مختار غميض
فيما يدور الحديث حاليا عن تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا ليمهد الأرضية لإجراء انتخابات عامة في البلاد، وبصرف النظر عن الخلاف الدائر عن هويّة المبعوث سواء أكان سودانيا أو باكستانيا وخاصة بعد تجاوز أزمة المصرف المركزي، فإنه ما من شك أن ليبيا بدأت تتعافى نوع ما من الحروب، نتيجة مشاريع عودة الحياة.. فهل تكون سببا في تقريب وجهات النظر نحو ليبيا موحدة؟
عمليّا، لا يمكن إغفال جدية إنجاز المشاريع على أرض الواقع، وهي مشاريع كبرى أدخلت فرحة على القلوب وجددت الأمل في طي صفحة الصراع الحربي وإذكاء الثارات.
ففي الشرق كما الغرب، شهدت بنغازي مشاريع كبرى مثل افتتاح ملاعب وصالات رياضية وتدشين مشاريع أخرى جديدة في مدينة درنة مؤخرا، على غرار افتتاح مشاريع عودة الحياة في العاصمة طرابلس التي شملت تدشين جسور ومنشآت رياضية، كلها برامج غيرت نمط الحياة وخلقت أملا جديدا، بات يوحد المشاعر لدى الناس بعد أن فتحت الطرقات بين الشرق والغرب للعبور.
يان هول الحروب والصراعات سيخفف لا محالة حدة الاحتقان لدى الناس، يكون نقطة انطلاق نحو إعادة بناء وتنمية المناطق والإنسان سواسية، بل إن تلك المشاريع لن تعود بالفائدة على الليبيين وحدهم بل على بلدان الجوار أيضا.
فقد حصدت مصر ولا تزال مليارات الدولارات عبر مشاركة شركاتها الكبرى في إعادة الإعمار، شرقا وغربا، بينما تشارك مجموعة من الشركات التونسية أيضا والمقاولات في برامج إعادة الحياة بالمنطقة الغربية الليبية المجاورة.
وأخيرا قد تدخل الجزائر إلى سوق الشغل الليبي بقوة، عبر صفقات أكبر وأضخم في الجارة ليبيا، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام دول الجوار للعب دور أكبر في تسوية الخلاف بين الأفرقاء، لاسيما بعد عودة الحياة أيضا للعلاقات بين مصر والجزائر، ما قد يحلحل الخلاف الجزائري الإماراتي بوساطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
كذلك قد يشجع إجراء الانتخابات مؤخرا في كل من موريتانيا والجزائر وفي تونس إلى أن تنتهي ليبيا بتحقيق تقدم في مسارها الانتقالي نحو ترتيب استحقاق انتخابها الرئاسي.
عودة الحياة بكل أنواعها جعلت كثيرين يعتقدون أنه لا طائل من عودة شبح الحرب، بل الكثير من “المحاربين القدامى” من الطرفين، يتوعد بعدم المشاركة في أي حرب مستقبلا بعدما اتضح أنهم أكثر المتضررين، بينما لم يستفد من الحرابة سوى من هم اليوم في سدة الحكم، بل يتشبثون بالمناصب و يتلكأون في إجراء الانتخابات، فيما لا يزال العديد من الجرحى يعانون الأمرّيْن في المستشفيات، متفرقين بين تونس والأردن وتركيا، ودول غربية، بين فاقد لأطرافه ومقعد وضرير.
تلك العوامل المأساوية كانت وراء عدم اهتمام كثيرين بالشأن السياسي وانصرافهم إلى مشاغلهم الحقيقية ومنها تحسين أوضاعهم المعيشية ما يفسر الترحيب بالمشاريع الاقتصادية بغض النظر عن باعثها.
غير أن التقدم الاقتصادي يتطلب دون شك استقرارا سياسيا، لذا لم تنقطع مساعي رأب الصداع الدولية والمحلية لتوحيد البلاد في حكومة وحدة مركزية جديدة، وقد لوحظ أخيرا، تحرّكا لدول الجوار خاصة مصر والجزائر اللّتين رغم وقوفهما سابقا على طرفي نقيض من الملف الليبي.
ورغم أن السيناريوهات السياسية في ليبيا تبدو معقدة دائما، ولا يمكن التكهن بمستقبل البلاد، فإن برامج الإعمار ولا ريب، قد غيرت وجهة الصراع نحو جوانب مدنية قد تردم الهوة العسكرية للأبد.
لقد ظهرمؤخرا نجل خليفة حفتر، صدّام مع وزير الداخلية بطرابلس عماد الطرابلسي، في معرض عسكري بتركيا، رغم رمزية تركيا في ذهنية الشرق، في مشهدية غير مألوفة تماما، ما قد يعزّز إمكانية البناء على التوافقات الأمنية والعسكرية، بالتزامن مع استمرار مشاريع الإعمار.
مشاريع لا تخلو من التسييس بين الشرق والغرب، إلا أن الكثير يُجمع على أنها الملف الذي يجب أن يتنافس فيه المتنافسون، فهو الذي سيكون المحدّد والمتحكم الفعلي والأس الصالح لوضع أي فرضية ورهان سياسي قادم الأيام.
____________________