سالم المعداني
في الآونة الأخيرة، ظهرت عليّنا بعض الدعوات لإطلاق سراح بعض السجناء الذين كانوا يشغلون مناصب أمنية رفيعة في عهد نظام القذافي، والمتهمين بالتورط في جرائم كبرى مثل مجزرة أبوسليم، التي راح ضحيتها أكثر من 1200 سجين سياسي>
واللافت في هذه الدعوات هو أنها تصدر عن أشخاص تُحسب على الثورة، مما يطرح عدة تساؤلات حول مدى تأثير المصالح السياسية والانتماءات الجغرافية على مسار العدالة الانتقالية.
نحن في دولة تسعى لتحقيق العدالة والمصالحة، لا ينبغي أن يُنظر إلى مسألة إطلاق سراح السجناء من منظور سياسي، بل يجب أن تخضع لقرارات قضائية بحتة دون تدخل من جهة في ليبيا.
المنطق الصحيح أن العدالة لا تعرف الانتماءات ولا تتحيز لطرف على حساب آخر، ولذلك، من الضروري التأكيد على أن تسيس القضايا الجنائية أو استخدامها كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية، يُهدد أسس المصالحة الوطنية ويقوض مبدأ العدالة.
فالخطوة الأولى لتحقيق العدالة هي أن تكون كل السجون تحت إدارة وزارة العدل وبإشراف قضائي مستقل.
هذا الإجراء ضروري لضمان عدم تدخل أي جهة خارج إطار القانون، ولحماية حقوق جميع الأطراف المعنية، سواء كانوا ضحايا أو متهمين، فبدون هذه الشفافية، ستظل الشكوك قائمة حول نزاهة المحاكمات.
أيضا القوانين المتعلقة بالعفو العام والعدالة الانتقالية ليست مجرد أدوات قانونية، بل هي آليات ضرورية لتحقيق العدالة والمصالحة الوطنية، فلا يمكن التسرع في إصدار قرارات عفو دون دراسة شاملة لحالة كل سجين على حدة، وتحديد ما إذا كان ينطبق عليه قانون العفو أم لا، فالهدف هنا ليس الانتقام، بل تحقيق توازن عادل بين محاسبة المسؤولين عن الجرائم وتخفيف حدة النزاعات المجتمعية.
أي خطوات تتعلق بإطلاق سراح السجناء أو محاسبتهم يجب أن تكون جزءاً من إطار أوسع يشمل جميع الليبيين، ويستند إلى مبدأ الشفافية والمشاركة المجتمعية، ومن هنا، تبرز أهمية عقد مؤتمر حوار وطني شامل يضم كافة الأطراف المعنية، حيث تتم مناقشة هذه القضايا بكل حيادية، وتحديد آليات التعويض وجبر الضرر للضحايا أو عائلاتهم.
لا يمكن تحميل المدن الليبية أو نخبها السياسية والمجتمعية أو أي مكون اجتماعي مسؤولية جرائم أفراد بعينهم، فالجريمة تُرتكب بقرارات فردية، ولا يجوز استخدام اسم المدينة أو الانتماء الاجتماعي كذريعة لحماية مرتكبي هذه الجرائم، ولذلك، يجب أن يكون الحكم على الأفراد بناءً على ما اقترفوه من أفعال، وليس بناءً على انتماءاتهم.
باختصار يمكن القول إن العدالة هي المفتاح والأساس لتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية في ليبيا، وأي محاولة لتجاوز هذا المبدأ أو تسيسه لن تؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات وخلق شعور بعدم الإنصاف بين الليبيين، ما تحتاجه ليبيا في هذه المرحلة لتحقيق ذلك هو وجود قيادة شجاعة وحكيمة قادرة على وضع إطار قانوني واضح، يعتمد على مبدأ الشفافية والعدالة كأساس لبناء مستقبل مستقر وآمن لجميع الليبيين.
____________________