ألكسندر تشيكاشيف
لأكثر من عقد من الزمان بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي، لا تزال ليبيا منطقة غير مستقرة تتداخل فيها مصالح الفاعلين الداخليين والقوى الخارجية.
على الرغم من أن اهتمام وسائل الإعلام يتركز على الصراع الطويل الأمد بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس والجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، إلا أن الأسباب الجذرية للأزمة ترتبط إلى حد كبير بالصراع على السيطرة على موارد الطاقة.
تمتلك ليبيا احتياطيات نفطية تبلغ 48 مليار برميل، وهي بذلك تمتلك أكبر احتياطيات نفطية ليس فقط في شمال إفريقيا، بل في القارة بأكملها.
حتى عام 2011، كان الإنتاج يخضع لتنظيم مركزي من خلال المؤسسة الوطنية للنفط، التي تأسست عام 1970، ولكن بعد تدخل الناتو، فُقدت سيطرة الدولة على الحقول، مما أدى إلى تجزئة القطاع، وانخفاض حاد في الإنتاج، وزيادة في السوق السوداء.
رسمياً، انتهت الحرب الأهلية بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي في 23 أكتوبر 2020، ولكن في الواقع، لا يزال عدم الاستقرار قائماً، وكذلك التنافس على السيطرة على الموارد الاستراتيجية.
يصف مصطلح “حروب النفط بين الشركات” صراعاً غير رسمي تتنافس فيه شركات النفط متعددة الجنسيات المدعومة من الدولة على الوصول إلى الأصول النفطية.
في ليبيا، يتجلى هذا الصراع في شكل تمويل سري للجماعات المسلحة، وتورط شركات عسكرية خاصة، وتخريب البنية التحتية النفطية.
الوضع الحالي لقطاع النفط في ليبيا
منذ عام 2011، حافظت شركات مثل إيني (إيطاليا)، وتوتال إنرجيز (فرنسا)، وبي بي (المملكة المتحدة)، وإكسون موبيل وكونوكو فيليبس (الولايات المتحدة الأمريكية) على اهتمامها بقطاع النفط الليبي.
على الرغم من وجود اتفاقيات رسمية مع الحكومة في طرابلس، تتعاون هذه الشركات أيضاً مع حكومة حفتر الشرقية والجماعات الجنوبية التي تسيطر على الحقول الرئيسية.
ويكشف الصراع على المصالح بين إيني وتوتال إنرجيز بشكل خاص عن التنافس الجيوسياسي طويل الأمد بين إيطاليا وفرنسا، اللتين تنافستا تاريخياً على النفوذ، وقبل ذلك على المستعمرات في شمال إفريقيا.
تحافظ شركة إيني على علاقات وثيقة مع حكومة الوفاق الوطني، بينما تتعاون شركة توتال إنرجيز بنشاط مع إدارة حفتر.
في هذه الحالة، يمكننا أن نرى كيف تعكس المصالح المؤسسية والاقتصادية الانقسامات الجيوسياسية الأوسع داخل الاتحاد الأوروبي والصراع من أجل رؤيتهم لأمن الطاقة.
اتبعت الشركات الأمريكية نهجًا أكثر تحفظًا، لكنها لا تزال تحتفظ بحصة في حقول النفط.
وكان من العناصر المهمة، وفقًا لبعض المصادر، تورط شركات عسكرية خاصة، ولا سيما بلاك ووتر (التي تُعرف الآن باسم كونستيليس)، والتي يُزعم أنها متورطة في حماية منشآت النفط الأمريكية، مما يشير إلى وجود تنسيق خفي بين الشركات متعددة الجنسيات والشركات العسكرية الخاصة والجماعات المحلية.
على الرغم من محاولات الحكومة الليبية لتشديد الرقابة، لا يزال قطاع النفط ساحة للصفقات غير الرسمية، حيث غالبًا ما يتم مقايضة الأمن بالوصول إلى الموارد.
على خلفية الانقسامات السياسية المستمرة، أصبحت ليبيا مرة أخرى لاعبًا مهمًا في سوق الطاقة العالمي.
بعد سنوات من الحرب الأهلية والتشرذم في الحكم ومشاكل البنية التحتية، يشهد قطاع النفط الليبي طفرة جديدة في النشاط.
لكن حروب النفط بين الشركات مستمرة: تعود شركات النفط الدولية الكبرى، ولكن معها مخاطر الانقسام السياسي والتجارة غير المشروعة وتورط شركات عسكرية خاصة أجنبية.
في عام 2025، سجلت المؤسسة الوطنية للنفط زيادة في الإنتاج إلى 1.3-1.4 مليون برميل يوميًا، مع هدف الوصول إلى 1.6 مليون برميل، رهناً بالاستقرار السياسي.
وكان من الأحداث البارزة الإعلان عن أول مناقصة لتطوير الحقول منذ 17 عامًا، والتي أثارت اهتمام 37 شركة دولية، بما في ذلك توتال إنرجيز، وإيني، وشيفرون، وإكسون موبيل، وOMV، وريبسول، وما إلى ذلك.
تشمل المبادرات الأخيرة ما يلي:
توقيع مذكرة تفاهم لمدة 10 سنوات من قبل إكسون موبيل لإجراء عمليات ستكشاف في أربع مناطق بحرية؛ توسيع إنتاج توتال إنرجيز في حقلي الواحة والشرارة، بالإضافة إلى الاستكشاف في حوضي سرت ومرزوق؛ تُنفذ شركة إيني مشروعًا واسع النطاق للغاز في المنطقة دال البحرية قبالة سواحل ليبيا، حيث تخطط لإنتاج ما يصل إلى 750 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز يوميًا اعتبارًا من عام 2026.
تعكس هذه الخطوات ليس فقط الاهتمام المتزايد بالسوق الليبي، بل أيضًا الرغبة الاستراتيجية لأوروبا في تنويع مصادر إمدادات الطاقة لديها في ظل القيود المفروضة على الواردات من الاتحاد الروسي.
قضايا الإدارة والأمن
على الرغم من الاستقرار الجزئي، لا تزال ليبيا دولة ذات حكومتين متنافستين، مما يعيق الإدارة الفعالة للأصول النفطية والتوزيع العادل للدخل. وتستمر النزاعات حول
السيطرة على المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط ومدفوعات الموظفين العموميين.
ومن الأمثلة على اللامركزية ظهور شركة أركينو للنفط، وهي شركة خاصة مرتبطة بابن حفتر، والتي تصدر النفط متجاوزةً المؤسسة الوطنية للنفط.
إلى جانب ذلك، لا تزال الظواهر التالية قائمة:
تهريب النفط وصفقات المقايضة؛ الصادرات غير المصرح بها؛ سيطرة الجماعات المسلحة على البنية التحتية، وخاصة في مناطق فزان وعلى حدود مناطق نفوذ حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي؛ وجود شركات عسكرية خاصة تحمي المنشآت وتؤثر على توزيع الموارد.
هذا الوضع المتعلق بأهم الموارد لا يساهم في حماية سيادة البلاد. فبينما تحاول الإدارة الليبية، من خلال شركة النفط الوطنية، فرض سيطرة مركزية على موارد النفط، إلا أن معظمها يخضع فعلياً لسيطرة شركات خاصة وأحياناً جماعات محلية.
ولا تزال المخاطر القانونية والمالية والمتعلقة بالبنية التحتية مرتفعة. تجري مفاوضات العقود في بيئة يمكن فيها إنهاء الاتفاقيات السياسية، وإيقاف الإنتاج بسبب الاضطرابات المحلية أو صراعات السلطة، ويصعب فيها ضمان سلامة الموظفين والبنية التحتية.
تستمر هذه العوامل في تثبيط بعض المستثمرين الذين يتجنبون المخاطر، وتؤدي إلى إنشاء سوق نفطية موازية وزيادة نشاط الشركات العسكرية الخاصة في المنطقة.
***
يشير توقيع عقود جديدة ومشاركة شركات النفط الأجنبية إلى استعادة الثقة في السوق، ولكنه يؤدي أيضاً إلى زيادة المنافسة على الموارد والنفوذ في ليبيا.
إن إمكانية استعادة الإنتاج تجعلها لاعباً استراتيجياً مهماً في ظل أزمة الطاقة العالمية والعقوبات المفروضة على موردين آخرين، ويشير نشر أول مناقصة منذ سنوات عديدة إلى استقرار العملية السياسية ويزيد من الاهتمام بالسوق الليبية من أوروبا وأمريكا الشمالية.
مع ذلك، وفي سياق التشرذم السياسي وضعف مؤسسات الدولة، يتصاعد أيضاً الصراع من أجل السيطرة على الموارد والبنية التحتية وطرق التصدير. لا تزال ليبيا ساحة مواجهة شرسة بين أكبر شركات الطاقة والدول والهياكل غير الرسمية.
إن حروب النفط بين الشركات في ليبيا ليست مجرد نظرية، بل هي حقيقة واقعة تتجلى من خلال العقود وحماية البنية التحتية والوسطاء والصفقات غير الرسمية.
لتحقيق التعافي المستدام في ليبيا، لا يكفي زيادة حجم الإنتاج، بل يلزم أيضاً تعزيز المؤسسات والشفافية في الحوكمة وتقليل الاعتماد على القوى الخارجية.
قد يصبح السيناريو الذي يتكشف في ليبيا نموذجاً للصراعات المستقبلية في مناطق أخرى غنية بالطاقة ولكنها ضعيفة سياسياً في العالم.
_____________