حسام الوحيشي

الغاية من رغبات التوحيد تصبو لتخطي الحزازات، و الصدامات على مستوى القاعدة والديمقراطية غير النيابية لا مسافة فيها للنقد إلا داخل أروقة المؤتمرات الشعبية والاعلام الجماهيري الهادف أحيانا و بإذن من القوى الثورية الهادرة، النيابيون مع حرية التعبير والصحافة والنقد الحزبي و يرحبون بالمخالفين والمختلفين حتى اللحظة ولو تصاعد المنع بين الفينات “ليس هذا دقيقا تماما”. غير أن تلك أوقات مشتومة لا تطبق محتويات الكتاب.

إن النظام كان إلى زوال حتى لو لم تأت المؤامرة، أنظمة الحكم ليست الله لتدوم إلى الأبد، كما تلاحظ فأنا لا أسخر عندما أكتب مؤامرة “الثورة والانقلاب مؤامرة بالضرورة لايمكنك الذهاب إلى الأمير والقول كفى دعني أجرب العرش قليلا لو سمحت، نعم جزء من الإسقاط كان بمؤامرة على النظام – أداة الحكم – تآمر فيها أعداء الجماهيرية في الداخل قبل الخارج، جزء آخر كان بمؤامرة دبرها الجماهيريون أنفسهم ضد نظامهم، سواء رفضوا تفاصيل أو ساندوها بدون أصرار كافي لفرضها و”التصحيح” قبل وبعد الارتكاب، من استمر كان متآمرا، ليس الإخلاص في اتباع الأوامر هو الانتماء الحقيقي.

الانتماء الحقيقي هو الاخلاص للأوامر التي تعتقد بصحتها وفق مقياس راكمته يمكن أن يسمى “الضمير” ترجع جذوره للرؤية الكبرى، من ينفذ ما سيتنصل منه لاحقا هو المتآمر الأول و لابأس إنها الحياة ومعاييرها، فقدانك لحرية الانسحاب تدل على عبوديتك٫ مسلوب الإرادة لا تعليق عندي لمواساته، ولكن ماذا يستفيد المواطن البسيط؟

عليه أن يستوعب أنه ليس بسيطا، كل الحلول مهما تعقدت تصدر عنه وتحاك من أجله محاولة إقناعه ببساطته فخ مختلف، المنظومة لا تشكلها كائنات فضائية، الكون معقد بالضرورة، يغدو بسيطا فقط إذا خضنا في عقده معا.

وهكذا، فإن توحيد النظرة التاريخية أمر مستحيل، سواء على مستوى المجتمع ككل، أو على مستوى الأكاديميين. فالمجتمع مقسم إلى قطاعات مختلفة، لكل منها مصالحها ورؤاها الخاصة في التاريخ و المصلحة العامة و الدولة.

أما الأكاديميون، فهم بشر أيضا، وبالتالي فهم عرضة للتأثيرات الأيديولوجية والسرابية، ولكن، هذا لا يعني أن المقارنات التاريخية لا قيمة لها.

بل على العكس، إنها أداة مهمة يمكن استخدامها لفهم الماضي بشكل أفضل، وتعلم الدروس منه. فالمقارنات يمكن أن تساعدنا على تحديد نقاط القوة والضعف في الأنظمة السياسية المختلفة، ومعرفة ما الذي أدى إلى نجاحها أو فشلها، التاريخ لا يتكرر نحن من تتلبسنا الأخطاء نفسها .

ولكي تكون المقارنات التاريخية مفيدة، يجب أن تستند إلى أسس موضوعية الى حد ما . أي أنها يجب أن تكون خالية من التحيزات الأيديولوجية أو السياسية قدر المستطاع سافترض أن الموضوعية هي الصدق و أن الأجندات غير نقية و مليئة بالهراء .

كما يجب أن تكون مبنية على معلومات دقيقة وكاملة نسبيا، وأخيرا، يجب أن تكون المقارنات التاريخية موجهة نحو التعلم والتطوير. أي أنها يجب أن تساعدنا على فهم الماضي بشكل أفضل، واتخاذ قرارات أفضل في الحاضر والمستقبل .

المتٱمر الأخير هو النظرية ذاتها، لقد تآمرت على صاحب القلم عندما وقعت في شراك نهاية التاريخ، وقعت في فخ الجماهير التي تلوكها لنيل أطماعها بعد أن أتعبت المسحراتي ظهرا، تآمر كل من تعامل مع النص البشري كمقدس و تعامل مع المفاهيم التي استخرجها البشر من المقدس الأعلى كمقدس شقيق، و لكن مافائد النظرية إن لم تتآمر على نفسها لتكشف مواضع الوهم، و قد فعلت، هل هناك قاعدة لمنطلقات سياسية بمتعلقاتها تفيد لتأسيس دولة يسمح لي فيها بالقول إن الحل ليس نهائيا وأنه يجب أن يمتلك خواص مهمة لكي لا يعبد صنما يحتاج لزيارة دورات المياه، و يمكنه أن يهذب العنف، نظام يعلم أنه قاصر تؤهله الحياة ليبلغ في كل حين، سيبدو الحديث طوباويا اذا وضعت إصبعا على جروح العدالة .

في البدء .. لا نحتاج الى نظام سياسي الان ، نحتاج الى معرفة بماذا يعتقد الفاعلون السياسيون قبل كل شيء ، لماذا يصرون على حكمنا بمشاريع سلطوية لا يعلنونها ٫ أعلنوا معتقداتكم لنحاسبكم وفقها و ننتقل الى الخطوة التالية ، الجميع يفترض وجود قيم غير موجودة لدى من يناصره ، حسب وجهة نظره يبرر باطلا فعله من يساندهم بينما هو عين الصواب لديهم ، هذا التهويم في الفراغ لايفهم نفسه ليعرف هويته و اذا فهم ذاته لا يفهم هويته لانها لم تعلن قطعياتها ليستطيع ادراكها ، يضع كلتا قدميه في ساق بنطال واحدة و يستغرب ، لماذا لا أمشي براحة وأزحف كلما هممت بالسير، (ارتدِ البنطلون جيدا أيها الغبي) ، ولن يفعلوا و لن ننتقل !

هذا تشخيص ، لا ينشد التغيير ، التغيير فعل مؤامرتي فاخر ، أنا أختبر قلم الرصاص و الدفتر الأزرق الجديد فقط .

عين المضارع

قبل سنة 2008 كان خط الفقر المدقع المتعارف عليه عالميا هو واحد دولار يوميا و خط الفقر غير المدقع هو 1.90 دولار أي (2.451) دينار ليبي في اليوم حسب سعر صرف ذلك الزمان وفق بعض المصادر.

ولكن بعض الدول كانت تضع خط فقر خاص بها مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تحدد 31 دولار أي ( 39.99) دينار للفرد يوميا و تضع 60.433 دولار يوميا للأسرة أي ( 77.958) دينار.

لم أجد معلومات عن خط الفقر الليبي سواء المدقع أو غير المدقع ولكن هناك مصادر ذكرت أن خط الفقر غير المدقع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سنة 2003 هو 2.40 دولار في اليوم للفرد أي ( 3.096) دينار ” .

أعلنت الهيئة الوطنية للمعلومات والتوثيق في ليبيا سنة 2003 نتائج مسحها الاقتصادي والإجتماعي ونصت في تقريرها أن متوسط الإنفاق السنوي للأسرة الليبية على مختلف أنواع السلع والخدمات قد بلغ ( 6,316.40) دولار .
و أن متوسط الإنفاق الشهري مقداره ( 526.36) دولار للأسرة الواحدة .
و أن متوسط إنفاق الفرد الليبي الواحد بلغ (957.09 ) دولار سنوياً .
و متوسط إنفاق الفرد الشهري ( 79.759) دولار أمريكي .
حينها كان السعر الرسمي للدولار الأمريكي بمصرف ليبيا المركزي يساوي دينارا واحدا و مائتين وتسعين درهما .
أي أن الأسرة كانت تنفق سنويا (8148.16) دينار
و شهريا (679.01) دينار .
و الفرد كان ينفق سنويا (1234.65) دينار .
و شهريا (102.89) دينار .

جاء الرد من محلل اقتصادي في مجلة رسمية بأن “هذا الرقم أكثر بكثير من قدرة معظم الأسر الليبية على اقتنائه فما بالك بإنفاقه”.

و عندما توغل المسح في أوجه الانفاق وذكر على سبيل المثال أن متوسط اسهلاك الفرد الليبي من الأرز شهريا هو 4.155 كيلو جرام كان التعليق بأن “نصيب الفرد الشهري المخصص من المؤسسة الوطنية للسلع التموينية هو 2.5 كيلوجرام فقط ” .

و أضاف “تراودنا نفس التساؤلات عن الكميات والأرقام التي وردت في المسح فيما يخص السلع الأخرى التي وردت في التقرير والتي يمثل أوجه الإنفاق، وعلى الأسس والمعايير التي تم استنتاج هذه الكميات على أساسها ” .

هل كان الفرد الليبي في المتوسط ينفق 102.89 دينار شهريا حقا ؟ 

هل كانت الأسرة الليبية تنفق ما متوسطه 679.01 دينار شهريا فعلا ؟

أنت خارج نطاق معظم الليبيين الذين لايتحصلون على هذه المبالغ فما بالك بأن ينفقوها و يحددو اوجه صرفها كما أشار الكاتب في المجلة الاقتصادية في ذلك الحين .

هل كنت تعيش بما يساوي 79.759 دولار شهريا أم أن المبلغ ضخم بالنسبة لك و لم تطله في ذلك الزمن ، هل كانت أسرتك في سنة 2003 تنفق 526.36 في الشهر الواحد ؟

كم كان متوسط دخل الفرد و الأسرة قبل 21 عام ، و كم دخلها الآن ؟

تقرير الهيئة الوطنية للمعلومات و التوثيق قبل أكثر من عقدين ذكر أن دخل 40% من الليبيين حينها كان من بند المرتبات الحكومية كم نسبة المقتاتين من هذا البند سنة 2024 .
كم تنفق الآن
أيها الليبي العزيز بالدينـار أو بما يوازيه من العملة الصـعبة كما يروق للأسلاف وصفها ؟
هل أنت مدقع أم فقير أم مرفه ؟
ثم ماذا تفعل الهيئة الوطنية للمعلومات والتوثيق هذه الأيام !

***

حسام الوحيشي ـ شاعر و كاتب و صحفي ومؤلف ليبي أسس وساهم في تأسيس عدد من والوحدات و الاقسام و الادارات.

_____________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *