الانسداد السياسي الحاصل في ليبيا بات يغري متطرفين بتحريك عناصرهم والاستفادة منه في استعادة النشاط.
تصدرت ليبيا المحادثات التي جرت الثلاثاء بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس المخابرات الروسية سيرجي ناريشكين، وهي المحادثات التي تأتي في ظل حديث متزايد عن تحركات روسية شرق ليبيا، استعدادا لوصول عناصر الفيلق الأفريقي.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن الزيارة التي قام بها رئيس المخابرات الروسية إلى القاهرة تناولت التنسيق بين الجانبين في مجال مكافحة الإرهاب في ليبيا بعد تواتر معلومات حول نشاط متوقع في البلدين تقوم به جماعات متطرفة، بما يعيد مناطق في ليبيا إلى سابق عهدها من العمليات الإرهابية، خاصة منطقة الشرق التي شهدت استقرارا في الفترة الماضية، حيث تمكنت قوات الجيش الوطني الليبي من القضاء على المجموعات المتشددة التابعة لتنظيميْ داعش والقاعدة.
وأضافت المصادر أن الانسداد السياسي الحاصل في ليبيا بات يغري متطرفين بتحريك عناصرهم والاستفادة منه في استعادة النشاط، خاصة أن منطقة الساحل الأفريقي تشهد مواجهات قاسية بين حكومات محلية وروسيا من جانب وعناصر متطرفة من جانب آخر، وترى الأخيرة في السيولة الليبية فرصة لمناكفة موسكو هناك، وهو ما يخدم مصالح بعض الدول الغربية التي أصبحت أكثر قلقا من تمدد النفوذ الروسي في المنطقة، ومنزعجة من تحويل ما سمي بفيلق أفريقيا –انطلاقا من ليبيا– إلى أداة في يد موسكو تعيد بها ترتيب الأوضاع في ليبيا وبعض الدول الأخرى بما يخدم مصالحها.
وأكدت المصادر أن هناك عدة قضايا تتشارك فيها القاهرة وموسكو حاليا وتحتاج إلى تعاون، خاصة الحرب في غزة والتصعيد الإيراني – الإسرائيلي المحتمل، لكنْ يظل ملف مكافحة الإرهاب هو الأكثر تحقيقا للانسجام والتفاهم بينهما، والأهداف فيه متقاربة. وهناك معلومات عن نشاط جديد لعناصر إرهابية في المنطقة وتحركات سرية، يمكن أن تتسبب في خلط بعض الأوراق في قضايا إقليمية حيوية، وفي مقدمتها الأزمة الليبية التي عجز المجتمع الدولي عن تقديم وصفة مناسبة للتعامل معها، وهناك مخاوف من وصولها إلى انفجار جديد رأس الحربة فيه عناصر إسلامية متطرفة.
وتتضارب الأنباء بشأن نشر روسيا الفيلقَ الأفريقي في ليبيا وما إذا كان سيحل محل مجموعة فاغنر؛ فقد تحدثت صحيفة “لو بوان” الفرنسية عن وصول شحنات ومعدات أسلحة روسية إلى ميناء طبرق شرق ليبيا.
وقالت الصحيفة إن المعدات وصلت تحسبا لنشر عناصر الفيلق الأفريقي، وهي المعدات ذاتها التي جرى إرسالها إلى النيجر وبوركينا فاسو، مشيرة إلى رسو السفينتين إيفان غرين وألكسندر أوتراكوفسكي في ميناء طبرق قادمتين من قاعدة طرطوس البحرية التي تسيطر عليها روسيا في سوريا.
كما تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر سفينة تُنزل شاحنات وأسلحة ومعدات عسكرية. وكانت وكالة بلومبرغ الأميركية قد نشرت تقريرا في يناير الماضي يؤكد سعي روسيا لتشكيل مجموعة قتالية جديدة تحت اسم “الفيلق الأفريقي” قوامها 20 ألف مقاتل وتتلقى تعليماتها بشكل مباشر من وزارة الدفاع الروسية في موسكو للقيام بعمليات في خمس دول أفريقية من بينها ليبيا.
وأضافت الوكالة أنه بحلول منتصف 2024 سيعمل الفيلق الأفريقي في بوركينا فاسو وليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر، وسيخلف عمل شركة فاغنر العسكرية.
ووفقا للوكالة فإن الفيلق الروسي سيتخذ من جمهورية أفريقيا الوسطى مقرا إقليميا جديدا له، كاشفة عن تخطيط موسكو لضمّ مقاتلين سابقين في فاغنر ومجندين جدد إلى الفيلق.
تأتي هذه التطورات في ظل تحركات أميركية موازية غرب ليبيا، حيث تشير تقارير صحفية إلى وصول شركة أمنتوم الأمنية الأميركية إلى طرابلس لتدريب المجموعات المسلحة، في حين تشير تسريبات إلى تمكين رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة الولايات المتحدةَ من قطعة أرض تابعة للكلية الجوية العسكرية – مصراتة ستخصص لبناء قاعدة عسكرية تابعة للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم).
وذكر موقع أفريقيا أنتلجنس الفرنسي أن المقاولين العسكريين الأميركيين “سيقومون بتدريب عناصر من 3 ألوية مسلحة محددة هي اللواء 444 بقيادة محمود حمزة، واللواء 111 بقيادة عبدالسلام الزوبي، واللواء 166 بقيادة محمد الحصان”.
وفي حين يلتزم الدبيبة الصمت إزاء توسع نفوذ روسيا شرق ليبيا، أثارت التحركات الأميركية حفيظة لجنة الدفاع في مجلس النواب المحسوب على السلطات في المنطقة الشرقية.
ووصفت اللجنة القرار بغير المبرر، وأنه “يأتي في سياق لا يمكن تبريره، ويمثل تدخلا غير مقبول في الشؤون الداخلية الليبية وانتهاكا للسيادة الوطنية”.
الدبيبة يلتزم الصمت إزاء توسع نفوذ روسيا شرق ليبيا
وطالبت اللجنة بإلغاء قرار تخصيص الأرض في مصراتة لصالح القوات الأجنبية، مؤكدة على ضرورة احترام سيادة الدولة الليبية وحقها في تحديد مصيرها وتأمين حدودها وأمنها بما يخدم مصالح ليبيا والشعب الليبي.
وأجرى الرئيس المصري الثلاثاء مباحثات مع رئيس المخابرات الخارجية الروسية تناولت ملفي قطاع غزة والتوترات الإقليمية.
واستقبل السيسي في العاصمة المصرية القاهرة ناريشكين والوفد المرافق له، بحضور رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، حسب بيان للرئاسة المصرية.
وقال السفير المصري الأسبق في روسيا عزت سعد إن “الزيارة تأتي في إطار التنسيق المشترك بين البلدين في مجالات مختلفة ومتابعة ما يطرأ من تطورات إقليمية ودولية في المنطقة، وتعكس اهتمامهما بتعزيز التعاون والتواصل بشأن ما تعلق بالقضايا المثارة، وفي القلب منها الحرب الدائرة في قطاع غزة وأبعاد التصعيد الإيراني – الإسرائيلي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة تعول على موسكو التي لديها مواقف تاريخية إيجابية من الصراع العربي – الإسرائيلي، وأن الطرفين يتخوفان من دخول المنطقة في حرب واسعة، وأن روسيا يهمها تطوير مسارات التنسيق مع مصر لما لديها من مصالح حيوية في عدد من دول المنطقة.
__________________