم، بينما يؤكد مصدر مطلع يعمل في مكتب الشؤون القانونية بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، شدد على عدم ذكر اسمه، لكونه غير مخول بالحديث للإعلام، بأن محضر اللقاء بين السراج وأعيان المحاميد لا يزال محفوظا ولم يُتخذ فيه أي إجراء، معللا الأمر بكثرة الملفات الضاغطة على المجلس الرئاسي عسكريا وسياسيا.
يتوافق ذلك مع تأكيد الشيخ محمد الغزالي، أحد أعضاء وفد المحاميد الذين قابلوا السراج، والذي قال لـ“العربي الجديد” :”المجلس الرئاسي تعهد بتسهيل لقائنا بمصلحة الأحوال المدنية لنقاش قضية إجراءات التسجيل المدني لكن ذلك لم يحدث، رغم انتظارنا لأربعة أيام في العاصمة“.
كيف بدأت أزمة عديمي الجنسية؟
بدأت أزمة عديمي الجنسية في ليبيا، منذ عام 1972 بعدما فتح مجلس قيادة الثورة، بزعامة معمر القذافي ما يسمى بـ“سجل العائدين” من المهجر بهدف بدء إجراءات يفترض أن تنتهي بالحصول على الجنسية الليبية، لكنه بقي مفتوحا طوال سنوات حكمه، من دون حسم القضية ما فاقم من أزمتهم، وفق ما يقوله محمد المفتي، مدير الإدارة القانونية بفرع مصلحة الأحوال المدنية بمرزق الواقعة جنوب البلاد، مؤكدا أن العائدين من عديمي الجنسية يتوزعون بين بلدات أوباري وغات ومرزق وسبها.
ويستند المفتي في تحديد عدد العائدين من عديمي الجنسية إلى رسالة موجهة من مصلحة الأحوال المدنية لمؤتمر الشعب العام (برلمان القذافي) في عام 2005، قدرت أعدادهم بـ 50 ألف شخص موزعين بين قبائل الطوارق والتبو وأولاد سليمان والمحاميد والحساونة وورفلة كما يقول لـ“العربي الجديد“.
وتبدو مشكلة العائدين من الطوارق أكثر تعقيدا، إذ تولت بلدية أوباري في عام 1988 حصر أعداد عديمي الجنسية بينهم وانتهت إلى وجود 14242عائداً من الطوارق، منحوا بطاقات شخصية ليبية من دون كتيبات العائلة (تمنح بعد الحصول على الجنسية)، في حين قررت اللجنة الشعبية العامة (رئاسة الوزراء) في عام 2009 تشكيل لجنة للتدقيق في إجراءات العائدين، منحت بموجبه الجنسية الليبية لـ 1547 عائداً من الطوارق.
لكن مجدي أبوهنة المكلف من قبل المجلس الأعلى للطوارق بمتابعة قضية عديمي الجنسية من أبناء القبيلة لدى السلطات في طرابلس، يقول إن القرار اقتصر على العسكريين الذين كون منهم القذافي كتيبة أمنية تضمن له السيطرة على الجنوب عرفت بـ لواء المغاوير، وحتى هؤلاء عانى بعضهم من عدم تفعيل القرار.
في حين أن مشكلة بعض العائدين من قبيلة التبو في طريقها إلى الحل، إذ نال أبناء العائدين في الجنوب وثائق رسمية للولادات والزيجات ويتحصلون على جوازات سفر بشكل قانوني.
كما يقول عيسى عبد المجيد، رئيس الكونغرس التباوي (هيئة اجتماعية تضم مكون التبو القبلي)، مضيفا لـ“العربي الجديد” :”المشكلة لدى التبو من سكان قطاع أوزو الحدودي بين ليبيا وتشاد، تكمن في أنهم لم يتنازلوا عن أصولهم الليبية، بعدما قضت محكمة العدل الدولية في عام 1994، بتبعية القطاع لتشاد. ليصدر بعدها في عام 1996 قرار من أمانة مؤتمر الشعب العام نص على أن “كل من وُلد في إقليم أوزو يعتبر أجنبياً لكون الإقليم ضُمّ بموجب حكم محكمة العدل الدولية إلى دولة تشاد“، لكن عبدالمجيد يقول إن قرار المحكمة تحدث عن الأرض ولم يقضِ بشأن السكان الذين لا يزالون متمسكين بجنسيتهم الليبية.
مكتب الصحراء الشرقية
بداية سبعينيات القرن الماضي، وبتعليمات من معمر القذّافي، أُنشئ مكتب الصحراء الشرقيّة، لأغراض سياسية، وفق توضيح عبد الرزاق المزوغي، المدير الأسبق لإدارة شؤون الأجانب بمصلحة الأحوال المدنية في طرابلس، ورغم عدم معرفة الكوادر الإدارية العاملة في مصلحة الأحوال المدنية بسنة تأسيسيه ولا رئيسه، إلا أن إدريس بومريم رئيس قسم التفتيش في مكتب السجل المدني بطبرق في الفترة (خلال الفترة بين 1989 و1995)، قال لـ“العربي الجديد” أن المكتب كان يتبع جهاز الأمن الداخلي، وعمل على منح أبناء قبائل شرق ليبيا الممتدة داخل مصر، أوراقاً تثبت أنهم مواليد ليبيا، لزعزعة استقرار مصر إبان عهد السادات بعد خلاف القذافي معه.
يوافقه المزوغي، قائلا إنه تم وقف 2400 ملف وطلب تجنيس لأبناء هذه القبائل بسبب عدم قانونيتها، بعد أن نفت كل الجهات الحكومية الليبية تبعية مكتب الصحراء الشرقية لها ما اضطر الحكومة لإحالة القضية للمجلس الأعلى للقضاء والذي أقر في حكم صادر عام 2013 بأن كل الأوراق التي أصدرها المكتب باطلة كونه لا يعد مكوناً من مكونات مصلحة الأحوال المدنية.
يؤكد المزوغي أن أقدم تاريخ في الملفات التي أُوقفت يعود لعام 1975، وتابع أن أغلب الشرائح التي جلبها نظام القذافي في إطار استخدامهم في صراعاته السياسية يعانون من فقدان الهوية، لعدم امتلاكهم وثائق تثبت دخولهم ليبيا عبر المنافذ الرسمية، أو أوراقاً من القنصلية الخاصة بالبلد التي عاشوا فيها من قبل تثبت مدة وجودهم، كما يوضح المحامي لدى المحكمة العليا في طرابلس الطاهر عبد القادر، والذي ترافع في قضية 16 مواطنا من الحاصلين على شهادات ميلاد من مكتب الصحراء الشرقية.
لجان حكومية لم تفض إلى حل
“تفاقمت أزمة العائدين من عديمي الجنسية، خلال الفترة من عام 1980 وحتى 1985، عقب إعادة القذافي لبعض أبناء القبائل الليبية الموجودين في دول الجوار الأفريقية، لتجنيدهم في حربه ضد تشاد التي كان يخوضها في تلك الفترة، في مقابل وعود بمنحهم الجنسية الليبية وتسوية ملفاتهم باعتبارهم عائدين من المهجر، لكنهم لم يحصلوا على الجنسية حتى الآن، رغم إنشاء 8 لجان بقرارات متتابعة منذ عام 1980 لحل مشكلة عديمي الجنسية“، بحسب تأكيد المزوغي لـ“العربي الجديد“.
وبعد إطاحة نظام القذافي، صدر قرار الحكومة الليبية المؤقتة رقم 781 القاضي بتشكيل لجنة لوضع آلية لحل مشاكل الرقم الوطني في عام 2013، وتواصلت القرارات حتى أصدرت مصلحة الأحوال المدنية في فبراير/شباط 2019 القرار رقم 70 بشأن تشكيل لجنة عليا لمراجعة ملفات العائدين، “تتولى مهام التفتيش على ملفات العائدين من المهجر للتأكد من صحة القيد ومن المستندات أساس القيد وفقا للقوانين واللوائح النافذة” بحسب نص القرار الذي حدد في مادته الخامسة “مدة عمل اللجنة بـ 3 أشهر من تاريخ صدور القرار“.
لكن المفتي يؤكد أن أغلب أعمال أجهزة الدولة أصبحت معطلة مع دخول البلاد في توتر الحرب التي هددت العاصمة طرابلس، مشيرا إلى أن الأعمال ضمن هذا القرار لا تزال متوقفة حتى الآن لتبقى القضية بلا حل وتستمر معاناة عشرات آلاف الليبيين من ضحايا ممارسات القذافي، وهو ما يتفق معه المحامي عبد القادر، مضيفا أن كلاً من سلطتي البلاد في طرابلس والشرق تتعمدان الابتعاد عن البت في هذه القضية وربما تساومان من خلالها لشراء الولاءات.
___________
العربي الجديد
asenapine and droperidol both increase QTc interval dapoxetina comprar online Antitoxin levels of 0
Disclaimer The following information is for educational purposes only, and should not be taken as medical advice or used for self treatment [url=https://fastpriligy.top/]free samples of priligy[/url] With the development of the early screening, detection, and systemic treatment of breast cancer, significant improvements in breast cancer survival outcomes have been made