صغير الحيدري
لا تزال الخلافات السياسية التي عطلت قيام الاتحاد المغاربي في مرحلة سابقة مستمرة حتى اليوم.
تصاعدت دعوات من أكاديميين ومثقفين في منطقة المغرب العربي إلى إعادة تفعيل “تكتل الاتحاد المغاربي” الذي جُمد منذ أعوام بسبب الخلافات السياسية بين دوله الأعضاء، خصوصاً بين المغرب والجزائر، ولكن بحلة جديدة من خلال تغيير تسميته حتى يكون أكثر انسجاماً مع التنوع الثقافي والاجتماعي في المنطقة.
وجاءت هذه الدعوات في أعقاب إعلان لافت من وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الذي قال إن “حلم اتحاد المغرب العربي لا يمكن أن يُقضى عليه“، فسارع الأمين العام للتكتل الطيب البكوش إلى الترحيب بالموقف الجزائري في بيان رسمي.
والنقاشات الصاخبة حول تسمية الاتحاد ليست وليدة اللحظة، خصوصاً في ظل التنوع الذي تعرفه المنطقة من انتشار للأمازيغ وغيرهم من الأقليات الثقافية التي تسعى إلى تحصين وجودها على رغم التهميش الذي تعانيه في الوقت الراهن، وطرحت تسميات عدة على غرار “اتحاد المغرب الكبير“، لكن لم يتم الاستقرار على تسمية بعد.
فرص ضئيلة
وتأسس “اتحاد المغرب العربي” عام 1989، ورُسم له منذ البداية هدف واضح ألا وهو تكريسه كتكتل سياسي واقتصادي قوي في مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، لكن بعد عقود ظل هذا الجسم مشلولاً بصورة كبيرة متأثراً بالأزمات السياسية والدبلوماسية بين الجارين المغرب والجزائر.
ويضم التكتل الذي كان يهدف إلى تقوية التبادل التجاري وتنسيق المواقف بين دوله الأعضاء كلاً من موريتانيا وليبيا والمغرب والجزائر وتونس.
وقال الباحث في مجال العلاقات الدولية رشيد خشانة إن “فرص تغيير تسمية اتحاد المغرب العربي ضئيلة جداً، ناهيك عن أن المشكلة ليست في التسمية بل في أن الشعب والنخب التي تطالب بذلك الآن لا تملك سيادتها وتأثيراً في سلطتها وقرارها السياسي“. وأردف أنه “من الصعب جداً إحياء التكتل أصلاً، فما بالك بتسميته لأن الأسباب نفسها التي عطلت تفعيله منذ عقود والتي يمكن تلخيصها بالخلافات السياسية بين زعماء الدول الأعضاء لا تزال قائمة إلى الآن“، لافتاً إلى أنه “أيضاً يجب التأكيد على عدم وجود خلاف مع الأقليات الثقافية في المنطقة، لذلك يمكن أن تكون التسمية اتحاد المغرب الكبير ويتم فض النزاع في شأن التسمية، لكن إعادة بث الروح في الاتحاد في حد ذاتها تبدو هدفاً صعب المنال في ظل الظروف السياسية والإقليمية الراهنة“.
الثقة غائبة
ويسود انقسام في الشارع المغاربي في شأن إمكان إعادة تفعيل التكتل الإقليمي، خصوصاً أن الخلافات بين الجزائر والمغرب لم تُحل بعد، بل تتفاقم بسبب النزاع حول الصحراء الغربية بين الرباط وجبهة “بوليساريو” المدعومة من الجزائر.
وتنادي جبهة “بوليساريو” بانفصال الصحراء عن المغرب الذي يقترح حكماً ذاتياً لها مع بقائها تحت سيادته، وهو ما ترفضه الجبهة والجزائر، ووصلت العلاقة بين البلدين إلى طريق مسدود مجدداً عام 2021 عندما أعلنت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط.
واعتبر الباحث السياسي الجزائري حكيم بوغرارة أن “الدعوات إلى تغيير مسمى الاتحاد صعبة التجسيد بالنظر إلى معطيات عدة، فهذا الاتحاد الذي شهد حراكاً في نهاية الثمانينيات من خلال التقاء قادة الدول المغاربية واتخاذ إجراءات مثل بناء خط سكك الحديد وإلغاء التأشيرة والسماح لمواطني المغرب العربي بحرية التنقل ببطاقة هوية فقط، لكن تحولات فترة نهاية الثمانينيات وانفتاح دول المغرب العربي وتفاوض بعضها بصورة فردية مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاقات شراكة، فيما اتجه البعض الآخر شرقاً، أحبطت الوحدة المغاربية“.
وبين بوغرارة أن “هناك ملفات عدة جعلت الثقة تغيب بين قادة الدول، وأظهر تطور الوحدة المغاربية شرخاً كبيراً مع مرور الأعوام بين ليبيا وتونس من جهة، وليبيا والجزائر من جهة أخرى، والجزائر والمغرب وغيرها من الخلافات والملفات الثنائية التي عكرت تكريس الوحدة المغاربية، ومع السنوات زادت حدة الشرخ“.
وشدد على أن “التصريحات السياسية تحمل طابعاً دبلوماسياً، لكن التجارة البينية بين دول المغرب العربي ضعيفة للغاية. كما أن دعوات النخب في اعتقادي جاءت متأخرة وغير قادرة على التأثير في مسار بناء الاتحاد المغاربي على رغم المقومات الاقتصادية المهمة“.
حاجة ماسة للتغيير
وعلى رغم أن تونس سبق وتمسكت بمشروع “اتحاد المغرب العربي” كخيار استراتيجي للمنطقة إلا أنه لم تظهر مؤشرات بعد على إمكان تحريك الجمود في شأن إعادة تفعيله.
وقال الباحث في العلاقات الدولية حسن بلوان إن “تسمية المغرب العربي ارتبطت تاريخياً بتيار القومية العربية خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن هناك حاجة ماسة إلى تغيير هذه التسمية، خصوصاً بالنظر إلى التنوع الثقافي. كما حسم المغرب في دستوره منذ عام 2011 مسألة المغرب الكبير وبدأ يسعى إلى تكريس هذه التسمية البديلة“.
وأوضح “أعتقد بأن التطورات التي عرفتها البلدان المغاربية تدفعها إلى تغيير اسم هذا التكتل الإقليمي ثم بعث الروح من جديد فيه وهو أمر ممكن على رغم أنه توفي سريرياً بعد الصراع بين قطبيه الجزائر والمغرب بسبب النزاع حول الصحراء“.
_____________