صغير الحيدري
غموض حول قيمة الديون الإجمالية واستحقاقها لمصحات خاصة يخضعها للتدقيق وحكومة طرابلس بدأت محادثات مع جارتها.
دفعت حكومة الوحدة الوطنية الموقتة في ليبيا برئاسة عبدالحميد الدبيبة بجهود ومحادثات مع الجارة تونس من أجل سداد ديونها في تونس بمجالات مثل الصحة والكهرباء والطيران وغيرها.
وأجرى وزير المواصلات الليبي محمد سالم الشهوبي محادثات مع رئيسة الديوان بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية أحلام الباجي حول آلية سداد الديون التي يكتنف الغموض قيمتها الإجمالية.
وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية قد تعهد في ديسمبر (كانون الأول) 2022 بسداد هذه الديون على هامش زيارة له إلى تونس، بينما كان يواجه محاولات لإزاحته من منصبه في الداخل مما أثار تأويلات واسعة النطاق في شأن وعده هذا.
غموض قيمة الديون
وبينما تحتاج تونس إلى أية تمويلات في ظل الضائقة الاقتصادية التي تمر بها فإن الغموض يكتنف القيمة الإجمالية للديون الليبية، وقال وزير المالية التونسي السابق حسين الديماسي إنه “من المفترض أن يقع سداد هذه الديون منذ فترة كبيرة، وهي تشمل المصحات الخاصة“، واستغرب مما وصفه بالتلكؤ، معتقداً أن قيمتها ليست صعبة على قدرة الدولة الليبية.
وتابع الديماسي في حديث خاص مع “اندبندنت عربية” أن “التأزم الذي تعيشه ليبيا من الناحية السياسية ربما كان السبب الرئيس في التلكؤ والتأخر في سداد هذه الديون، ونتمنى أن تقوم الدولة الليبية بسدادها، لا سيما أن العلاقات بين البلدين ثمينة ومهمة أكثر من بعض الديون أو الخلافات البسيطة“.
وشدد المتحدث على أن “القيمة الإجمالية لهذه الديون غامضة إلى حد الآن حيث لم يتم بعد حصرها“. لكن رئيس حكومة الوحدة الوطنية كان قال إن ليبيا ستسدد 250 مليون دولار من ديونها لدى تونس قبل نهاية 2022، إلا أن ذلك لم يتحقق بعد.
من جهته قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة الليبية عطية الفيتوري إن “مماطلة ليبيا في سداد ديونها للجهات التونسية ربما يكون بسبب ضرورة تدقيق هذه الديون والتأكد من صحة الخدمات والمبالغ المستحقة، بخاصة أنها تعود لمصحات خاصة وقد لا تكون هذه الديون بناء على مرضى أرسلتهم وزارة الصحة الليبية، إضافة إلى أن قيمة المبالغ المطلوبة قد لا تعكس مستوى وحجم الخدمات التي قدمت من طرف هذه المصحات“.
وتابع الفيتوري في تصريح خاص أن “مسألة الديون التي تعانيها ليبيا ليست فقط مع تونس بل مع مصر والأردن وكذلك لم تحل للأسباب نفسها، أي غياب التدقيق في القيمة الإجمالية وتقييم الخدمات المقدمة، والتأكد مما إذا كان كل المرضى والخدمات قد قدمت بناء على طلب من الدولة“.
لا سداد في الأفق
وفي ظل محاولات البرلمان المستمرة عزله من منصبه، فإن التساؤلات تتصاعد حول جدية وقدرة الدبيبة على سداد الديون التي ظلت من المسائل العالقة بين ليبيا وتونس منذ أعوام.
وأثناء جولات النزاع الكثيرة التي شهدتها ليبيا خلال الأعوام التي أعقبت سقوط معمر القذافي خلال انتفاضة شعبية مدعومة بتدخل واسع من حلف شمال الأطلسي عام 2011، كانت المصحات والمستشفيات التونسية قبلة الليبيين لتلقي العلاج.
كما أن تونس تزود ليبيا بالكهرباء خصوصاً في المناطق القريبة منها، على غرار صرمان وزوارة وصبراتة والزاوية، وهي مناطق تشهد انقطاعات متكررة خصوصاً في الصيف جراء ضعف الشبكة الليبية للكهرباء واهترائها.
وتصل أحياناً مدة انقطاع الكهرباء في مدن مثل العاصمة طرابلس إلى 18 ساعة في اليوم، وذلك في مساعي من السلطات لتخفيف الضغط على الشبكة.
ومع ذلك يقول مراقبون ليبيون إن الغموض يكتنف القطاعات التي تشملها الديون وأيضاً القيمة الإجمالية لها، كما يشككون في قدرة الدبيبة على سدادها في الوقت الراهن في ظل الترتيبات السياسية التي تعرفها ليبيا.
وقال الدبلوماسي الليبي الأسبق عثمان البدري إن “هناك تعتيماً كبيراً على مستوى هذه الديون، وهل هي ديون تتمثل في علاج الليبيين في تونس أم أن هناك ديوناً أخرى؟“.
وأضاف البدري في تصريح خاص أن “السياسات المتخبطة من كل الحكومات الليبية المتعاقبة جعلها اليوم مدانة، ولا أتصور أن حكومة الدبيبة قادرة على دفع هذه الديون في تلك المرحلة لأنها بصدد لملمة أوراقها للرحيل، وهذا الملف لن يكون من الملفات المدرجة ضمن أولوياتها“.
وخلص الدبلوماسي الليبي الأسبق إلى أن “المحادثات الجارية لن تفضي إلى شيء لأن الدبيبة ليس من أولوياته الآن سدادها، على رغم إطلاق هذه المحادثات وعلى رغم أن تسوية هذا الأمر بين ليبيا وتونس مهم جداً للحفاظ على العلاقات المتينة بين الشعبين“.
_________________