محمد القرج

هذا تقرير مفصل عن مواجهة عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة وخليفة عبد الصادق وزير النفط المكلف وصفقة «أركنو»

أولا: كيف خرج الخلاف إلى العلن؟

في بثّ على قناة ليبيا الأحرار في 30 أبريل 2025، تحوّل اجتماع حكومي روتيني مع قطاع إلى جلسة استجواب نادرة. رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة واجه وزير النفط والغاز المكلّف ووكيل وزارة النفط، وعضو مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، خليفة عبد الصادق، باتهامات صريحة تتعلّق بشركة خاصة اسمها «أركنو للنفط».

ما دار في ذلك الحوار يكشف، لأول مرة، عن تشابك مصالح بين وزارة النفط، شركة الخليج العربي للنفط ومصارف لم يُفصح عنها، أُدخلت لتمويل شركة لا يتجاوز عمرها عامين.

ثانيا: لحظة الاتهام الأولى

بدأ التصعيد عندما قال الدبيبة، موجِّهًا حديثه إلى عبد الصادق: «هناك من يقول إن هذه الحقول منتِجة، وأن شركة أركنو دخلت لتقاسم الإنتاج… بعض أعضاء الإدارة عندكم هم من قال ذلك، وليس كلامي أنا

مدير إدارة في القاعة لم يظهر وجههقاطع رئيس الحكومة مؤكدًا«نعم، هذا صحيح». اعتراف علني بأن أركنو ليست بصدد “إنقاذ” آبار متوقفة، بل مشاركة إنتاج قائم.

ثالثا: دفاع الوزير: «شركة ليبية بتمويل ليبي»

ردّ الوزير خليفة عبد الصادق على الاتهام سريعًا: «شركة أركنو هي شركة نفط ليبية مساهمة يملكها ليبيون، وحصلت على تمويل من مصارف ليبية وشركات ليبية.» لكن الوزير لم يذكر أسماء المساهمين ولا أسماء المصارف.

في تقرير لـوكالة رويترز (17 فبراير 2025) عُدّت أركنو «أول شركة نفط خاصة تصدّر الخام من ليبيا»، لكن الوكالة لم تتمكّن من تحديد ملاّكها أو مصدر تمويلها.

إذا تم تمويل شركة أركنو بمليار دولار (ما يعادل نحو 5.44 مليار دينار)، فإن هذه التمويلات تمثل حوالي 16.1% من إجمالي الائتمان والتسهيلات المصرفية وفق بيانات مصرف ليبيا المركزي للربع الأول من 2025 في النشرة الاقتصادية . وتمويل بهذا الحجم لم يتم التنويه عليه بشكل صريح !

رابعا: سؤال المليار الذي لم يُجب عنه أحد

من اهم ما قيل في المواجهة جاءت عندما تساءل الدبيبة: «هل فعلاً دفعت أركنو مليار دولار؟ ولماذا حُوِّلت هذه الأموال إلى شركة الخليج وليس إلى المؤسسة الوطنية أو وزارة النفط؟»

ردّ أحد الحضور – لم يُظهر البث وجهه – قائلاً: «تم تحويل المليار دولار عبر سويفت إلى شركة الخليج». هنا انتقل رئيس الحكومة الدبيبة إلى مربّع الشك بشكل صريح قائلاً«بهذا الشكل أي شخص يأتي بمليار دولار ثم يحصل على عشرة مليارات

لم يقدّم الوزير عبد الصادق أي وثيقة تثبت أن التحويل «قرض قابل للاسترجاع». ولم يشرح لماذا يحتاج الوسيط الخاص إلى دخول المشهد إذا كانت المؤسسة تمتلك أصلاً ميزانية استثنائية قُدّرت بـ34 مليار دينار في 2022 و17.5 مليار في 2023 (نشرت أرقامها وزارة المالية والمصرف المركزي).

خامسا: «الأهلية» التي منحتها شلمبرجير

حاول الوزير تبرير منح أركنو الامتيازات بقوله: «ما أهلّ شركة أركنو هو وجود شريك دولي… شركة شلمبرجير أعطتها الأهلية لتحصل على المشاريع

شلمبرجير هي أكبر مقاول خدمات في ليبيا منذ الخمسينيات، لكنها ليست جهة ترخيص. بل إن الشركة نفسها هدّدت في يونيو 2024 (ليبيا أوبزرفر) بتعليق أعمالها إذا لم تُسدَّد لها مستحقات متراكمة بلغت 242 مليون دولار، منها 82 مليونًا على شركة الخليج.

ما فعله القرض «المجهول» هو تسديد جزء من هذه الديون، ثم حصول أركنو على حصة من حقول السرير ومسلة – وهي حقول “رئيسية”، باعتراف عبد الصادق لاحقًا«لا يمكن أن أنكر أن هذه الحقول منتِجة، ومن الحقول الرئيسية في ليبيا…»

سادسا: السؤال الذي لم يُطرح: لماذا حُرمَت شركة الخليج من القرض؟

شركة الخليج نفسها تدير قرابة ثلث إنتاج البلاد وتملك أصول خطوط أنابيب ومستودعات ضخ، ما يتيح لها ضمان أي قرض تجاري. ومع ذلك، تُركت «تحت العسر» – على حد تعبير الوزير – ولم تُخاطَب أي جهة مصرفية لتمويلها مباشرةالمعنى الضمني: إدخال طرف خاص لا يمتلك أصولًا ولا خبرة ليصبح «وسيط تمويل» ثم شريكًا في النفط.

سابعا: تورّط المصارف… من دون أسماء

قال الوزير: «أركنو تحصّلت على تمويل من مصارف ليبية…» غير أن وثائق الشحن التي كشفتها وكالة رويترز تُظهر أن إيراد البيع يُطلب تحويله إلى حسابات في بنك الإمارات الوطني (دبي) ومصرف التجارة والاستثمارات (جنيف). إذاً لا وجود لمصرف ليبي أعلن رسميًا إقراض “شركة بلا سجلّ إنتاجي” مليار دولار. عدم تطابق الأقوال مع البيانات المصرفية يزيد الشبهة حول مدى دقة كلام عبد الصادق.

ثامنا: آخر محاولة دفاع… وصمت الوزير

حين ذكّر الدبيبة وزيره بقرار رسمي بوقف التعامل مع أركنو قائلاً: «لماذا خالفتم قراري وكان واضحًا: أوقفوا الشركة؟»

لم يجد الوزير ردًّا؛ تدخّل خالد شكشك، رئيس ديوان المحاسبة، ليقول إنهم دخلوا «جدلًا قانونيًا» حول الرقابة المسبقة على عقود النفط، لكن الجلسة انتهت بإعلان رئيس الحكومة تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة والرقابة الإدارية وديوان المحاسبة «لمراجعة عقد أركنو وكافة العقود المماثلة». ”

اللجنة لم تظهر نتائجها رغم مرور أكثر من شهرين ، وظهرت بعدها أركنوا في تنظيم عدة فعاليات في بنغازي تظهر نفسها فيها لأول مرة بشكل صريح.

تاسعا: خلاصة الحوار بين الدبيبة وخليفة عبد الصادق وزير النفط المكلف وكيل وزارة النفط وعضو المؤسسة الوطنية للنفط.

1. اعتراف مباشر من موظفي المؤسسة الوطنية للنفط بأن الحقول التي مُنحت لأركنو منتِجة لا هامشية.

2. عدم كشف إسم أي مصرف ليبي قدّم القرض، بينما التحويلات عند بيع النفط تذهب إلى مصارف خارجية.

3. ديون شركة الخليج كان يمكن سدادها من الميزانية الاستثنائية أو بقرض مباشر بضمان إنتاجها، لكن أُدخلت شركة خاصة لتحمل الدَّين وتطالب بنصيب من النفط.

4. شركة شلمبرجير استفادت من تسوية ديونها، لكن استُخدمت كذريعة لمنح «أهلية» لشركة لا يخولها القانون.

5. خرق قرار حكومي صريح بوقف التعامل مع أركنو، ما يفتح باب مساءلة جنائية حول تجاوز السلطة.

عاشرا: هل هو تورّط فردي أم شبكة كاملة؟

عبارة الدبيبة الحاسمة في بداية الجلسة كانت: «وزير النفط متورط في قضية أركنو وهو وزير للنفط وعضو في مجلس ادارة المؤسسة الوطنية للنفط

المصادر التي استندنا عليها:

  •  بثّ اجتماع الحكومة على قناة ليبيا الأحرار (30 أبريل 2025)
  •  وكالة رويترز، تقرير: “Libya’s first private oil firm…”, 17 فبراير 2025
  •  Libya Observer، خبر تعليق شلمبرجير، 10 يونيو 2024
  •  بيانات وزارة المالية والمصرف المركزي عن «الميزانية الاستثنائية»، يونيو 2022 ويناير 2025

الخلاصة

من هي المصارف التي مولت اركنو ؟ وهل هي مصارف خاصة أم عامة ؟

ولماذا المركزي لم يتحدث عن هذا ؟ وفقاً لما قاله وزير النفط خليفة عبد الصادق ، أم أن التمويل غير صحيح ؟ ماهي ضمانات التمويل لقرض بمليارات الدينارات الليبية ؟ لشركة ناشئة حديثة لا تمتلك أصولًاً ولا سجلا انتاجياً ؟

لماذا دافع الوزير عن الشركة ؟ ولماذا برر أنها حصلت على أهلية كونها شريكة شلبمبرجير رغم الشركة الأمريكية تعمل في ليبيا منذ خمسينيات القرن الماضي ؟ بل وتعمل في نفس الحقول !

لماذا لم يتم ايقاف عقد الشركة بعد تعليمات الدبيبة ؟ وماذا حصل في اللجنة المشكلة ؟

_______________

المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك

مقالات مشابهة