لا تنفك الولايات المتحدة عن تأكيد استعدادها للعمل مع ليبيا، ضمن أهدافها في مواجهة التغلغل الروسي والصيني في البلاد والقارة الإفريقية عموما.
وترى مجلة فورميكي الإيطالية أن العمل في ليبيا مهم لواشنطن في ظل ما تواجهه “من صعوبات في الحفاظ على وجودها العسكري وبالتالي السياسي الدبلوماسي، وجزئيًا الأمني والاقتصادي–التجاري في إفريقيا“.
وتطرقت هنا إلى تصريحات قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، الجنرال مايكل لانغلي الذي أكد عمل بلاده “من خلال الوسائل الدبلوماسية والدفاعية مع ليبيا“.
جاء ذلك في تصريحات للصحفيين قبيل انعقاد المؤتمر السنوي لرؤساء الدفاع الأفارقة في غابورون، عاصمة بوتسوانا 24 يونيو/حزيران 2024، بحضور وزراء دفاع 30 دولة إفريقية لمناقشة تحديات الأمن والاستقرار في القارة السمراء.
فكرة افتراضية
وقالت مجلة “فورميكي” إن “هذه الفكرة (الشراكة مع ليبيا) لا تزال افتراضية للغاية في الوقت الحالي“. وتنقل عن مسؤول لم تكشف هويته نفيه وجود قوات أميركية في هذا البلد وكذلك برنامج منظم لوصولهم. وأكدت أن البلاد “تمثل مجالا ذا أهمية إستراتيجية رئيسة، لا سيما أنها تطل على البحر الأبيض المتوسط على طول شريطها الساحلي وتحدها منطقة الساحل الإفريقي من الجانب الجنوبي“.
لهذه الأسباب “تعلم واشنطن جيدًا أن عملها في ليبيا سيكون معقدًا بسبب أنشطة النفوذ المتعمقة التي تمارسها روسيا منذ سنوات مستفيدة من المساحات التي منحها أمير الحرب في بنغازي، خليفة حفتر، للقوات الروسية“.
وتابعت: “المشكلة الأساسية في تعميق الوجود والنشاط الأميركي في ليبيا تكمن في أن حفتر يستضيف الروس الذين يوفرون الحماية له عسكريا ودبلوماسيا“. فيما يسمح الأخير لفيلق إفريقيا (الاسم الجديد لمرتزقة فاغنر)، باستخدام شرق ليبيا كممر لوجستي نحو بلدان أقصى الجنوب الإفريقي، حيث توفر روسيا الأمن لعدد من المجالس العسكرية الانقلابية المناهضة للغرب.
وتأتي تصريحات لانغلي عقب إعلان وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها المتمركزة في النيجر بطلب من المجلس العسكري الحاكم الذي اختار التعاقد مع الروس لتوفير الأمن.
وقال قائد أفريكوم إن الجيش الأميركي على وشك “استكمال نقل المعدات والأفراد” وتنفيذ الانسحاب التام من النيجر بحلول 15 سبتمبر/أيلول 2024. ولم يذكر تفاصيل عن نوع المعدات أو أنظمة الأسلحة أو التكنولوجيا التي سيجرى نقلها.
نشاط أميركي
لكن لفتت المجلة إلى أن واشنطن ترتب أيضا عملية مشابهة في تشاد التي طالبت بدورها الولايات المتحدة بسحب قواتها من إحدى قواعدها العسكرية. كما تحدث رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز براون، قبيل انعقاد مؤتمر بوتسوانا عن إمكانية عرض القدرات الأميركية التي كانت في النيجر على دول إفريقية أخرى.
تتوقع المجلة الإيطالية نقل جزء من هذه القدرات والمعدات إلى كينيا إلا أنها تصف ليبيا التي تحد النيجر وتشاد من الجنوب، بالخيار الأمثل. وترى أن “عودة” الولايات المتحدة إلى الدولة الشمال إفريقية، بعد حادثة اغتيال سفيرها في بنغازي كريستوفر ستيفنز عام 2012، من شأنها أن تمثل نقطة تحول في بلد يعيش حالة من عدم الاستقرار التام منذ سقوط نظام معمر القذافي.
وإلى اليوم لا تزال البلاد منقسمة إلى قسمين، حكومة معترف بها من قبل الأمم المتحدة ومقرها طرابلس وأخرى غير معترف بها تتمركز في برقة وتعتمد على أسلحة حفتر وأنشطة تهريبه. في هذا السياق، يوضح مصدر ليبي للمجلة الإيطالية أن “المفاوضات مستمرة حول إمكانية تشكيل حكومة وحدة جديدة وثالثة لاستعادة الاستقرار ومن ثم الدعوة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية“.
إلا أن نفس المصدر يؤكد “عدم التوصل إلى حل حتى الآن على الرغم من دعم الولايات المتحدة لهذا المسار“. وكان لانغلي قد كشف في تصريحاته أن ممثلين عن “كلا الجانبين من البلاد” سيحضران مؤتمر الدفاع في بوتسوانا. وتجدر الإشارة إلى أن القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا جيريمي برنت والمبعوث الخاص ريتشارد نورلاند، كانا قد عقدا أخيرا مباحثات مع الجنرال حفتر وأبنائه في بنغازي.
من جانبه، ذكر الجنرال الأميركي أن بعض الدول التي تجري محادثات مع المسؤولين الأميركيين “واجهت صعوبات شديدة واتصلت بنا لأنها تعرف القيمة الجوهرية التي نطرحها على الطاولة“. وزعم أن بلاده تعرض حوكمة شاملة، مؤكدا على أهمية حضور مسؤولين من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية في مؤتمر الدفاع. علقت المجلة الإيطالية بالقول إن هذه التصريحات تعد تلميحا إلى الاختراقات الروسية.
حضور الخصوم
وبينت أن إمكانية تراجع “دولة واحدة أقامت تعاونا مع روسيا في السنوات الأخيرة لأنها لسبب ما لم تحصل على الفوائد المرجوة والموعودة، سيكون بمثابة انتصار كبير للولايات المتحدة“.
وتضيف أن هذه الخطوة إن حدثت فستشكل “رواية مضادة تمامًا للخطاب المناهض للغرب الذي ينتشر في إفريقيا من خلال حرب المعلومات التي تشنها موسكو“. وقد انتقد الجنرال الأميركي خلال تصريحاته ما عدها “حملة تضليل روسية وانتهاك سيادة القانون والنظام الدولي القائم على القواعد“.
كما أشار لانغلي إلى أن الصين “تسعى بنشاط وتتواصل مع عدد من الدول الأخرى الواقعة شرق القارة وغربها“. وقال إن الصينيين “حاولوا أيضا تكرار ما نفعله بشكل جيد في بناء الشراكات من حيث القدرات، لكنهم لا يفعلون ذلك جيدا كما نفعل“.
وفي تعقيبها، بينت المجلة أن الصين حاولت حتى الآن أن تظل بعيدة عن المجال الأمني وعرضت على الأفارقة التجارة والاستثمارات في البنية الأساسية. واستدركت بأنها بدأت تلعب بأوراقها خاصة فيما يتعلق بالإمدادات العسكرية وبإسقاط القوة، وذلك بإنشائها قاعدتها في جيبوتي والتي قد تكون أول المواقع العسكرية الصينية (بالخارج).
وعلى جانب التعاون الروسي الصيني، ذكرت المجلة إحباط السلطات الإيطالية بناء على معلومات أميركية، عملية تهريب شحنة أسلحة تقدر بملايين الدولارات في ميناء جويا تاورو الإيطالي. وبحسب ما كشفت عنه صحيفة “كوريري ديلا سيرا“، كانت الشحنة على متن سفينة شحن غادرت ميناء قرب شنجن بالصين نحو الشرق الليبي.
وإلى جانب أن العملية تشكل انتهاكا لقرار الأمم المتحدة في حظر السلاح إلى ليبيا، لاحظت فورميكي أنها تكشف أن بكين تعمل على تسهيل عمليات تهريب معينة لصالح موسكو. وترجح أن “هذه الأسلحة كانت في طريقها إلى بنغازي أو إلى طبرق، الميناء الذي تسعى موسكو إلى جعله قاعدة بحرية في البحر الأبيض المتوسط، والواقع تحت سيطرة حفتر ومن هناك يتم توجيهها إلى السودان حيث يدعم الروس أحد طرفي النزاع في الحرب الأهلية الكارثية“.
_____________