ماهر الشاعري
تشعر فتحية (اسم مستعار) بالأسى والحسرة في كل مرة تسير فيها بجوار أحد المباني الواقعة في مدينتها (مصراتة) حيث كبرت في كنف أسرتها؛ لاعتقادها أن من حقها الحصول على ذلك المبنى من ميراث أبيها، الذي احتكره أخوتها الذكور لأنفسهم فقط، وحرموها –وأختها– منه.
في ليبيا توجد أعراف اجتماعية متأصّلة تحرم النساء من حقهن في توارث العقارات؛ فمن توفي والدها لا تحصل على حقها الشرعي من إخوتها أو أعمامها، حتى أصبح من غير المعتاد أن تحصل النساء على نصيبهن المكتوب من العقارات التي يتركها المُتوفى.
فتحية، المنحدرة من الغرب الليبي، تقول إنّ لها أخت واحدة مقابل خمسة أشقاء من الذكور، توفي والدهم ولم تنال الشقيقتان نصيبهما من الميراث، وكانت كلّ أملاك جدّها لأبيها باسم أبيها الذي حرم عمّاتها من ميراثهن كذلك واستأثر به كله لنفسه. يتكرر الأمر بحذافيره كابراً عن كابر، ويورث مرارة في نفوس النساء اللاتي يرين ميراثهن في أيدي الذكور من دون القدرة على نيله أو انتزاعه.
الكثيرات مثل فتحية، إذ تتحدث نساء في ليبيا عن سطوة وجبروت أقربائهن من الرجال، أمام ضعف وقلة حيلة النساء اللواتي يُحرمن من حقوقهن بحجة العُرف والعادات والتقاليد. ولكن غالب هذا الحديث يدور من وراء جُدُر، وبشكل خافت هامس إذ تقف الأعراف مجدداً حتى ضدّ البوح بآلامهن.
عندما طالبت فتحية بحقّها من إخوتها –الذين فوجئوا بالطلب ظناً أنها لن تفعل ذلك جرياً على سكوت نسوة أخريات عن هذا الموضوع – كان ردهم: “ليس لدينا بنات يرثن. عائلة (…) لا تورّث النّساء“.
أسباب المنعة
تُعدّ العقارات من أسباب القوة والمنعة والمكانة القبلية في ليبيا لذلك سرت أعراف متجذّرة تقضي بأن تظل العقارات الموروثة للرجال وحدهم، كونهم “يحملون اسم العائلة“، أما النساء اللاتي قد يتزوجن من خارج العائلة، فيُحرمن من أنصبتهن في العقارات، خشية أن تؤول إلى الأزواج، وبالتالي تزيد قوة ومكانة قبيلة أو عائلة أو أسرة أخرى على حساب أسرة المُتوفى.
بعض الإخوة الذكور، لإبراء ذمتهم من ظلم أخواتهم، يلجأون إلى تعويضهن مادياً عن العقارات. لكنّ هذه التعويضات غالباً ما تكون “هزيلة” ولا تكافئ حقوقهن المشروعة في الميراث، ويكون هذا التصرف على سبيل “الهبة” أو “الترضية” وليس حقاً أصيلاً للوارثة كما يقول الشرع، ويُقره القانون.
تُعدّ العقارات من أسباب القوة والمنعة والمكانة القبلية في ليبيا لذلك سرت أعراف متجذّرة تقضي بأن تظل العقارات الموروثة للرجال وحدهم، كونهم “يحملون اسم العائلة“، أما النساء اللاتي قد يتزوجن من خارج العائلة، فيُحرمن من أنصبتهن في العقارات، خشية أن تؤول إلى الأزواج، وبالتالي تزيد قوة ومكانة قبيلة أو عائلة أو أسرة أخرى على حساب أسرة المُتوفى
تصادف مبروكة البسيكري، مديرة المنظمة العربية الدولية لحقوق المرأة، العديد من الحالات المشابهة في منطقة الجبل الغربي (جنوب غربي طرابلس)، وفي الشرق الليبي. تؤكد البسيكري تعمّد الإخوة الذكور حرمان أخواتهم من مشاركتهم ميراث الأراضي بدعوى أن المرأة قد تأتي برجل غريب (أي زوجها) يدخل وسط الأشقاء، وبهذه الحجة تُمنع المرأة من حقها في الميراث. تضيف البسيكري: “من الممكن أن تمنح بعض العائلات النساء تعويضاً مالياً مقابل حقهن في الأرض، ولكنّها لا تتحصل على ملكية أرض أو عقارات أو غيرها، هذا يُعد ظلماً واضحاً وصريحاً، ولقد طالبتْ العديد من المنظمات برفع هذا الظلم“.
من جانبه، يصف الأكاديمي موسى القنيدي، عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق بجامعة مصراتة والمتخصص في القانون العام، مبررات الوارثين الذكور بـ“الواهية والضعيفة” لقولهم إن هذا المال و“الرزق” سيضيع ويذهب إلى زوج البنت.
ويردف قائلاً: “هناك بعض العائلات القليلة التي تمنح المرأة حقها في الإرث، ولكنّ الأغلبية الكبيرة تحجب هذا الحق“.
تغليب الجانب العرفي في هذه المسألة قاد البسيكري، وفريقها، لإعداد حملات للمطالبة بحق المرأة الليبية في الميراث.
ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها
كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟
للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.
تطالب أيضاً الحقوقية منال الحناشي، كل فرد ومؤسسة في المجتمع العمل على حماية حق المرأة في الميراث، وتحقيقه بالوسائل الشرعية والقانونية. وتضيف الحناشي: “على الدولة والقضاء وضع القوانين والإجراءات الكفيلة بمنع حرمان المرأة من نصيبها في الميراث أو التعسف فيه، وأن تحاسب كل من يخالف ذلك، وأن يتمّ نشر ثقافة العدل والمساواة، وعلى الأسرة والمدرسة والمجتمع أن يربوا الأجيال على احترام حق المرأة في الميراث وتقديره“.
القنيدي يرى أيضاً ضرورة وجود توعية حقيقية فعلية، تتمّ في الوسط الاجتماعي لرفع مستوى وعي بعض الناس، الذين يعرقلون هذه الحقوق الخاصة بالوارثات، قبل الحديث عن الدستور والقانون.
مناطحة الجدار
بقيت فتحية تتحيّن الفرص من أجل استعادة الميراث المسلوب منها، حتى سمعت أن إخوتها باعوا بعض أملاك والدها لأناس من خارج العائلة؛ أي أن ما كانوا يدّعون خشيته، وهو تبدّد أملاك العائلة بوصولها إلى أيدي الآخرين، قد وقع بالفعل.
عاودت فتحية إثارة الموضوع مجدداً، وطالبت إخوتها بأن يعطوها وأختها نصيبهما في ما تبقى من ميراث – والمتمثل في قطع أراضٍ كثيرة – كحصة ذكرين وليس أُنثيين، لتعويض ما سُلب منهما في القسمة الأولى. تمسّك الإخوة بموقف العرف القبلي. لكن، وبعد محاولات مضنية، تجاوب الإخوة وأعطوها مبلغاً مالياً مقابل نصيبها في المبنى الذي بِيع، من دون إخبارها بقيمته والسعر الذي بيع به.
تدرك فتحية أن ما بين أيدي إخوتها ليس مال أبيها وحده، بل هو أيضاً ميراث عمّاتها اللاتي لم يحصلن منه على شيء، ولكن لم تجد مناوراتها شيئاً، لا لها ولا لعمّاتها، وظلّ الإخوة يبيعون الأراضي كلما احتاجوا لتزويج أولادهم أو صيانة منازلهم… وغيرها.
أختكِ مثلكِ
لم تكن فاطمة أوفر حظاً من فتحية، فهي واحدة من أربع شقيقات، ولهن أخوان اثنان من الذكور. بعد وفاة والدهم، انفرد الذكران بجميع الإرث من العقارات، وخرجت الأخوات خاليات الوفاض، كون والدهم يمتلك عقارات تقيّم بملايين الدنانير.
بصعوبة، وافقت فاطمة على الحديث إلى معدّ التحقيق إذ يتعمّد الإخوة الذكور منع أخواتهم من الجهر بالشكوى، أو التوجّه إلى المحاكم، أو مجرد إثارة الموضوع.
استعان معدّ التحقيق بمثمّن عقاري لحساب قيمة جملة العقارات التي تركها والد فاطمة لدى وفاته، بعدما دلّته فاطمة عليها. بعد تثمينها بالسعر الحالي، وحساب حق فاطمة الشرعى من الإرث، تبيّن أن نصيب فاطمة من العقارات لا يقل عن 2.7 مليون دينار ليبي (أي نحو 800 ألف دولار أمريكي).
بالطريقة نفسها، تبين أن نصيب فتحية من ميراث أبيها من العقارات يعادل تقريباً المليون ونصف المليون دينار (نحو 300 ألف دولار أمريكي).
…
يتبع
***
ماهر الشاعري – صحفي تحقيقي حائز على الجائزة الفضية في شبكة إعلاميين من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
________________
Over 160, 000 new cases are diagnosed each year, and although the disease isn t usually fatal, some forms can be aggressive and harder to treat viagra priligy
Рекомендации по безопасной покупке диплома о высшем образовании
Клиника предлагает различные варианты лечения, от выезда врача на дом до госпитализации, с учетом состояния пациента и его предпочтений. Мы гарантируем прозрачное ценообразование и комфортные условия, предоставляя каждому пациенту возможность вернуть контроль над своей жизнью.
Выяснить больше – [url=https://vyvod-iz-zapoya-14.ru/vivod-iz-zapoya-anonimno-v-sankt-peterburge/]vyvod iz zapoya anonimno nedorogo sankt-peterburg[/url]
Алкогольная зависимость остаётся серьёзной проблемой, требующей квалифицированного медицинского вмешательства. Капельница от запоя — это ключевой этап в процессе лечения, направленный на стабилизацию состояния пациента и его возвращение к полноценной жизни. Профессиональная помощь позволяет эффективно справиться с последствиями длительного употребления алкоголя и восстановить физическое и психологическое здоровье.
Изучить вопрос глубже – [url=https://vyvod-iz-zapoya-21.ru/]вывод из запоя капельница[/url]
neurontin picture gabapentin generic neurontin and sciatica nerve pain how long before gabapentin starts working
Im thankful for the post.Thanks Again. Really Great.
Oh my goodness! Awesome article dude! Thank you, However I am having issues with your RSS. I don’t understand why I can’t subscribe to it. Is there anyone else having the same RSS issues? Anyone who knows the answer will you kindly respond? Thanx!!
алкоголь на дом круглосуточно доставка алкоголя 24 часа
That is a very good tip particularly to those fresh to the blogosphere. Brief but very accurate informationÖ Appreciate your sharing this one. A must read article!
I used to be recommended this blog by my cousin. Iam not certain whether or not this publish is written by meansof him as nobody else know such distinctive about my problem.You are amazing! Thank you!
india tadalafil comparison – what is tadalafil tadalafil medication