حذرت مؤسسات من فتاوى تستهدف أتباع المذهب الإباضي لإثارة الفتن
زايد هدية
أصدرت هيئة الأوقاف التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في العاصمة الليبية طرابلس فتوى كفّرت ضمنياً أتباع المذهب الإباضي الذي يعتنقه جل المكون الأمازيغي في البلاد.
أشعلت فتوى صادرة عن هيئة الأوقاف في العاصمة الليبية طرابلس، كفرت فيها أتباع المذهب الإباضي الذي يعتنقه غالبية المكون الأمازيغي، جدلاً دينياً واسعاً في البلاد، هو الأول من نوعه منذ تفتت تنظيم “داعش” وتوقف فتاواه التكفيرية التي تسببت في إزهاق أرواح الآلاف بين عامي 2013 و2018.
صدور فتوى أوقاف العاصمة تزامن مع توتر العلاقة بين حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة وأمازيغ الغرب الليبي بسبب الخلاف على تولي زمام السيطرة بمعبر رأس جدير الحدودي مع طرابلس المقفل منذ أكثر من شهرين، عقب مواجهات مسلحة بين قوات تابعة للطرفين، مما دفع أطرافاً كثيرة إلى وصف هذه الفتوى بـ“السياسية“، ويمكن أن تفتح الباب لاضطهاد كبير للمكون الأمازيغي بذرائع دينية.
وشهدت ليبيا في السنوات الأخيرة مشاحنات مذهبية بين أنصار الطرق المذهبية الأخرى القليلة في البلاد مثل السلفية والصوفية وتيارات الإسلام السياسي مثل جماعة الإخوان المسلمين، لكنها وقفت عند حدود الخلافات الفكرية ولم تصل إلى مربع التكفير الرسمي الخطر مثلما يحدث مع المذهب الإباضي وأنصاره.
تكفير ضمني
وأقرنت هيئة أوقاف طرابلس في منشورها الذي أثار غضب أتباع المذهب الإباضي، بـ“عدم جواز شهادة (أهل البدع)“، من بينهم أتباع الإباضية ضمن عدد من المذاهب الأخرى غير موجودة في ليبيا، مما اعتبروه تكفيراً صريحاً لهم.
وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها فتاوى تكفيرية في حق المذهب الإباضي في ليبيا، فقبل سنوات قليلة، ندد مكتب الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في مدينة زوارة على الحدود مع تونس بفتوى صادرة عن “اللجنة العليا للإفتاء” بالحكومة الموقتة السابقة برئاسة عبدالله الثني في بنغازي، عدت الإباضية “فرقة منحرفة وضالة“، وأنهم “من الباطنية الخوارج، ولا يجوز الصلاة وراءهم“، معتبراً إياها “دعوة صريحة للفتنة، وتحريضاً مبطناً على التقاتل وتكفيراً لأهل البلاد الذين عاشوا قروناً كمجتمع إسلامي واحد“.
مطالبة بالاستقلال المذهبي
فور صدور هذه الفتوى توالت ردود الفعل الغاضبة من قبل المدن والمؤسسات الأمازيغية التي تنذر بتوسع النزاع المذهبي والطائفي في البلاد، وهو منعرج خطر في دولة تشهد فوضى أمنية عارمة وانتشاراً كبيراً للسلاح وانقساماً سياسياً ومجتمعياً واسعين.
ردود الفعل الأمازيغية هذه وصلت حد المطالبة بالحرية والاستقلال المذهبي وتشكيل دار إفتاء خاصة بأتباع المذهب الإباضي، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ البلاد، إذ أعلن عدد من بلديات جبل نفوسة إغلاق مكاتب الهيئة العامة للأوقاف وشؤون الزكاة التابعة لحكومة الدبيبة في مدنها، احتجاجاً على بيان الهيئة حول عدم شرعية مذهبهم.
ووصفت بيانات صادرة عن أهالي بلديات كاباو ونالوت ويفرن وجادو وتندميرة، وهي مدن وقرى يقطنها غالبية عظمى من الأمازيغ، تصريحات هيئة الأوقاف في شأن رد شهادة منتسبي الإباضية بـ“التطاول على شيوخ المذهب“، مطالبين بـ“استحداث هيئة أوقاف للإباضية تتبع رئاسة الوزراء مباشرة“.
وتمسك الأهالي بحقهم في تكوين هيئة مستقلة تتولى أمور الأوقاف في مناطقهم، داعين إلى “إلغاء الهيئة الحالية وإسناد أعمالها للبلديات، وإلزام السلطة الدينية مراعاة وجود الإباضية واحترامها“.
ودعم “المجلس الأعلى للإباضية” مطالب المدن الأمازيغية، مديناً “تدخل الهيئة العامة للأوقاف الحكومية في شؤون مساجد المذهب الإباضي بمناطق الجبل الغربي“.
وفي مقطع مصور استنكر المجلس، الذي يمثل مرجعية لأتباع المذهب الإباضي في ليبيا، “منشورات للهيئة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية أفتت فيها بعدم قبول شهادة (أهل البدع والأهواء) في إشارة لأتباع المذهب الإباضي“، معتبراً أن “الهيئة خلطت أهل الحق من الإباضية بأهل الأهواء، وبيانها يمثل دعوة إلى سفك الدماء وإيقاظاً للفتن“.
تمهيد لحرب واسعة
في المقابل ربط المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا فتوى هيئة أوقاف طرابلس بالأحداث العسكرية التي وقعت في مدينة زوارة أخيراً، التي أشعلها النزاع على السيطرة على المعبر الحدودي البري مع تونس في رأس جدير.
وقال المجلس في بيان، إن “ما حصل كان القصد منه تهديد المدنيين وأهالي المدينة فهذه هي رسالة حكومة تصريف الأعمال ووزير داخليتها المكلف عماد الطرابلسي“، محملاً “المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش المسؤولية الكاملة لحفظ سلامة أمن المنطقة بالكامل“.
وتابع البيان “ما قامت به هيئة الأوقاف بطرابلس ضد المذهب الإباضي هو تهديد واضح وصريح للأمازيغ التابعين لهذا المذهب، ويعد تمهيداً لما تقوم به حكومة تصريف الأعمال تجاههم، وحق الدفاع وحماية أبنائنا واجب علينا ومجبرون على التواصل مع المحاكم الدولية وتدويل قضيتنا للنظر فيها ولا رجوع عن ذلك“.
استنكار حكومي
هذه التأويلات التي ربطت بين الخلاف المحتدم بين حكومة الوحدة في طرابلس ومكون الأمازيغ في الفترة الماضية، وتوقيت صدور هذه الفتوى ووجود مخاوف من اتخاذها ذريعة لاضطهاد واسع ضد أمازيغ الغرب الليبي، دفعت رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة إلى التحرك لتفنيدها، ونشر المكتب الإعلامي التابع له ما قال إنه رسالة موجهة منه لرئيس هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية في حكومته محمد العباني في شأن ما ورد في بيان للهيئة عن المذهب الإباضي.
وقال الدبيبة في رسالته إن “ما نشرته هيئة الأوقاف أمر مثير للفتنة بين الليبيين ومخالف لاختصاصات الهيئة“، محذراً إياها من “تجاوز اختصاصاتها المحددة بقرار حكومة الوفاق الوطني عام 2019 في شأن تنظيم عمل هيئة الأوقاف“، وطالبها بـ“اتخاذ الإجراءات الرادعة والعاجلة في حق من صدرت عنه تلك التصرفات من الإدارات المعنية“.
توقيت مقصود
من جانبه، دافع المفتي السابق للديار الليبية، الصادق الغرياني، عن المذهب الإباضي وأتباعه، على رغم أنه عرف بأنه صاحب أكثر الفتاوى إثارة للجدل في السنوات الماضية. ورأى أن “إثارة هيئة الأوقاف قضية الخلاف مع الإباضية في هذا الوقت الحاضر في نظري فعل استخباراتي خبيث، فبدلاً من التركيز في القضايا الجوهرية سنبقى نتجادل على أن هذا ضال وهذا صاحب بدعة، وهذه القضية لا يجب الوقوف عندها. الإباضية عاصرناهم وهم أهل الجبل منذ مئات السنين ولا تستطيع أن تفرق بينهم وبين غيرهم في ما هم عليه في ما يتعلق بأمور الدين“.
وتساءل الغرياني قائلاً “لماذا تحيون خلافات انتهت في الماضي وغير موجودة وما الذي ستستفيدونه؟ إلا صرف الأنظار عن القضايا المصيرية وتمكين العدو المحتل وولاته من بلاد المسلمين“.
ما الإباضية؟
الإباضية هي طائفة إسلامية تنسب بحسب معظم المصادر التاريخية إلى مؤسسها عبدالله بن إباض التميمي، الذي عاصر زمن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان وتوفي في عهد الخليفة عبدالملك بن مروان، بينما يصر الإباضيون على أن مؤسس مذهبهم هو التابعي جابر بن زيد.
وتتبع المناطق والمدن الناطقة بالأمازيغية في ليبيا عموماً المذهب الإباضي، الذي ينتشر أيضاً في دول أخرى بينها غالبية سكان سلطنة عمان ووادي ميزاب في الجزائر وجربة في تونس وبعض المناطق الأخرى في شمال أفريقيا وزنجبار.
وبدأ تمدد المذهب الإباضي بشمال أفريقيا في عام 757 ميلادية، عندما استولى الإباضيون على طرابلس، واستولوا على القيروان في العام التالي، قبل أن يطردهم الجيش العباسي منها عام 761 ميلادية، ليؤسس قادة الإباضية “الدولة الرستمية” في مدينة تيارت بالجزائر، والتي أصبحت تعرف بالسلالة الرستمية التي أطاحها العبيديون الفاطميون عام 909 ميلادية.
_____________