عمر السويحلي
“ان النفط سيكون نقمة عليكم فسوف يقتل فيكم أي طموح غيره” هذا ما كتبه الصحفي عبد القادر أبو هروس رحمه الله في ستينات القرن الماضي و قد صدق ظنه على الليبيين .
في عام 2011، وبينما كانت ليبيا تغلي فوق نار الثورة، كانت جارتها الصغيرة مالطا تنضم رسميًا إلى الاتحاد الأوروبي، حاملة في قلبها كثيرًا من الآمال… وقليلًا من الإمكانيات. في ذلك الوقت، كانت مالطا بلدًا مكافحًا وفقيرًا بالمعايير الأوروبية:
البطالة كانت مرتفعة
الرواتب منخفضة
السيارات قديمة ومتهالكة
عدد سيارات الأجرة لا يتجاوز 40 تاكسي
والأسواق محدودة لا تكاد تحتوي على أكثر من بضعة “ماركتات” صغيرة
أما المولات فكانت حلمًا بعيدًا
حتى الطرق كانت تعاني انسدادات رغم قلة السيارات، والبنية التحتية متواضعة
ومع ذلك، كانت الليرة المالطية قوية، واقتصاد البلاد يعتمد بشكل جزئي على الاستثمارات الليبية والإعانات النفطية، وعلى تهريب بعض السلع من ليبيا، تلك الدولة الغنية والمفتوحة حينها.
ولكن تغيرت المعادلة.
بينما كانت ليبيا تغرق في الصراعات والانقسامات، ويُنهَك اقتصادها عامًا بعد عام، بدأت مالطا البلد الصغير الذي لا يملك نفط ولا أرض شاسعة تنهض بثبات وبهدوء.
خلال 14 عامًا فقط، تحوّلت مالطا إلى نموذج اقتصادي صغير لكنه فعّال:
البطالة شبه معدومة،
أصبحت البلاد تستورد العمالة الأجنبية لتلبية الطلب المتزايد في قطاعات السياحة والبناء والخدمات،
شُيّدت مبانٍ شاهقة على أنقاض البنايات القزمية،
وانتشرت المولات والأسواق الكبرى،
ازدهر قطاع السياحة، حيث تضاعف عدد السيّاح أكثر من عشر مرات،
وبُنيت الجسور لتخفيف الازدحام، بعد أن امتلأت الطرق بالسيارات الحديثة.
اليوم، مالطا من أكبر الدول الأوروبية أمناً و أسرعهم نمواً و تحاول اللحاق بالتطور والنهضة الأوروبية بدون الاعتماد على أي شي من ليبيا… بل بات الليبيون هم الذين يرجون تأشيرة منها!
فالليبيون الذين كانوا يدخلون مالطا سابقًا ببطاقة شخصية فقط، أصبحوا الآن ينتظرون شهرًا كاملًا للحصول على تأشيرة، وقد يُرفض طلبهم بسهولة ، الدول الأوروبية و أمريكا و معظم دول جنوب أسيا و بعض الدول العربية تمنع مواطنيها من السفر الي ليبيا ..
أما مالطا عدد سكانها 386 ألف يستقبلون أكثر من 4 مليون سائح سنوياً ( ما يقرب من 12سائح لكل مواطن ) والعدد في ازدياد.
أما ليبيا بلد النفط والأراضي الشاسعة فقد سلكت طريقًا معاكسًا تمامًا:
من دولة واعدة إلى بلد تمزّقه الحروب والانقسامات،
من اقتصاد قوي إلى نظام هشّ مرتهن للفساد والمليشيات،
من باب مفتوح للعالم إلى عزلة دولية وتأشيرات مُعقّدة،
من مطارات عاملة ومشاريع كبرى إلى مرافق مدمّرة ومشاريع متوقفة.
الألم الحقيقي ليس في أن مالطا تقدّمت، بل في أن ليبيا كانت تملك ما هو أكثر… لكنها أضاعت البوصلة.
أربعة عشر عامًا فقط كانت كافية لتغيّر ملامح بلدين جارين.
مالطا الدولة الفقيرة راهنت على الاستقرار والعقلانية والانفتاح، وربحت.
أما ليبيا الدولة الغنية فوقعت في فخ الصراعات والأهواء، فخسرت الكثير… من المال، والفرص، ومن كرامة المواطن في الخارج.
ويبقى السؤال المؤلم: هل ما زال لدينا وقت لتصحيح المسار؟
ليبيا ليست محتاجة إلي نفط بل محتاجة إلي عقول واعية و نفوس زاكية و عزيمة صادقة وسواعد وطنية تعمل على رفعة شأنها.
_____________
