عبد الله الكبير

شطبت كبرى صحف وقنوات الإعلام الغربي كل عقود الصراع الماضية، بين قوة احتلال عسكري صهيوني ومقاومة شعبية فلسطينية تسعى للتخلص من المحتل واستعادة الحرية، متجاهلا كل انتهاكات المحتل وجرائمه وخرقه للقانون الدولي، فلا ذكر لقتل المدنيين، واعتقالهم، وهدم بيوتهم، وتدمير محاصيلهم الزراعية، ومصادرة أراضيهم، وتدنيس مساجدهم.

في سردية هذا الإعلام، تاريخ الصراع بدأ يوم نفذت المقاومة الفلسطينية هجومها في 7 أكتوبر الماضي، فحماس هي المعتدية، بكل صفاقة قفز الإعلام الغربي مباشرة إلى نتيجة طبيعية، ورد فعل مشروع في كل الشرائع والأعراف والقوانين على كل الانتهاكات، التي ترتكبها عصابات الاحتلال بشكل يومي ضد الشعب الفلسطيني، وكأن حركات المقاومة تحركت بدوافع نزعات إجرامية، ولا هدف لها سوى القتل والترويع، وبررت لعصابات الاحتلال كل جرائمه وانتهاكاته

تبني هذا الإعلام على اختلاف منابره وتوجهاته، كل روايات كيان الاحتلال، بما فيها القصص المزورة والملفقة، وبدأ نجومه في محاورة ضيوفهم بسؤال محدد ومتكرر، كأن جهة واحدة صاغته، وأمرت كل المذيعين، في كل القنوات الكبيرة، بتدشين مقابلاتهم به، خاصة إذا عرف أن للضيف ميول، وتعاطف مع قضية الشعب الفلسطيني. هل تدين الاعتداء الذي نفذته حماس صباح السبت 7 أكتوبر؟ مع وصف الهجوم بالإرهابي والوحشي والدموي الخ.

 وإذا حاول الضيف وضع الحدث موضع السؤال في سياقه التاريخي، وصولا إليه كنتيجة حتمية لممارسات الاحتلال على مدي 75 عاما، سيقاطعه محاوره على الفور.

دعنا من التاريخ الآن ولنبق في الهجوم الوحشي. هل تدينه أم لا؟

التوجيه الصارم والمتحيز عبر كل المنابر الإعلامية الغربية الكبرى، ومن خلال أشهر رموزها وبرامجها، ضد شعب يدافع عن نفسه، وعن أرضه، وعن حرماته، لمصلحة كيان الاحتلال، لم يفلح في إخفاء الحقيقة، إذ أخفق في التغطية على الجرائم المروعة والمجازر التي نفذتها طائرات المحتل المقاتلة وصواريخه في غزة، مضطرا إلى العودة النسبية للاعتدال ليحافظ على بعض مصداقيته، التي باتت على المحك بعد انكشاف تحيزه، وتزييفه للحقائق، بترويجه لرواية كيان الاحتلال، من دون تدقيق، وتحقق من مصادر مستقلة التزاما بالمهنية، ومن دون النظر في رواية الطرف المضاد كما تقتضي الموضوعية

لعل لهذا الفشل أكثر من سبب، إذ بينت استطلاعات الرأي أن الفئات العمرية الشابة، تعتمد في الحصول على المعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي، وتتابع مدونات وقنوات النشطاء على المواقع المختلفة، ولا تهتَم بالصحف والقنوات الفضائية إلا قليلا، وهذا يعني أن وسائل الإعلام التقليدية لم تعد تحتكر الفضاء الإعلامي، وهو ما دفعها رغما عنها إلى الاستدراك، والعودة ولو قليلا إلى جادة المهنية، مع تزايد قوة وتأثير المهاجرين والحركات التقدمية في المجتمعات الغربية، وهي مدركة لحقيقة وطبيعة هذا الصراع، وبات في حكم المؤكد أن الإعلام التقليدي فقد الكثير من مصداقيته، ومن ثم، من تأثيره، وأن من نتائج هذه الجولة من الصراع إثارة الجدل في كل أوساط الرأي العام، حول طبيعة الصراع ومآلاته، وستكسب القضية العادلة للشعب الفلسطيني المزيد من الأنصار، وهذا سيجبر كل وسائل الإعلام على تبني خطاب أكثر عدلا واعتدالا وتوازنا.

فأقنعة التزييف والتضليل سقطت، وظهر وجه التحيز القبيح سافرا هذه المرة، بعد أن تمكن في العقود الماضية من توجيه الرأي العام، نحو السردية التي يقدمها كيان الاحتلال، والقوى المساندة له في كل الدوائر السياسية الإعلامية

رغم تقدمه التكنولوجي الهائل، ورغم هيمنته شبه المطلقة على صناعة وصياغة الخطاب الإعلامي، افتقد الإعلام الغربي للحكمة، التي كانت سترشده خلال تغطيته لفعاليات كأس العالم 2022، إلى إدراك التحولات الجارية بسبب انتشار الإعلام البديل عبر وسائل التواصل، فالسردية التي قدمها ساعيا لترويجها عن عدم أحقية قطر بالتنظيم، وتشكيكه في قدراتها، وتوقعاته بدورة غير ناجحة، فندها نشطاء ومشجعون من بلدان مختلفة، نقلوا بالصوت والصورة كل الفعاليات الجميلة، والأجواء الاحتفالية الرائعة في الملاعب وخارجها، واستعدادات قطر لتقديم كل وسائل الراحة لضيوف المونديال.

_____________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *