كريمة ناجي

مراقبون يقولون إن إحاطتها أمام مجلس الأمن جاءت لحفظ ماء الوجه قبل المغادرة ويؤكدون ضرورة استبدالها بـ“بعثة عسكرية“
أثارت إحاطة المبعوثة الأممية إلى ليبيا هنا تيتيه، أمام مجلس الأمن الدولي جدلاً في الشارع الليبي الذي خيم عليه التشاؤم، إذ شددت على أنه “لا يمكنها تحمّل أي تعطيل في تنفيذ خريطة الطريق السياسية التي تهدف إلى توحيد مؤسسات الدولة وتجديد شرعيتها من خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية“.
قالت تيتيه إن الإنجاز الأول في تنفيذ الخريطة تمثل في الاتفاق على تشكيل مجلس المفوضية العليا للانتخابات من خلال تعيين مشترك بين مجلسي النواب والدولة لشغل المناصب السيادية الشاغرة، مشيرة إلى أن الخطوة التالية كانت تتعلق باستكمال تعديل الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات وفق توصيات اللجنة الاستشارية، إلا أن ذلك لم يتحقق بسبب الخلافات بين المجلسين.
وأوضحت في إحاطتها، أنه إذا ما فشلت جهودنا الحالية في تحقيق توافق كامل بين مجلسي النواب والدولة للمضي قدماً في تنفيذ خريطة الطريق فسوف نعتمد نهجاً بديلاً يتمثل في اللجوء إلى مخرجات اللجنة الاستشارية التي شكلتها بعثة الأمم المتحدة في الفترة الماضية.
وأضافت مبعوثة مجلس الأمن الدولي إلى ليبيا، أن القادة والمؤسسات الليبية الحالية أكدت التزامها بالانخراط بشكل إيجابي في خريطة الطريق التي سبق واقترحتها أمام مجلس الأمن الدولي في 21 أغسطس (آب) الماضي، إلا أن “أفعالها لم توافق أقوالها“. وأبرزت أن المواجهة المستمرة بين حكومة الوحدة وجهاز الردع كادت تهدد الهدنة في العاصمة طرابلس التي لا يزال وضعها الأمني هشاً.
ردود متباينة
ورحب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي (غرب) بإحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام في ليبيا أمام مجلس الأمن، مجدداً التزامه بالشراكة والتنسيق الوثيق مع الأمم المتحدة ومؤسساتها. وقال المنفي باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية إن مجلسه مستمر في تعزيز الاستقرار والتنسيق الأمني كشرطٍ أساسي للتقدم في المسار السياسي والتنمية المستدامة.
في المقابل، عارض رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد (شرق) إحاطة تيتيه، داعياً رئيس مجلس الأمن الدولي لإعادة هيكلة البعثة لتوسع أهدافها في بنغازي (شرق) وسبها (جنوب)، مشدداً على أن الإحاطة تضمنت مغالطات خطرة وتدخلات سافرة في الشؤون الداخلية للدولة الليبية ومؤسساتها السيادية.
وقالت حكومة حماد في بيان لها، إن تيتيه تجاوزت حدود مهامها المقررة بتدخلها غير المبرر في شؤون المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، محاولة فرض آليات لتشكيل مجلسها وفق رؤيتها الخاصة، من دون أي احترام للقوانين الليبية النافذة أو سيادة مؤسسات الدولة وتشريعاتها.
وأضافت أن البعثة نصبت نفسها وصياً على التشريعات الدستورية والقانونية المنظمة للعملية الانتخابية، متجاوزة اختصاص السلطة التشريعية الليبية الممثلة في مجلس النواب، في انتهاك صريح للسيادة الوطنية الليبية.
دعم دولي
تفاعلاً مع إحاطة المبعوثة الأممية إلى ليبيا، دعت مندوبة الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن، حكومة الدبيبة للتفاعل مع الخريطة السياسية للبعثة لتوحيد المؤسسات، مرحبة بجهود الوساطة لخفض التصعيد في طرابلس.
وقالت إن “هدف الولايات المتحدة رؤية حكومة ليبية موحدة قادرة على بسط سيطرتها على ليبيا بالكامل“، مؤكدة أن توحيد المؤسسات السياسية الليبية أمر أساسي لضمان الاستقرار لكل الليبيين.
مندوب فرنسا لدى مجلس الأمن أكد أن خريطة طريق الأمم المتحدة تتحدث عن عقد انتخابات وطنية، وهو أمر يتطلب توحيد المؤسسات عن طريق حكومة موحدة وإطلاق حوار وطني. وقال إن الخروج من التوترات الأمنية المتكررة يحتاج عملاً دولياً، داعياً إلى احترام حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، وطالب السلطات الليبية بضمان سياسة عدم الإفلات من العقاب وإطلاق الحريات العامة.
وقال مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة إن الجمود السياسي في ليبيا طال، مرجعاً السبب إلى تدخل “الناتو” غير القانوني عام 2011، وشدد على أن انعدام الاستقرار المزمن في البلاد يؤثر في أمن جاراتها والمنطقة بالكامل، مرحباً بما أشارت إليه تيتيه من إحياء العملية السياسية على نحو ما.
تخبط وضياع
تعليقاً على إحاطة تيتيه قال المستشار السياسي إبراهيم لاصيفر، إن كلمة المبعوثة الأممية لا تتعدى الحديث عن الأزمة الليبية في إطارها العام، فإحاطة المبعوثة الأممية لليبيا لم تأت بجديد، وكانت مثل سابقيها من رؤساء البعثة الأممية للدعم في ليبيا، منوهاً إلى أنه منذ قرابة العامين والأمم المتحدة تتحدث عن لقاء جامع بين الفرقاء أو اجتماع خماسي كما أسلف المبعوث السابق عبدالله باثيلي، بحيث يتم جمع الفرقاء الليبيين على طاولة واحدة، وهو أمر فشل فيه جميع مبعوثي الأمم المتحدة في ليبيا.
ووصف لاصيفر إحاطة تيتيه، بـ“المتخبطة“، لأنها جاءت منافية للإحاطة السابقة التي تكلمت فيها عن خريطة طريق على مراحل، تبدأ بحل إشكال القوانين الانتخابية ومن ثم تغيير مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، ثم المرور نحو حكومة موحدة جديدة تسهر على إجراء الانتخابات الوطنية، لتأتي اليوم وقبل شهر من نهاية ولايتها التي قد تمدد أو يسمى مكانها مبعوث أممي جديد لتطرح فكرة عقد ملتقي جامع في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وتابع أن هذا التخبط يدل على حالة الجمود التي تعيشها الأزمة الليبية، التي زادتها تيتيه غموضاً لأنها أوصلت رسالة للجميع بأنها لا تملك حلاً حقيقياً لحلحلة الإشكالية الليبية، وأكد أن الأمم المتحدة فقدت السيطرة على الأزمة وضاعت منها البوصلة بشكل واضح.
ورأى المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية الليبية، أن ما تقوم به تيتيه عبارة عن عملية حفظ لماء الوجه قبل المغادرة، موضحاً أنها لم تقدم أية إضافة في فترة ولايتها غير الزيارات البروتوكولية لمختلف أطراف الصراع، وهو عمل تستطيع أية منظمة مجتمع مدني القيام به.
وحول الإشكال الحقيقي الذي حال دون حلحلة الجمود السياسي الليبي، أوضح لاصيفر أن العائق الرئيسي يتمثل في نوعية عمل البعثة، فهي في تسميتها وفق قرار مجلس الأمن الدولي بعثة دعم سياسي، ولا تمتلك الأدوات الحقيقية التي يمكن أن تغير بها الواقع في ليبيا، فحتى لو وصلنا إلى حكومة موحدة وتم تغيير الحكومة الحالية والإتيان بشخصية أخرى ستبقي إشكالية المليشيات المسلحة في شرق وغرب البلد عائقاً كبيراً أمام أية عملية سياسية أخرى.
ودعا مجلس الأمن الدولي إلى فرض حل حقيقي كتغيير دور البعثة الأممية من بعثة للدعم إلى بعثة عسكرية تمتلك أدوات التغيير الحقيقي كما حدث في عديد من الدول الأخرى.
آليات جديدة
المتخصص في الشأن الأمني والسياسي الليبي محمود الرملي، قال إن تعاقب المبعوثين الأمميين الذين وصل عددهم إلى تسعة وعاشرتهم تيتيه، لم ينجح في إخراج ليبيا من عنق المراحل الانتقالية، حيث انعكس التخبط في المجتمع الدولي على الموقف الليبي الذي أسهمت الانقسامات في عرقلة ذهابه نحو انتخابات وطنية تنهي المراحل الانتقالية.
وأضاف الرملي لـ“اندبندنت عربية“، أن تيتيه اتجهت إلى إنتاج خريطة طريق جديدة في أغسطس الماضي، وأعطتها وعاء زمنياً وجدولة للتنفيذ، إذ وضعت شهرين تكون البداية فيهما بإصلاح المفوضية العليا للانتخابات، وأيضاً تشكيل حكومة، وكل هذا لم تتم منه أية مرحلة، وبدت إحاطة تيتيه جزءاً من التكرار على رغم وجود خريطة طريق جديدة.
وقال إن المبعوثة الأممية بدت متذمرة من عدم تفاعل مجلسي النواب والدولة مع خريطة الطريق الأممية التي اقترحتها في أغسطس الماضي، مهددة بتجاوزها والمرور إلى توصيات اللجنة الاستشارية كبديل للقوانين الانتخابية. موضحاً أنه في الواقع العملي مجلس الدولة قام بتشكيل لجنة وأبدى استعداداً للتعاون مع البعثة الأممية لتنفيذ خريطة طريق تيتيه.
وتابع أن مجلسي النواب والدولة أوضحا رغبتهما في ذهاب ليبيا إلى انتخابات وطنية، ولكن في الواقع هناك خلافات كبيرة لم يتم التطرق إليها، منها الفصل ما بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وشرط الجنسية، وعدم الانتماء للمؤسسة العسكرية، وهي عناصر أسهمت في تذمر البعثة الأممية للدعم في ليبيا.
ورأى الرملي أن تيتيه لم توجه أصابع الاتهام للمعرقلين الفعليين وعلى رأسهم المتمسكون بالدكتاتورية كما هي حال قائد القوات المسلحة في الشرق الليبي خليفة حفتر، الذي يريد أن يترشح ويفوز بالانتخابات الرئاسية، حتى إنه أعد العدة لذلك وسمى ابنه نائباً له، وفق كلامه.
وخلص الرملي إلى أن البعثة غير قادرة على إدارة المشهد الليبي، موصياً بخلق آليات جديدة على غرار إجراء حوار جديد، أو ترك الأمر لليبيين لإنشاء مجلس تأسيسي ينقذ المشهد الليبي.
عنصر توازن
المتخصص في الشأن الليبي محمد الصريط، أكد أن وجود البعثة الأممية مهم جداً لأنها تلعب دوراً في خلق التوازن بين أطراف الصراع الليبي، ولا يمكن تحميلها مسؤولية جمود الملف الليبي لأن اختصاصها هو الدعم فقط، منوهاً إلى أن الإشكالية تتمثل في عدم نضج أطراف الصراع الليبي سياسياً.
ونفى مسؤولية المبعوثة الأممية الحالية أو من سبقها في فشل حل الأزمة الليبية المتأثرة بنزاع الأطراف المحلية الذي تغذيه أطراف إقليمية، معتبراً أن حلحلة الأزمة الليبية يتطلب إيجاد توافق بين أطراف الصراع الليبي وبين الدول الإقليمية المختلفة بخصوص الحل في ليبيا، على غرار اختلاف كل من مصر وتركيا في رؤية الحل الليبي، منوهاً إلى أن الأزمة في ليبيا مركبة ولا تتطلب فقط جهود الأمم المتحدة للدعم بل تقتضي توافق أطراف الصراع الليبي والإقليمي معاً.
وكانت تيتيه أكدت جاهزية البعثة الأممية للدعم في ليبيا للمرور إلى نهج بديل يتمثل في اللجوء إلى مخرجات اللجنة الاستشارية التي سبق أن شكلتها في حال تواصل عدم تفاعل مجلسي النواب والدولة مع خريطة الطريق الجديدة.
وهو أمر نفى عضو مجلس الدولة الاستشاري عادل كرموس إمكانية حدوثه، قائلاً لـ“اندبندنت عربية” إن تيتيه لا يمكنها اتخاذ قرار كهذا، لأن اختصاص البعثة هو الدعم فقط وليس إملاء القرارات أو فرض حلول معينة تمس استقلالية التشريعات الليبية.
مؤكداً أن هذا ما قالته المبعوثة الأممية هنا تيتيه عند تشكيل اللجنة الاستشارية، حيث أكدت أن مخرجات اللجنة ستعرض على المجلسين، وأن القرار الأخير سيكون لمجلسي الدولة والنواب باعتبارهما يمثلان السلطة التشريعية، وعندما قدمت إحاطتها في أغسطس الماضي كان من ضمن الخريطة أنها ستلجأ إلى حوار مهيكل، في حين تقول الآن إنها ستعتمد مخرجات اللجنة الاستشارية.
يرجع كرموس ذلك إلى تناقض البعثة الأممية التي باتت غير قادرة على اتخاذ القرارات، بالتالي نحن أمام حلين، إما أن يتفق المجلسان أو تلجأ البعثة الأممية إلى حوار آخر مثل “حوار جنيف“، ويبدو أنه الحل الأقرب، موضحاً أنهم التقوا مع المبعوثة لهذا الأمر ويبدو أنه ما زال هناك غموض حول الحوار وتسميته أيضاً، ما يبين أن البعثة مقيدة بالتوافق الدولي قبل التوافق المحلى.
وعارض عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان علي التكبالي، ما ذهب إليه زميله عادل كرموس بمجلس الدولة الاستشاري، قائلاً إن البعثة الأممية بإمكانها تجاوز مجلسي النواب والدولة، والتوجه نحو مخرجات اللجنة الاستشارية كحل بديل، بخاصة أن المبعوث السابق غسان سلامة سبق ولجأ لهذا النهج، موضحاً أنه من حق البعثة الأممية أن تقوم باللجوء لمخرجات اللجنة الاستشارية وتتجاوز مماطلة مجلسي النواب والدولة، فلا يمكن أن نترك مصير الدولة الليبية في يد المناكفات والمصالح الضيقة للمجلسين.
_____________
