عمر السويحلي
منذ بدء الصراع الليبي عام 2014، كان لخليفة حفتر دور محوري في المشهد السياسي والعسكري، حيث سعى للسيطرة على ليبيا مدعومًا من قوى إقليمية ودولية، بما في ذلك روسيا. ورغم أن روسيا وفرت الدعم لحفتر عبر السلاح، المرتزقة، والغطاء السياسي، إلا أن التحولات الإقليمية والدولية قد تدفع موسكو إلى إعادة تقييم موقفها.
ومن الأسباب التي تدفع روسيا للتخلي عن خليفة حفتر نذكر منها تغير التوازنات الدولية والإقليمية و محاولة التوافق مع القوى الدولية:
روسيا، التي تسعى إلى تعزيز نفوذها في شمال إفريقيا، قد تجد أن دعمها المستمر لحفتر يضعها في مواجهة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، الذين يدعمون عملية سياسية شاملة في ليبيا و يرفضون وجود قواعد عسكرية لروسيا تحت قدم أوروبا.
التوافق الإقليمي مع دول مثل قطر وتركيا ، اللتان تدعمان حكومة طرابلس،و هما شريكان اقتصاديان وسياسيان مهممان لروسيا.
التخلي عن حفتر قد يكون وسيلة لتجنب المواجهة المباشرة مع هذه القوى والذي يضر بالمصالح الإقتصادية الروسية .
هناك ضغوط اقتصادية وعسكرية على تكلفة الدعم، فروسيا تدعم حفتر عبر مجموعة فاغنر وأشكال أخرى من الدعم العسكري، ما يتطلب موارد مالية وعسكرية. مع انشغال موسكو في صراعات أخرى، مثل الحرب في أوكرانيا، قد تصبح ليبيا عبئًا استراتيجيًا.
وبذلك قد تُعرض روسيا لمزيد من العقوبات الدولية ، فتورط روسيا في ليبيا قد يعرضها للمزيد من العقوبات الغربية وهو أمر تسعى موسكو لتجنبه، خصوصًا في ظل أزمتها الاقتصادية المتفاقمة.
لم تجن روسيا ما كانت تطمع منه من مساندة حفتر فهو غير معترف به دوليا وهو لم ولن يحقق أهدافه في السيطرة على ليبيا كاملة ، بل تعثرت حملته على طرابلس في 2019، ما أضعف موقفه كحليف استراتيجي قادر على تحقيق الأهداف الروسية .
و روسيا تعلم أن المعارضة الداخلية ضد حفتر تتنامى، خصوصًا في المناطق التي يسيطر عليها، ما يجعل دعمه مخاطرة سياسية.
ولهذا أعتقد أن روسيا سوف تقبل البحث عن بدائل سياسية ،و قد ترى في التخلي عن حفتر فرصة للانفتاح على حكومة طرابلس المعترف بها دوليا أو شخصيات ليبية أخرى تضمن لها موطئ قدم في البلاد دون الاعتماد على حفتر وحده.
و موسكو قد تسعى لتبني موقف أكثر توافقًا مع الأمم المتحدة والدول الكبرى، خصوصًا مع الدفع باتجاه انتخابات وحل سياسي يضمن تقاسم السلطة والقبول بموطئ قدم لروسيا .
وهناك تفاهمات مع تركيا قد تشجع روسيا بالتخلي عن حفتر فتركيا وروسيا تمتلكان مصالح مشتركة في العديد من الملفات، من سوريا إلى أوكرانيا. التخلي عن حفتر قد يكون جزءًا من تفاهمات أوسع مع تركيا لضمان استمرار التعاون بين الطرفين.
الضغوط الدولية ضد مجموعة فاغنر قد تجبر روسيا على سحب الفاغنر من ليبيا وهذا كاف لسقوط حفتر ومع تزايد المطالب الدولية بسحب هذه القوات من ليبيا، قد تجد موسكو نفسها مضطرة للتراجع عن دعم حفتر.
هل التخلي عن حفتر وارد؟
أنا شخصياً أعتقد أنه غير مستبعدًا، خاصة عندما يُصبح وجوده عقبة أمام تحقيق المصالح الروسية في ليبيا و ظهور بدائل قادرة على تأمين النفوذ الروسي في ليبيا، مثل دعم شخصية جديدة أو التعامل مع أطراف متعددة.
التخلي عن خليفة حفتر من قبل روسيا يعتمد على تطورات الساحة الليبية والإقليمية. موسكو ليست ملتزمة بحفتر كشخص وتخليها المفاجئ عن بشار الأسد يؤكد ذلك ، بل هي ملتزمة بما يحقق مصالحها الاستراتيجية فليس هناك صديق أو عدو دائم في السياسة بل مصالح دائمة . فعندما تصبح تكلفة دعمه أعلى من الفوائد التي يجلبها، فإن روسيا قد تتجه إلى تغيير تحالفاتها، تمامًا كما قد يحدث في ملفات أخرى مشابهة مثل سوريا.
_______________