احتجاز خمسة أشخاص، بينهم سياسيون، لأشهر بلا تهمة
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن محللا سياسيا ليبيا كان محتجزا بشكل تعسفي في شرق ليبيا لمدة سبعة أشهر تقريبا توفي في ظروف مريبة في 19 أبريل/نيسان 2024. ينبغي للسلطات الليبية إجراء تحقيق فوري ومحايد في وفاة المحلل السياسي الليبي سراج دغمان في “الإدارة العامة للأمن الداخلي – فرع بنغازي“.
في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعتقل جهاز الأمن الداخلي – فرع بنغازي دغمان إلى جانب فتحي البعجة، الأستاذ الجامعي والعضو السابق في “المجلس الوطني الانتقالي” في 2011، والسياسي طارق البشاري، واتهمهم بالتخطيط لـ“إسقاط الجيش“. في أكتوبر/تشرين الأول، اعتقل الجهاز أيضا الصحفي والدبلوماسي السابق ناصر الدعيسي والناشط السياسي سالم العريبي، واحتجزهما على ذمة القضية نفسها. منذ اعتقالهم، لم توجه السلطات الليبية إلى أي منهم اتهامات بارتكاب جريمة معترف بها.
قالت حنان صلاح، المديرة المساعدة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “السجل المعيب لسلطات شرق ليبيا فيما يتعلق بظروف الاحتجاز المؤسفة والافتقار إلى الإجراءات القانونية الواجبة يثير تساؤلات جدية حيال ظروف وفاة دغمان. ينبغي لسلطات شرق ليبيا والنائب العام في طرابلس التحقيق بشكل عاجل في وفاة دغمان“.
في بيان بالفيديو نُشر في 20 أبريل/نيسان، قال جهاز الأمن الداخلي – فرع بنغازي إن دغمان توفي في 19 أبريل/نيسان بعد “محاولة الهروب من نافذة دورة المياه متسلقا مواسير الصرف الصحي، مما أدى إلى سقوطه من مكان مرتفع على رأسه“.
كان حميد دغمان أول من أعلن عن وفاة شقيقه سراج في منشور على “فيسبوك” في 19 أبريل/نيسان. قال صالح الغزال، جد دغمان، لـ هيومن رايتس ووتش إنه سُمح له بزيارة حفيده أربع بعد احتجازه وكان يعامل معاملة إنسانية حسب قوله، وزار المحتجزين الأربعة الآخرين مرتين. قال إن الأسرة استلمت جثمان دغمان من “مستشفى الجلاء” في بنغازي في اليوم نفسه الذي توفي فيه، ودفنته في صباح اليوم التالي. أضاف الغزال أن الحادث أثر على جثة سراج، وأنهم لم يظهروا الجثة بالكامل عندما كانت ليلا في منزل العائلة قبل الدفن، مراعاة لمشاعر العائلة.
قال الغزال: “أخبرتني السلطات فقط أن سراج حاول الفرار وتوفي جرّاء سقوطه. لا أستطيع تأكيد أو نفي أي شيء آخر عن تفاصيل الفاجعة. أنا من ربّى سراج، وكان مشهدا صعبا ومؤلما للغاية لنا كعائلة رؤيته هكذا، ويصعب علينا احتماله. نطالب كعائلة بأن يكون التحقيق في ظروف وفاة سراج شفافا ونزيها. نحن لا ندين أو نبرئ أحدا دون أساس“.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على جهاز الأمن الداخلي – فرع بنغازي إجراء تحقيق مستقل وعادل وشفاف على الفور في ظروف وفاة دغمان ومحاسبة المسؤولين عن أي أعمال غير قانونية.
تتألف سلطات المنطقة الشرقية، والتي تسيطر على شرق ليبيا وجنوبها، من المجموعة المسلحة “القوات المسلحة العربية الليبية” ومن الأجهزة الأمنية والميليشيات التابعة لها. تُعرف الإدارة المدنية التابعة لها في الشرق بـ “الحكومة الليبية“، في حين تسيطر مناوئتها، “حكومة الوحدة الوطنية“، ومقرها طرابلس، والتي شُكِّلت بعد حوار سياسي بوساطة من “الأمم المتحدة“، على غرب ليبيا، إلى جانب الجماعات المسلحة التابعة لها.
اعتقل الأمن الداخلي دغمان والبعجة والبشاري في 1 أكتوبر/تشرين الأول بعد مشاركتهما في مناقشات خلال ندوة حول تداعيات انهيار سد درنة على إثر فيضانات كارثية أودت بحياة الآلاف.
كان دغمان يرأس فرع بنغازي من “مركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية“، وهو مركز أبحاث ليبي والجهة المنظمة للندوة. قال المركز في بيان له إن الاجتماع كان يهدف إلى مناقشة الوضع العام في ليبيا في أعقاب فيضانات شرق ليبيا. البعجة هو رئيس المكتب السياسي لحزب “ليبيا للجميع“، والدعيسي عضو المكتب السياسي، والبشاري أمين عام الحزب. قال الغزال إن دغمان لا ينتمي إلى أي حزب أو جماعة.
بحسب تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الليبية، اعتُقل الرجال بعد شكوى قدمها شخص حضر الندوة. نفى الغزال بشكل قاطع أي ادعاءات ضد حفيده، قائلا إنه “ضحية لشكوة كيدية“.
في الفيديو الذي بثه جهاز الأمن العام في 20 أبريل/نيسان، زعم المتحدث الرسمي أن اعتقال دغمان جاء على إثر تنظيمه اجتماعات بهدف إسقاط المؤسسات السياسية والقوات المسلحة العربية الليبية.
أدت الفيضانات الكارثية في شرق ليبيا في سبتمبر/أيلول 2023، والتي أثرت بشكل رئيسي على مدينة درنة الساحلية، إلى مقتل قرابة 4,352 شخصا وتركت 8 آلاف آخرين في عداد المفقودين. رغم التحذيرات المبكرة، كان المسؤولون في شرق ليبيا قد أصدروا أوامر متضاربة، بشأن عمليات الإجلاء وفرضوا حظر تجول، ما تسبب فعليا بمحاصرة السكان في مجرى السيول بعد انهيار سدين. كان خبراء ليبيون قد أثاروا مخاوف بشأن جاهزية السد قبل العاصفة.
فتح النائب العام الليبي تحقيقا محليا في الأحداث بعد وقت قصير من الفيضانات، بينما دعت المنظمات غير الحكومية الليبية وهيومن رايتس ووتش إلى إجراء تحقيق دولي مستقل.
قال عاشور شوايل، رئيس حزب “ليبيا للجميع“، والمرشح للرئاسة في حال عقد انتخابات مستقبلا، في مقابلة له في 31 أكتوبر/تشرين الأول إنه حصل على معلومات تفيد بانتهاء التحقيق مع دغمان والبعجة وبشاري وبتبرئة الجميع. قال جد دغمان لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان يعلم أن جهاز الأمن الداخلي استجوب سراج، ولا علم له إن كان قد استجوب من قبل النيابة العامة أم لا.
أدى تقاعس السلطات الليبية عن اتهام الرجال بارتكاب جرائم معترف بها إلى احتجازهم تعسفيا لمدة سبعة أشهر تقريبا. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي إطلاق سراح البعجة والبشاري والمحتجزَيْن الآخرين على ذمة هذه القضية، الدعيسي والعريبي، فورا.
في 21 أبريل/نيسان، حثت “بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا” السلطات “على إجراء تحقيق شفاف ومستقل في الظروف المحيطة بوفاة [سراج]” وذكّرت بأنه [دغمان] “اعتُقل واحتُجز تعسفيا منذ مطلع أكتوبر 2023 بمعية كل من فتحي البعجة وطارق البشاري […]. ولم يتم لحد الآن توجيه تهم إليهم كما لم يمثلوا أمام المحكمة“. ودعت “إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عنهم“.
كان أصدقاء وأقارب الرجال قد أعربوا سابقا عن قلقهم بشأن ظروف احتجازهم، محذرين من أن البعجة لديه أمراض قلب وكلى تتطلب رعاية طبية متخصصة.
في 29 أبريل/نيسان، حثت سفارة الولايات المتحدة في ليبيا السلطات على إجراء “تحقيق كامل“. وفي اليوم نفسه، حثت “بعثة الاتحاد الأوروبي” والبعثات الدبلوماسية للدول الأعضاء في “الاتحاد الأوروبي” في ليبيا السلطات أيضا على إجراء “تحقيق شامل وشفاف ودقيق ومستقل في الحادث“، ودعت إلى “الإفراج الفوري عن جميع الأفراد المحتجزين تعسفيا، وجددت التأكيد على أهمية الالتزام بالإجراءات القانونية الواجبة وسيادة القانون في جميع أنحاء ليبيا“.
قالت هيومن رايتس ووتش إن نظام العدالة الجنائية في ليبيا هش، مع وجود مخاوف جدية بشأن الإجراءات القانونية الواجبة. يتعرض القضاة والمدعون العامون والمحامون لخطر المضايقات والاعتداءات على يد الجماعات المسلحة، بينما تواصل المحاكم العسكرية محاكمة المدنيين. يُحتجز عشرات الأشخاص في جميع أنحاء ليبيا لفترات طويلة بدون محاكمة في سجون تديرها الميليشيات، وتخضع اسميا لسيطرة السلطات، تنتشر الظروف اللاإنسانية، بما في ذلك الاكتظاظ الشديد والتعذيب وسوء المعاملة، في بعضها. خلص تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2023 إلى وجود “أسباب معقولة للاعتقاد بأن أعمالا ارتكبت قوضت استقلال القضاء وقلصت سيادة القانون“.
قالت صلاح: “أمام جهاز الأمن الداخلي في بنغازي أسئلة كثيرة عليه الإجابة عليها فيما يتصل بوفاة دغمان أثناء احتجازه. ينبغي للسلطات الإفراج فورا عن جميع المحتجزين تعسفيا على خلفية هذه القضية“.
________________