ليلى الثابتي

لا إعلان رسمي

في منطقة تقف على رمال متحركة، تجعل من الصعب ضمان نجاح أي خطوة أو اتفاق بسبب الاختلافات والخلافات السياسية، يبدو عدم الإعلان رسمياً عن الاتفاق مقصوداً لعدة أهداف أوضحها مستشار رئيس المجلس الرئاسي الليبي لـالشرق“.

وفي وقت لم تصدر أي بيانات حول الاتفاق سواء من حكومة الوحدة الوطنية المقالة من البرلمان أو من المجلس الرئاسي، أكد دغيم أن الهدف من هذا هو ضمان تنفيذ الاتفاق، لافتاَ إلى أن طبيعة التسويات تشمل تنازلات متبادلة، وهذا الأمر يشكل ضغوطاً على كل الأطراف وخاصة في ظل عقلية صفرية سائدة وخطاب إعلامي غير مسؤول“.

كذلك أشار دغيم إلى أن التنفيذ (يجري على أساس) خطوة تقابلها خطوة، ولذلك ليس من المصلحة إعلانه كاملاً“.

وفي هذه الجزئية، يعتقد ناصر بوديب أنه إذا كان هذا الاتفاق لم يخرج للعلن بسبب وجود بنود معينة، فإنه بهذا الشكل يكون منقوصاً، معرباً في الآن ذاته عن أمله في أن لا تكون هناك مطالبات أخرى“.

ولكنه من جانب آخر يرى بشكل عام أن حكومة الوحدة تسعى باتجاه فرض سيطرة الدولة على كل الأجهزة أو أصحاب السلاح، وجعل هذا السلاح بيد الدولة“.

أما عبد الرحمن الفيتوري، قال في معرض تعقيبه على مسألة عدم إعلان الاتفاق بشكل رسمي: “نحن نتحدث اليوم عن اتفاق مكتوب، لكن غير معلن بشكل رسمي، وهو أقرب منه إلى تسوية لا تزال بانتظار عربون حسن نية من جميع الجوانب تجاه بعضها البعض، حتى يتقدم التنفيذ ونصل للنقطة التي ينتظرها الليبيون في طرابلس والمنطقة الغربية، والمتمثلة في تحقيق الاستقرار ونزع مظاهر التسلح“.

وأعرب المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عن بالغ تقديره لـالجهود الوطنية المخلصةالتي أفضت إلى حل سلمي لأزمة مطار معيتيقة، والتي نجحت في تجنيب البلاد مزيداً من الصراع والخسائر.

وأكد المجلس، في بيان صدر حينها، واطلعت عليه الشرق، أن استعادة الأجهزة المختصة مهامها في إدارة المطار وسجن معيتيقة تحت إشراف السلطة التنفيذية الشرعية يُعد خطوة هامة نحو تعزيز سيادة الدولة على مؤسساتها الحيوية“.

وشدّد البيان على أن هذه الخطوة ترسي مبدأ أن القانون هو المرجع الوحيد الذي يجب أن يحتكم إليه الجميع، مثمناً في الآن نفسه، الروح الوطنية التي تحلّت بها كافة الأطراف، والتي وضعت المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار.

ضمانات التنفيذ

في ظل عدم نشر نص الاتفاق، تظل التساؤلات حول ضمانات تنفيذه قائمة، وأيضاً المخاوف من تكرار سيناريوهات الفشل، لكن دغيم اعتبر أن عدم نشر الوثيقة في حد ذاته يعد جزءاً من ضمان سير الاتفاق بسلاسة وبالتالي نجاحه.

والفيتوري يمضي أيضاً في الاتجاه نفسه، معتبراً أن التجربة أثبتت أنه حين تُنشر أي اتفاقية، فإن جميع الأطراف تترك مضمونها وأهدافها، وتقوم بتأويلها ضمن أفق ضيق، خصوصاً حين يتعلق الأمر ببيئة مضطربة مثل تلك التي تشهدها طرابلس منذ مايو الماضي.

ويُعرب عن يقينه بأنه لو جرى نشر نص الاتفاق لأدى ذلك إلى صب الزيت على نار طرابلس، لأن المؤكد أن كل تسوية بين أكثر من طرف تتضمن تنازلات نابعة من مراجعات لصالح الأمن العام والاستقرار، لكن هذا الأمر لن يُنظر إليه بهذه الطريقة من المحيطين أو حتى من داخل الأطراف نفسها، وهو ما كان سيحكم على أي تسوية بالموت في مهدها“.

وأحياناً تكون الضمانة في الخطوة نفسها، وفق الخبير نفسه، بمعنى أنه إذا قرر جهاز بقوة وحجم الردعتسليم مطار معيتيقة على سبيل المثال، فهذا في حد ذاته يشي بوجود ضمانات حصل عليها في المقابل، خصوصاً أن هذا التشكيل يتخذ من قاعدة معيتيقة، شمالي العاصمة، مقراً رئيسياً له، وهذه القاعدة تضم العديد من المنشآت العسكرية، بالإضافة للمطار والميناء.

وبالتالي، يخلص الفيتوري إلى أن تسليم الردع أو قبوله بالاتفاق يعني أن هناك ضمانات حصل عليها، يبقى أن نعرف ما هي هذه الضمانات، لا سيما أننا نعرف أن مثل هذه الخطوة قد تُكلف قيادات هذا الجهاز الكثير، لأنهم مطلوبون على حد علمي من العدالة الدولية“.

من جانبها، أوضحت أمينة المحجوب، عضوة المجلس الأعلى للدولة، الجزئية الأخيرة، التي تحدث عنها الفيتوري بالتأكيد على أن هذا الجهاز طالما أنه سلمّ (المطار) فمعنى ذلك أنه ارتضى أن ينضوي تحت المؤسسة العسكرية بغض النظر إن حمل لقباً أو صفة في المؤسسة العسكرية، أم لم يحمل“.

وفي تصريح لـالشرق، قال المحجوب: “طالما أنه (جهاز الردع) سلّم فهذا يعني أن هناك ضمانات لتسليمه لكل السجناء والمختفين قسراً ومهجري المنطقة الشرقية الذين جرى سجنهم بدون وجه حق“.

تكهنات عن وعود بتجنب الملاحقات القضائية

وفقاً لأمينة المحجوب، فإن مسؤولين في جهاز الردعمطلوبون للمحكمة الجنائية الدولية على خلفية شكاوى من أهالي مفقودين وغيرهم، وبناء على تحليلها، من المرجح أن يتوجس (عبد الرؤوف) كارة (قائد جهاز الردع) والمحيطين به من أن تطالهم يد العدالة الدولية، وبالتالي قد يكون هناك ضمانات بعدم المساس بهم أو ملاحقتهم قضائياً“.

واعتبرت أنه من الممكن أن يُشكل هذا الأمر دافعاً قوياً لقيام الجهاز بخطوة التسليم بهذه السهولة، خصوصاً بالنظر لحجم الأسلحة التي لديه وقوته البشرية، مشيرةً إلى أنها على مقربة من الملف بحكم اطلاعها على مذكرات الشكاوى المقدمة للجنائية الدولية، والتي تتضمن اتهامات لكارة بسجن أشخاص بدون وجه حق.

وبناء على ذلك، جدّدت المحجوب، خلال حديثها لـالشرق، اعتقادها بأن الضمانات التي تعفي كارة من ملاحقة الجنائية الدولية هي تسليم كامل جهاز الردعللمؤسسة العسكرية في الغرب الليبي وانضوائه تحت غطاء الحكومة.

لكن ناصر بوديب أصرّ من جهته على أنه من الضروري معرفة الضمانات المقدمة لتفعيل الاتفاق، وأيضاً معرفة من قدمها، وتابع: “نحن لا نعرف حتى من هي الدول التي رعته، والأكيد أن بعض الأطراف الخارجية هي من أعطت الضمانات، لكن ما هي هذه الضمانات، وإلى أي مدى تصل هذه الضمانات، وبالتالي، أعتقد أنه لا بد أن نطّلع على الوثيقة حتى نقوم بتفصيل الأمر وحتى تكون هناك بالفعل ضمانات للعديد من الأطراف“.

إنهاء مظاهر التسلح

يتفق خبراء على أنه بعيداً عن تفاصيل الضمانات والإعلان الرسمي، تظلُّ الخطوة إيجابية من حيث بسط نفوذ المؤسسات الحكومية، وضبط انفلات التشكيلات المسلحة، وهذا ما يؤكده بوديب أيضاً: “نحن مع الدولة المدنية ومع بسط سيطرتها على السلطة في ليبيا عموماً، وبالتالي فإن كل ما يحدث هو أمر إيجابي من ناحية وقف إطلاق النار والهدنة، لكن هل الهدنة هشة؟ هذا لا نتبينه إلا باطلاعنا على تلك الوثيقة التي من خلالها يمكن الحكم على هذا الاتفاق“.

وفي 20 أغسطس الماضي، قرر الدبيبة حل جهاز الردعونقل أصوله واختصاصاته إلى وزارة الداخلية بحكومته بذريعة أنه خارج سلطة الدولة، في خطوة جاءت ضمن خطة شاملة لتفكيك التشكيلات المسلحة.

إلا أن الجهاز رفض القرار، معتبراً أن مسألة حله أو إعادة هيكلته شأن يخص المجلس الرئاسي الذي شكل في الشهر نفسه لجنة للترتيبات الأمنية لكبح التحركات العسكرية والأمنية.

وسرعان ما تجلّى ذلك التوتر في حالة استنفار أمني واسعة النطاق شهدتها طرابلس بوصول أرتال مسلحة من خارجها بالتزامن مع انتشار مكثف للمركبات العسكرية داخل أحيائها.

وفي غضون ذلك، عززت قوات تابعة لرئاسة الأركان وجودها في مواقع على خطوط التماس بين قوات وزارتي الدفاع والداخلية من جهة، وقوات جهاز الردعمن جهة أخرى، وشمل التمركز بشكل خاص مناطق زاوية الدهماني وباب بن غشير وعين زارة والسراج، في مشهد منح حينها انطباعاً بأن المدينة على شفا اقتتال مدمر.

ولم تكن تلك بداية الأزمة، حيث يعود التوتر المستمر حتى وقت قريب قبل الاتفاق الأخير إلى مواجهات اندلعت منتصف مايو الماضي، بين قوات الدبيبة وجهاز الردعوذلك غداة القضاء على جهاز دعم الاستقرار في منطقة أبوسليم بالعاصمة، ومصرع قائده عبد الغني الككلي الملقب بـغنيوة“.

ورغم احتواء الاقتتال بعد ساعات قليلة، إلا أن التوتر ظل قائماً، خصوصاً مع تمسك الدبيبة بأنه لا سبيل لاستعادة الدولة سيطرتها على مؤسساتها إلا بحل الجهاز بشكل كامل، واصفاً إياه بـالميليشيا الخارجة عن القانون“.

لكن ومع بدء تنفيذ الاتفاق وتسليم مطار معيتيقية، يبدو أن الدبيبة ماض في خطته لكن بتعديل يشمل تسوية بدل المواجهة، على حد قول الفيتوري، الذي يعتقد أن هذا المسار يخدم مصالح جميع الأطراف، وأضاف: “لقد سلّم الردع مطار معيتيقة لقوة تابعة للمجلس الرئاسي الذي ينتمي إليه أيضاً، وهذا من شأنه أن لا يُظهر الجهاز بمظهر الخاضع أو من قدم تنازلات“.

وبشكل عام، عبّر  المحلل السياسي الليبي عن قناعته بأن الاتفاق في ضمنه هو مضي في خطة التفكيك لكن تحت مسمى مختلف وممكن بطريقة مختلفة، أي أن تسليم المطار مثلاً من قوة الردع لقوة أخرى تابعة للمجلس الرئاسي من شأنه أن يُحقق لجميع الأطراف رغبتها، وكما قلت تبقى مجريات ما سيحدث بالأيام المقبلة هي الفيصل في الحكم على نتيجة هذا الاتفاق“.

وشدّد على أن الهدف من كل ذلك هو ضبط الأجهزة الأمنية وتعزيز إدارتها المدنية من أجل إنهاء مظاهر التسلح في طرابلس وأيضاً التصرفات غير المنضبطة للبعض“.

لكن هذا الطرح لا يلقى تأييداً من النائب عبد المنعم العرفي، والذي يرى أن الاتفاق لا يُشكل الحقيقة خطوة من أجل مضي الدبيبة في تفكيك التشكيلات بل من أجل تقوية وضعه التفاوضي بدرجة أولى والتهام كل التشكيلات المسلحة“.

هل يصمد الاتفاق؟

بدوره، توقع العرفي أن لا يصمد الاتفاق لأنه إن صحت التسمية مهادنة مؤقتة من أجل قص أذرع الردع، لا كي يتم تحييده وإنهاؤه بشكل كامل“.

وبالنسبة له، فإن هذه الخطوة لن تنجح في نزع فتيل التوتر بالعاصمة والصعوبات التي تعترض تنفيذ الاتفاق، لأن الكل لديه سلاح، أي أنه عبارة عن نقل هذا السلاح من مكان لآخر، وأشك في ذلك (نجاح الاتفاق) لأن عملية الخروج من المؤسسات تمت بشكل كامل باتفاق الطرفين.. هذا ما سمعناه ونتمنى أن يكون حدث كذلك“.

من جانبه، أقر الفيتوري أيضاً بوجود صعوبات جسيمة أمام تفعيل الاتفاق، إلا أنه يدفع أكثر نحو التفاؤل والتركيز على النقاط المضيئةمن الموضوع، معتبراً أن إدارة الأزمات تتطلب مرونة دقيقة توازن بين المكتسبات والتحديات“.

وأوضح: “كلنا يدرك حجم المعوقات الكامنة أمام تنفيذ الاتفاق، لكن دعونا لا نركز على الجزء الفارغ من الكأس، ونكتفي بما حققه الاتفاق حتى قبل المضي في تفعيله من طمأنة لدى الليبيين في طرابلس، وهم الذين كانوا يخشون النوم ليلاً مخافة اندلاع حرب وهم نيام.. لقد سئم الناس الاقتتال ومشاهد الدم، وبات أي اتفاق مهما كان كفيلاً ببث الارتياح بنفوسهم“.

وقال: “دعونا لا نستبق الأحداث. نعم هناك صعوبات جسيمة، لكن أملنا كبير“.

لكن جرعة التفاؤل التي يبديها الفيتوري تغيب عن قراءة أستاذ العلوم السياسية عثمان البوسيفي، والذي اعتبر أن ما جرَّ العاصمة طرابلس إلى هكذا وضع هو تماهي حكومة الوحدة مع هذه الأجسام منذ البداية، وبدل أن تقوم بحل أي تشكيلات خارج نطاق المؤسسات الأمنية الرسمية للدولة، أصبحت تستخدمها كذراع لصراعات سياسية تديرها ضد خصومها“.

ورأى أن ما تقدم انعكس سلباً فيما بعد على أمن المؤسسات والمواطن جراء انفصال وانفلات هذه التشكيلات عن شركائها سابقاً وخصومها اليوم، ولذلك نخلص إلى أن ما حدث ليس اتفاقاً وإنما تأجيلاً للصراع“.

خلافات؟

 بعد ساعات فقط من إعلان التوصل إلى اتفاق لإنهاء التصعيد وتطوير المؤسسات الأمنية، برز بعض التضارب في المواقف، إذ هناك من اعتبره خلافاً بين حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي بشأن تسمية رئيس جهاز الشرطة القضائية.

والأحد الماضي، أصدر الدبيبة قراراً بتعيين اللواء عبد الفتاح أبو القاسم دبوب رئيساً لجهاز الشرطة القضائية، خلفاً للواء أسامة نجيم المحسوب على قوة الردع“.

وبدا القرار مفاجئاً بصدوره بعد ساعات فقط من إعلان مكتب المنفي عن التوافق على تعيين اللواء عطية الفاخري آمراً للجهاز.

وفي خضم الجدل المتفجر بهذا الخصوص، أوضحت أمينة المحجوب عضوة المجلس الأعلى للدولة الأمر وفق رؤيتها، مشيرة إلى أن تعيين رئيس جهاز الشرطة القضائية من اختصاص وزارة العدل، أي أن التسمية تعود للحكومة وليس للرئاسي، مشيرة إلى أن الأخير انتزع هذا الاختصاص من الحكومة“.

ولا علم للمحجوب بوجود توتر من عدمه بين الحكومة والرئاسي بهذا الخصوص، لكن في حال وجود خلاف، فإنها ترجح تسمية مؤقتة لشخص حالياً لتسيير أعماله، لأن هذا الجهاز حساس جداً، فهو ينظم السجون بالكامل، ويجلب الموقوفين والسجناء لمقرات المحاكم والنيابات، ولذلك فإنه من الضروري تسمية رئيس للإشراف على أعماله، وبالتالي تكليف شخص من الزاوية لتسيير أعماله لغاية تسمية رئيس للجهاز“.

وشدّدت على أنه لا بد من الخلاف، لكن المؤكد هو أنه سيحل وفق القانون الذي سيكون الفيصل“.

ويدعم الفيتوري ما قالته المحجوب، مشيراً إلى أن مثل هذه الأمور قد تحصل، معتبراً أنه لا ينبغي دائماً تصنيفها ضمن خانة الخلافات وتهويل الأمر لدرجة ربطه بتنفيذ الاتفاق، وأكد أن جهازاً بحساسية الشرطة القضائية لا ينبغي أن يبقى لفترة طويلة بدون رئيس، حتى وإن كان ذلك بشكل مؤقت لضمان تسيير أعماله وعدم تعطلها.

_____________

مقالات مشابهة