الحبيب الأسود
بحسب التصنيف الدولي للجرائم الاقتصادية لعام 2025 فإن ليبيا من أكثر الدول عرضة للجرائم المالية في العالم.
أطلق مصرف ليبيا المركزي تحذيرا لافتا من مخاطر العزلة المصرفية الدولية التي تواجهها البلاد موجها الأنظار إلى خطورة تآكل الثقة الخارجية بالمؤسسات المصرفية الليبية.
وأكدت اللجنة الوطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بمصرف ليبيا المركزي على ضرورة اعتماد إطار تشريعي ومؤسسي متكامل يتماشى مع المعايير الدولية، لضمان بقاء ليبيا ضمن المنظومة المالية العالمية، ولتفادي العزلة والتصنيفات السلبية التي تضعف سمعة الدولة وتهدد استقرارها المالي والاقتصادي، مشيرة إلى ورود معلومات دولية بشأن أنشطة مشبوهة يشتبه بمرورها عبر النظام المالي الليبي، ما يعكس هشاشة المنظومة الحالية ويُعرض الدولة لاحتمالات المساءلة القانونية الدولية.
وحذّرت اللجنة في بيان لها الخميس من المخاطر المتزايدة التي تهدد النظام المالي الليبي، مؤكدة أن الاستجابة الفاعلة لهذه التحديات تمثل مسؤولية وطنية تستوجب تعاون وتنسيق جميع الجهات المعنية.
وتابعت اللجنة أن تصاعد التحديات والمتطلبات الدولية في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب ما ترصده التقارير الدولية، يُحتم على ليبيا اعتماد إطار تشريعي ومؤسسي متكامل يتماشى مع المعايير الدولية، وذلك لضمان استمرارية ارتباطها بالمنظومة المالية العالمية.
وجاء البيان بعد أن شهد مقر مصرف ليبيا المركزي بطرابلس، الاثنين الماضي، الاجتماع العادي الثاني للجنة الوطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، برئاسة ناجي محمد عيسى، محافظ مصرف ليبيا المركزي ورئيس اللجنة، وبحضور ممثلين عن مختلف الجهات والمؤسسات الوطنية ذات العلاقة.
وجرى استعراض جهود الدولة الليبية للاستعداد لعملية التقييم المتبادل من قبل مجموعة العمل المالي (FATF)، ومناقشة المخاطر الجسيمة التي تهدد النظام المالي للدولة نتيجة غياب إطار تشريعي شامل يعكس المعايير والمتطلبات الدولية في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
كما استعرض الاجتماع التقارير الصادرة عن بعض الجهات الدولية بخصوص عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب المرتبطة بالدولة الليبية.
وبحسب التصنيف الدولي للجرائم الاقتصادية لعام 2025، الصادر عن شركة “سيكريتاريا” المتخصصة في الاستشارات القانونية وإدارة المخاطر، فإن ليبيا باتت واحدة من أكثر الدول عرضة للجرائم المالية في العالم، محتلةً مركزًا ضمن قائمة أخطر 10 دول من حيث انتشار الفساد المالي، غسيل الأموال، والجرائم الاقتصادية المنظمة ما يكشف واقعًا هشًا وفسادًا مستشريًا يقوّض الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وأشار التقرير إلى أن ليبيا سجّلت مستويات مرتفعة من غسيل الأموال، مستفيدة من ضعف الأنظمة الرقابية وغياب التشريعات الرادعة، ما جعلها ممرًا محوريًا للأموال المشبوهة وعمليات التهريب وتمويل الجماعات المسلحة.
ووفقًا للبيانات، فإن الجرائم المالية الإلكترونية تشهد تصاعدًا مقلقًا، ومن المتوقع أن تزداد بنسبة 60 في المئة مع نهاية 2025، خاصةً مع استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات الاحتيال والاختراق المالي.
ومن أبرز تجليات الأزمة المالية الليبية، تحول قطاع النفط إلى رافعة سياسية تستخدمها السلطة القائمة لشراء الولاءات وتأمين النفوذ في مواجهة خصومها السياسيين.
وتؤكد تقارير محلية ودولية أن عائدات النفط لم تُستخدم لإعادة الإعمار أو تحسين معيشة المواطن، بل وُظّفت لتمويل الميليشيات ومنح امتيازات اقتصادية لقيادات أمنية ومجموعات مسلحة متحالفة مع الحكومة. وتُعد المؤسسة الوطنية للنفط من أكثر المؤسسات عرضة للضغوط السياسية، حيث باتت قراراتها خاضعة لتجاذبات بين مراكز النفوذ المتنازعة، بينما يتم توزيع إيراداتها خارج الأطر القانونية الشفافة، في ظل غياب جهاز رقابي فعّال قادر على مراقبة الإنفاق ومساءلة المتورطين في الفساد.
ولم يقتصر الفساد في ليبيا على قطاع النفط، بل امتد ليشمل أغلب القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية، الطاقة، التعليم، والقطاع المصرفي. ووفق منظمات رقابية دولية، فإن نحو 40 في المئة من المشاريع العامة لم تُنفذ رغم تخصيص ميزانيات ضخمة لها، في وقت يعيش فيه الملايين من الليبيين في ظروف معيشية متدهورة، تفتقر إلى أساسيات الخدمات.
وتساهم الانقسامات السياسية والمؤسساتية بين الشرق والغرب في تعقيد الأزمة، حيث تُدار مؤسسات الدولة بشكل مزدوج، ما يفتح الباب أمام تضارب الصلاحيات، وغياب التنسيق، وبالتالي تسهيل تمرير شبكات الفساد والتهريب عبر الحدود والموانئ.
وفي فبراير الماضي، طالب محافظ مصرف ليبيا المركزي بصفته رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب السلطة التشريعية بالتسريع في اعتماد مشروع القانون المحال لها، في ظل تراجع ليبيا في التصنيف العالمي لمؤشر الفساد.
وفي ديسمبر كشف رئيس لجنة التحقّق من الأموال الليبية المجمدة في الخارج بمجلس النواب الليبي يوسف العقوري أن “البرلمان يولي اهتمامًا لإعداد مسودة قانون مكافحة غسيل وتهريب الأموال وتمويل الإرهاب، في خطوة نحو تعزيز الشفافية والاستقرار المالي للمؤسسات الوطنية،” وأشار إلى أن “المسودة ستعرض، قريبًا، على مجلس النواب لمناقشتها وإبداء الرأي حولها،” مشددًا على “أهمية تعزيز الإطار القانوني لمحاربة الجرائم المالية“.
_______________