شكري السنكي
الذكري «12» لوفاة المُناضل محمد بن احميدة
خرج محمد علي محمد بن احميدة من بلاده مهاجراً إِلى ألمانيا في بداية سبعينات القرن المنصرم. رفض حكم معمّر القذافي الذي كان يعلم مدى قبح وجه نظامه «نظام سبتمبر الانقلابي» منذ أيّامه الأولى التي استحوذ فيها على السلطة.
ظهر قبح نظام سبتمبر مبكراً – وبِشكل جلّي – باستشهاد المقدم عبدالحميد الماجري تحت عمليات التعذيب البشعة في أواخر شهر يونيو من العام 1970م، وبصدور قانون تجريم الحزبية رقم 71 لسنة 1972م والذي شمل عقوبة تصل إِلى الإعدام والسجن المؤبد، ثم بخطاب معمر القذافي في مدينة زوارة أو ما عُرف بـ«خطاب زوارة»، والذي ألقاه في 15 أبريل 1973م، وتضمن خمس نقاط. كان أولاها إلغاء جميع القوانين، وثانيها تطهير ليبيا من المرضى، أي من الحزبيين وأصحاب الفكر والرأي والمهتمين بالشأن العام.
سخّر محمد بن احميدة جل وقته لخدمة القضية الليبية وفضح نظام القذافي وممارساته القمعية والإرهابية، منذ خروجه من مدينة مصراتة واستقراره بألمانيا.
حكمت عليه المحاكم الثورية بجماهيرية القذافي في صيف 1986م حكماً يقضي بإعدامه هو ومجموعة من رفاقه المعارضين المقيمين بألمانيا. صدر في شهر يونيو من سنة 1984م عن محاكم القذافي الثورية حكم يقضي بالإعدام على كل من:
-
أحمد شلادي للمرة الثانية
-
الهادي الغرياني للمرة الثانية
-
سليمان عبدالله الضراط للمرة الثانية
-
وجدي الأمير للمرة الثانية
-
جبريل الدينالي .. أغتيل في مدينة بون يوم 6 ابريل 1985م
-
محمد علي محمد بن احميدة
-
أحمد عمر سيف النصر
-
فتحي زيدان
-
عصام الحصائري
اهتم محمد بن احميدة اهتماماً بالغاً بملف حقوق الإنسان في ليبيا وكشف جرائم نظام سبتمبر وممارسات أعضاء لجانه الثورية، من خلال مخاطبة المُنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، ونشر المقالات في المواقع الإلكترونية في المهجر وعلى رأسها موقع: «ليبيا وطننا» وموقع: «ليبيا المستقبل». كما حمل ملف حقوق الإنسان الليبي إِلى أروقة الأمم المتحدة مع رفيقيه: حسن الأمين وجمعة القماطي، وشارك في نشاطات وملتقيات المعارضة الليبية في الخارج، وفي مقدمتها مشاركته في أعمال المؤتمر الأول للمعارضة الليبية بلندن العام 2005م.
نشر عدداً من الترجمات والعديد من المقالات في مواقع المعارضة الليبية، وكتب سلسلة من المقالات في الألفينات بموقع: «ليبيا وطننا» الذي كان يديره ألدكتور إبراهيم غنيوة عن مصطفى الزائدي عضو اللجان الثورية البارز والملحق الصحي في سفارات القذافي والوزير السابق، علاقته بنظام القذافي ودوره، محاكمته بألمانيا، ما نُشر عنه في مجلة دير شبيغل الألمانية في أبريل 1983م وعدد آخر من الصحف والجرائد الغربية.
فرح محمد بن احميدة بثورة السابع عشر من 17 فبراير «2011م»، وساندها بكلِّ ما أوتي من قوَّة منذ اليوم الأول من اندلاعها، وكان من نشطاء الجالية الليبية بألمانيا الذين تظاهروا أمام سفارة نظام القذافي في برلين حاملين «أعلام دولة الاستقلال» ومارسوا ضغوطاً مختلفة على أعضاء السفارة ليستقيلوا وينشقوا عَن النظام.
تُوفي يوم 2 نوفمبر 2012م بألمانيا بعد معاناة مع المرض لم تمهله طويلاً. وتمّت مراسم الدفن يوم الثلاثاء الموافق 6 نوفمبر 2012م بمدينة لينداو بجنوب ألمانيا، حيث نُقل جثمانه الطاهر من مدينة هامبورج إِلى مدينة لينداو، وبعد أن أقيمت صلاة جنازته بمسجد الجاليّة الإسلامية بمدينة لينداو.
حضر مراسم الدفن زوجة الفقيد وابنه جبريل وأخواه مصطفى ومحمد، وعدد من رفاقه وأصدقائه وأفراد الجالية الإسلامية بالمانيا. كما حضر مراسم الدفن النائب حسن الأمين ممثلاً عن الدولة الليبية «عضو المؤتمر الوطني العام – البرلمان». وأقامت السفارة الليبية بجمهورِية أَلمانيا الاِتحادية، أمسية تكريمية له مساء يوم السبت الموافق 8 ديسمبر 2012م بمدينة هانوفر حضرها السفير وعدد من أعضاء البعثة الدبلوماسية بألمانيا.
وبعد اعتماد المُناضل الراحل السنوسي كويدير (1953م – 14 يناير 2016م) سفيراً لبلاده في ألمانيا في يونيو 2013م، كان من أول أعماله الذهاب إِلى مدينة لينداو، ووضعه إكليلاً من الزهور على قبر رفيقه المُناضل محمد بن احميدة.
أحب محمد بن احميدة الوطن، وكان يعذبه البُعد عنه، ووقف فِي وجه الاستبداد مدافعاً عن العدالة والحرية وحقوق الإنسان ومناصراً للحق والفضيلة.
لم يتلون يوماً أو يتبدل، وكان ثابتاً على مبادئه، وظل كذلك حتَّى آخر يوم في عمره.
وانتقل إلى جوار ربه تاركاً وراءه تاريخاً حافلاً بالمواقف الوطنيّة الكثيرة والكتابات المهمّة – وبالرَّغم من قلتها – التي ستخلّد اسمه على مدار التاريخ، وستظل باقية في ذاكرة الوطن إِلى الأبد.
تَرَكْت ذَكَرَاً فِي بِلادِك *** وَالذِّكْر بَعْد الْمَوْت عُمَر
رحمك الله أيها الرفيق والمُناضل الكبير رحمة واسعة، وسلام وتحية إلى رُوْحَك الطاهرة في علياء ملكُوْتِهَا.
***
سبق نشرها يوم الإثنين الموافق 2 نوفمبر 2020م بمناسبة الذكري الثامنة لوفاة المُناضل محمد بن احميدة. أعدنا النشر مع بعض الإضافات المهمة.
_______________