مروان فيصل
لماذا ينبغي أن يصوغ مستقبل النفط الأوصياء لا الحراس
لا شك أن قطاع الطاقة الليبي يقف اليوم عند مفترق طرق يحمل الوعود والمخاطر.
فقد اجتذبت جولة التراخيص الدولية لعام 2025، وهي الأولى منذ أكثر من عقد، 37 شركة طاقة كبرى تتنافست للحصول على 22 رقعة استكشاف برية وبحرية.
ومع هذه العطاءات وخطط تطوير البنية التحتية بقيمة 3 مليارات دولار قيد الدراسة، أعادت ليبيا موقعها على خارطة الاستثمار العالمي في مجال الطاقة.
الأهداف طموحة: تجاوز ذروة إنتاج ما قبل 2011 والوصول إلى مليوني برميل يوميًا بحلول عام 2030. وتشمل المشاريع الرئيسية توسيع الإنتاج في حقول مثل الشرارة وشمال الجيلو، وتحديث موانئ التصدير، وتحديث المصافي التي طال انتظار استثمارها. وعلى الورق، يبدو المسار واضحًا.
لكن تحت السطح، تهدد المخاطر المألوفة بتقويض هذا التقدم. فقد تركت سنوات من نقص الاستثمار والإهمال البنية التحتية الحيوية عرضة للخطر. ففي مايو 2025، أدى تسرب كبير في خط أنابيب على طول مسار الحمادة–الزاوية إلى إغلاق طارئ، مما أوقف إمدادات الخام إلى أكبر مصفاة في ليبيا.
وقد كلّف هذا التوقف ليبيا أيامًا ثمينة من الإنتاج وكشف عن ثمن تأجيل أعمال الصيانة.
وفي الوقت نفسه، لا تزال حماسة المستثمرين الأجانب مشوبة بمخاوف مستمرة بشأن الحوكمة. فقد أعربت شركات من قبيل Eni، BP، وOMV، وتوتال إنرجيز (TotalEnergies) مرارًا عن قلقها من غموض التعاقدات، وتشرذم المؤسسات، والمخاطر الأمنية، باعتبارها عوائق كبرى أمام الانخراط طويل الأمد.
ومن دون إصلاحات هيكلية، تخاطر ليبيا بأن ترى موجة الاهتمام الدولي هذه تتبدد، كما حدث كثيرًا من قبل.
التحدي الذي تواجهه ليبيا اليوم ليس في قدرتها على إنتاج الخام، فهي بلا شك قادرة. السؤال الحقيقي هو “هل ستدار هذه الثروة بما يحقق منفعة مستدامة للوطن، أم ستتحول مجددًا إلى أداة لمكاسب سياسية قصيرة الأجل؟” والإجابة تعتمد على من يتولى الإشراف على هذا القطاع: الأوصياء أم الحراس.
الأوصياء هم التكنوقراط، المهنيون الذين يرون في هذه الثروة أمانة وطنية. يعملون على مواءمة الإنتاج مع المصلحة العامة، ويعززون الشفافية، ويدعمون المؤسسات. يربط الأوصياء بين البراميل المنتجة والاستقرار الاقتصادي، وتحسين الخدمات العامة، والمصداقية الدولية.
وفي تاريخ ليبيا الحديث، شمل هؤلاء شخصيات من المؤسسة الوطنية للنفط، وهيئة الاستثمار الليبية، وهيئات الجمارك الذين حافظوا، في أوقات الفوضى، على استمرار العمليات الأساسية، وضمان الحماية القانونية لأصول الدولة، والمساعدة في إحباط شبكات التهريب التي تستنزف المليارات من الأموال العامة.
أما الحراس، فيرون في هذه الثروة جائزة يسعون للسيطرة عليها. يستغلون الوصول إلى الموارد لمكافأة الحلفاء، وترسيخ المحسوبية، أو تمويل أجندات فئوية. بالنسبة لهم، الخام ليس أصلًا وطنيًا يجب حمايته، بل ورقة مساومة في صراع السلطة.
وثمن الحراسة واضح: تنتعش شبكات تهريب الوقود، مستنزفة نحو 5 مليارات دولار سنويًا من الخزينة. تتوقف ترقيات البنية التحتية، وتُمنح العقود في صفقات غامضة تؤجج الشكوك بدلًا من أن تحفز الاستثمار.
يعاني المواطنون من نقص الوقود، والانقطاعات، وارتفاع الأسعار رغم ارتفاع صادرات الطاقة. وعندما يهيمن الحراس، تتدفق البراميل، ويتبعها الفساد والهدر ويعمّ عدم الاستقرار.
إذا كانت ليبيا تأمل في تحويل ثروتها الهيدروكربونية إلى قوة وطنية، فعليها أن تستعيد روح الوصاية، قيادة تعتبر هذه الثروة موردًا يجب صونه، لا غنيمة لتقسيمها.
كان قطاع الطاقة الليبي يستفيد في السابق من شبكة من المهنيين الذين أسهموا في حماية الثروة الوطنية رغم الفوضى السياسية. من فرق تسويق المؤسسة الوطنية للنفط التي حافظت على الروابط الحيوية للصادرات، إلى موظفي الجمارك الذين تعاونوا مع الهيئات الدولية للحد من التهريب، إلى مديري الثروة السيادية الذين دافعوا عن أصول ليبيا أمام المحاكم الدولية، هؤلاء الأوصياء أبقوا المؤسسات الرئيسية فاعلة عندما كان الكثير غيرها ينهار.
لكن في السنوات الأخيرة، أُقصي كثير من هؤلاء المهنيين، أو أُجبروا على التنحي، أو أُسكتوا. فقد نخر التقاضي المسيس، والملاحقات القضائية الموجهة، والتدخلات الفئوية الخبرات التي كانت في السابق حجر الأساس لهذا القطاع.
على سبيل المثال، كان عماد بن رجب، المدير السابق لتسويق المؤسسة الوطنية للنفط (2018–2023)، يلعب دورًا أساسيًا في استقرار الصادرات، وتعزيز الروابط مع الشركاء الدوليين، ودعم التعاون مع الأمم المتحدة لمكافحة التهريب. أدى عزله، بعد الإدانة التي أعربت الولايات المتحدة والأمم المتحدة عن قلقهما إزاء هذا القرار، ووصفتاه بأنه ذو طابع سياسي، إلى تجسيد التراجع الأوسع عن الوصاية التكنوقراطية في قطاع الطاقة الليبي.
وتبدو العواقب جلية، تواجه جولات التراخيص التأخير مع عجز المؤسسات عن تقديم صورة موثوقة.
تبقى ترقيات المصافي وخطوط الأنابيب مجرد خطط نظرية، محاصرة بصراعات بيروقراطية أو بغياب رقابة كفؤة. تستغل شبكات التهريب هذه الثغرات، فتستنزف المليارات من الخزينة وتقوض ثقة الجمهور.
أما المستثمرون الأجانب، فتدفعهم مخاطر الحوكمة إلى تقليص التزاماتهم أو حتى الانسحاب. ويتحمل المواطن العادي العبء الأكبر، فيعاني نقص الوقود، والانقطاعات، وارتفاع كلفة الخدمات الأساسية.
لا تزال ثروة ليبيا النفطية قادرة على أن تكون أساسًا للتجديد الوطني، لكن فقط إذا اختارت البلاد أن تعطي الأولوية للوصاية على الحراسة. إن استعادة مصداقية القطاع وقدرته تتطلب عملًا مقصودًا ومستمرًا.
أولًا، يجب على ليبيا أن تعيد تمكين التكنوقراط.
ينبغي أن تستند التعيينات في المناصب الرئيسية في قطاع الطاقة، وصناديق الثروة السيادية، والهيئات التنظيمية إلى الكفاءة والنزاهة والخبرة، لا إلى الولاءات الفئوية. لقد أظهرت تجربة ليبيا الأخيرة أنه حين يُقصى المهنيون الأكفاء، بمن فيهم مسؤولو التسويق السابقون الذين بنوا الثقة مع الشركاء الدوليين وساهموا في حماية الإيرادات الوطنية مثل عماد بن رجب، يحل الخلل المؤسسي محلهم.
ثانيًا، يجب أن تكون الشفافية جوهر حوكمة الطاقة في ليبيا.
ينبغي أن تصبح المناقصات العامة، والإفصاح عن العقود، والمراجعات المستقلة للإنتاج والإيرادات ممارسة راسخة. هذه التدابير لن تطمئن المواطنين فحسب إلى أن الثروة النفطية تخدم المصلحة الوطنية، بل ستعيد أيضًا ثقة المستثمرين والشركاء الدوليين.
ثالثًا، ينبغي أن تجعل ليبيا الاستثمار الأجنبي مشروطًا بمعايير واضحة للحوكمة.
على الشركات التي تسعى إلى نصيب في مستقبل ليبيا الهيدروكربوني أن تُظهر التزامها بالممارسات العادلة ودعمها لتعزيز المؤسسات لا السيطرة عليها.
وأخيرًا، يجب على النظام القضائي الليبي أن يحمي التكنوقراط الذين يدافعون عن الإصلاح.
لا ينبغي أن يُستخدم التقاضي كسلاح لإسكات أو ترهيب المهنيين الملتزمين بالشفافية والمساءلة. يجب أن تستند المساءلة إلى الحقائق والإجراءات العادلة، لا إلى الحسابات السياسية.
الطريق إلى الأمام صعب، لكن الخيار واضح، يجب على ليبيا بناء مؤسسات قادرة على حماية ثروتها لصالح الجميع، وتوكيلها إلى أوصياء يخدمون الوطن لا المصالح الضيقة.
لن يتحدد مستقبل ليبيا بكمية الخام الذي تنتجه، بل بمدى حكمة إدارتها لهذه الثروة بما يخدم شعبها. إن الفرق بين التعافي الحقيقي وتكرار الفشل يكمن فيمن يتولى الإشراف على القطاع: أوصياء يتسمون بالنزاهة والرؤية، أم حراس يخدمون المصالح الضيقة والقصيرة الأجل.
إن تاريخ ليبيا يقدم دروسًا واضحة.
فعندما أُتيحت الفرصة للتكنوقراط والمهنيين، أوصياء المصلحة الوطنية، لقيادة القطاع، ساعدت الثروة الهيدروكربونية في استقرار الاقتصاد والحفاظ على الخدمات الأساسية حتى في أوقات الفوضى.
وعندما أُسكتت تلك الأصوات أو أُبعدت، أعقب ذلك الخلل: ازدهر التهريب، وتوقف الاستثمار، وتآكلت الثقة العامة.
تقف ليبيا الآن عند مفترق طرق.
يمكنها أن تختار مستقبلًا تغذي فيه هذه الثروة التجديد الوطني، أو مستقبلًا تغذي فيه الانقسام والانحدار.
وسيتطلب ذلك الشجاعة: شجاعة تقديم الكفاءة على الفئوية، والمؤسسات على الأفراد، والمصلحة العامة على المكاسب الشخصية.
يجب أن تكون الوصاية، لا الحراسة، عنوان الفصل القادم من قصة ليبيا.
___________
