تسعى هذه الورقة إلى تحليل العلاقات الارتباطية بين حالة المكونات الليبية وعدم الاستقرار السياسي؛ فعلى مدى أكثر من عشر سنوات بدت الديناميات الليبية أكثر ميلًا إلى الانقسام، حتى إنّه تسبّب في ظهور مشكلات إضافية، وهذا أدى إلى عيوب هيكلية سادت في المرحلة الانتقالية، كان أهمها، نضوج مشكلة القيادة السياسية أو العسكرية، حيث لا تتوافر مقومات القوة لفرض السلطة.
واجهت مرحلة إعادة البناء ضمنًا مشكلات هيكلية، لعل أهمها نقص القدرة على تهيئة مناخ الاستقرار والخلاص عن طريق الانتخابات، إذ أخفقت النخبة السياسية في تمكين الإرادة الشعبية من تقرير مصير الحكم والسيادة، وانغمست في خلافات تفصيلية، ارتبط معظمها بالصراع الجزئي على المواقع السياسية والاستحواذ على موارد الدولة، وهذا يرسخ مناخًا من الميل إلى تفكيك المؤسسات.
وقد أسهم الميل إلى التفكك في رسم واقع غياب الكتلة الصلبة؛ سواء من التطورية السياسية لدى القبائل أم الأحزاب تجاه المسالة الوطنية.
ومع تزايد الانقسام السياسي، انخفضت رغبة الأطراف الليبية في إنهاء وضع البلاد تحت الفصل السابع، واتجهت إلى توثيق علاقاتها مع الدول المتنفذة لأجل المساندة السياسية.
تحاول الورقة الاقتراب من فرصة نجاح سياسة إعادة البناء في ليبيا، والبدائل الممكنة أمام السياسة في ليبيا.
تبدو أهمية تناول اتجاه بناء وهدم مؤسسية الدولة عملية معقدة، فالمشكل الأساسي يتعلق بأنه مع طول الفترة زاد الميل إلى التفكك ليشكل التباعد جذر المعضلة السياسية.
ساعد النظام الانتخابي على تفكيك قدرات الدولة عندما انخفض تمثيل الجهة التشريعية (المؤتمر الوطني ثم مجلس النواب) إلى أقل من 25% من إجمالي الأصوات الصحيحة، وهذا تسبب في ضعف قدرة المؤسسات على الصمود أمام المشكلات المتتابعة.
وحاليًّا، يقف التباعد السياسي وراء الخلاف على قوانين الانتخابات بصور تعوّق الوصول إلى حل سياسي، إذ هي انعكاس لغياب البدائل السياسية، وانخفاض الرغبة في الخروج من الأزمة.
وأدى ارتباط العزل السياسي بتقويض المؤتمر الوطني العام إلى ظهور حِزمة من النزاعات حول التمثيل السياسي، وعلى الرغم من إلغائه، عجزت المؤسسات الليبية عن التوافق على صيغة قانونية بديلة، وظل الخلاف حول قوانين الانتخابات عائقًا أمام تجديد المشروعية السياسية.
___________
رؤية تركية ـ السنة 12 ـ العدد 4 (خريف2023)