عبدالله الكبير
تطبيع العلاقات مع الدول العربية هدف استراتيجي لكل حكومات الاحتلال المتعاقبة، منذ تأسيس الكيان في فلسطين المحتلة، وكان من أهم انتصاراتهم السياسية ابرام اتفاقية السلام مع مصر، عقب مفاوضات كامب ديفيد، لييدأ فصل جديد في الصراع العربي الصهيوني، بتحييد الدولة الكبرى في المنطقة العربية، ورأس الحربة في كل الحروب العربية مع كيان الاحتلال، وتعاقبت الاتفاقيات فيما بعد مع منظمة التحرير والأردن، فيما اخفقت كل الوساطات الغربية لجر سوريا ولبنان إلى ميدان التطبيع، وإنهاء حالة الصراع، وظلت حالة الحرب قائمة.
وخلال السنوات الماضية نجح كيان الاحتلال من التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب، وقطع خطوات متقدمة على طريق التطبيع مع السعودية، إذ لم تبق سوى بعض التفاصيل الصغيرة، ليكتمل الطريق بتبادل السفراء.
الحكومة الحالية والتي توصف بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان، وضعت على رأس قائمة أهدافها التطبيع الكامل مع المزيد من الدول العربية.
ورغم هذا الاختراق للمحتل بالتطبيع الكامل مع بعض الدول العربية، واستمرار هذا النهج بجلب المزيد، حتى أن حكومة نتنياهو تسوقه للمستوطنين بوصفه انجازا لم يكلف شيئا، بعد إسقاط المبدأ الذي رفعته بعض الحكومات العربية في السابق، الأرض مقابل السلام، أي عقد اتفاقيات سلام مع المحتل مقابل استعادة الأراضي المحتلة في يونيو 1967 كاملة، وإقامة الدولة الفلسطينية عليها.
ورفعت حكومة الاحتلال الحالية بديلا عنه وهو السلام مقابل السلام، فيحصل المحتل على مايريده من دون أن يتنازل عن شئ.
جهود حكومة الاحتلال في مضمار التطبيع، رغم الرفض الشعبي المتنامي في كل السنوات والعقود الماضية، دفعني للتساؤل. ما الجدوى من التطبيع مع السلطات الحاكمة بصرف النظر عن اسمها ونوع نظامها، إذا كان موقف الشعوب ثابت في غالبيته، فحالة الرفض للاحتلال قائمة ولم تتبدل، والايمان بأن فلسطين من النهر حتى البحر عربية وليست صهيونية لم يتزحزح، فهل يجدي تأسيس علاقات مع الحكومات مع هذا الرفض؟ ألن تسقط هذه الاتفاقيات في المستقبل، مع هذا الموقف الشعبي الراسخ؟
لم أجد أي إجابة مقنعة سوى رهان حكومة الاحتلال، ومن خلفها القوى الغربية، على احكام السيطرة على الشعوب بواسطة هذه الحكومات، والحيلولة دون سيطرتها على قرارها الوطني عبر حكومات منتخبة ديمقراطيا، تعكس وتجسد قولا وفعلا الإرادة الوطنية، والمواقف الشعبية من كل القضايا المحلية والاقليمية والدولية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
فالسلطات غير المنتخبة في أغلب الاقطار العربية ستحصل على الدعم الأمريكي، والغربي بشكل عام، بالتطبيع مع كيان الاحتلال وبذلك تنال رضى الدول الغربية، التي ستغض بصرها عن فساد هذه الحكومات وانتهاكاتها لحقوق الإنسان.
وإزاء الإنسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، للتفرغ والحشد لمواجهة قادمة لا محالة مع الصين، تتضح الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة، لسد أي فراغ يخلفه انسحابها فتتمدد فيه الصين، باعتبارها قوة صاعدة مؤهلة للعب دور الدولة العظمي، بتقوية التحالفات بين كيان الاحتلال والدول المطبعة، لتتولى قيادة المنطقة وابقاءها منطقة نفوذ أمريكي، وبالنظر إلى تفوق الكيان عسكريا وتكنولوجيا، فضلا عن نظام حكمه الديمقراطي، فستكون القيادة الفعلية خالصة له، وبقية الدول العربية أتباع.
ولكن هجوم السابع من أكتوبر حطم هذه الاستراتيجية، وأوقف قطار التطبيع، وأعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة عالميا، ولكي يكتمل مسار التحرير، ليس لفلسطين فحسب، بل لكل شعوب المنطقة، وإنهاء الهيمنة الغربية، لابد من الانتصار لغزة، ولابد لغزة أن تنتصر.
___________