يوسف مكي
خلال أسبوع واحد، شهد المغرب العربي، في أقطار ثلاثة، المغرب، ليبيا، الجزائر أحداثاً مؤلمة، بدأت بزلزال مساء الثامن من الشهر الحالي، ضرب المغرب، بمقياس يزيد على سبع درجات بمقياس رختر، وذكر أنه استمر ما يربو على العشرين ثانية. وتجاوزت مساحته ستمئة كيلومتر مربع، وتسببت في دمار واسع وانهيارات في مدن وبلدات عديدة، لم تشهد البلاد شبيهاً له خلال أكثر من قرن من الزمن.
وقد نتج عن الزلزال، وفقاً لآخر إحصائية مصرع ما يربو على الثلاثة آلاف فرد، وستة آلاف ومئة وخمسة وعشرين من الجرحى، ولا تزال عمليات الإغاثة والبحث عن المفقودين تحت الأنقاض مستمرة.
وينتظر أن تكلف إعادة إعمار المناطق المنكوبة مليارات الدولارات. ورغم أن الحكومة المغربية بذلت أقصى جهودها للتعامل مع الكارثة لكن آثارها فاقت كثيراً قدراتها، بما استدعى مناشدة الأشقاء والدول الصديقة والقوى الدولية لتقديم المساعدة، للتسريع في إزالة الركام، والإسهام في عملية الإغاثة للسكان الذين باتوا بلا مأوى، وفي معالجة الجرحى، والبحث عن المفقودين.
أما الكارثة الأخرى، فتسبب فيها إعصار «دانيال القادم» من أوروبا، حيث ضرب المدن الشرقية في البلاد يوم العاشر من سبتمبر/ أيلول الذي جاء نتيجة رياح عاتية، ونزول أمطار غزيرة على المناطق المنكوبة تعادل ما ينزل من المطر في عشرين عاماً، وتمركزت بشكل مكثف في مدينة درنة، وجاءت في شكل إعصار عاتٍ ومدمر ضرب الساحل الشرقي الليبي، وشمل مدناً عديدة، من ضمنها بنغازي، والبيضاء وسوسة والمرج وشحات، وأسهمت في اختفاء قرية الوردية بالكامل مع سكانها، بالإضافة إلى دمار شامل في درنة، المدينة التي اعتبرت الأكثر تضرراً من الإعصار، والإعلان عنها «مدينة منكوبة»، وغير صالحة للسكن لأجل غير مسمى.
والأسوأ في هذا الإعصار تدميره لسدَّين بُنيا في السبعينات من القرن الماضي، بما جعل المياه الجوفية تختلط بمياه المجاري، وباتت غير صالحة للشرب. وقد تم الإعلان عن مصرع أكثر من اثني عشر ألفاً من البشر، وأكثر من هذا العدد، لا يزالون في عداد المفقودين. وذكر أن قوة الإعصار تماثل انفجار قنبلة هيروشيما يتكرر كل عشرين ثانية.
وقد اعترفت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، بعجزها عن معالجة الموقف، ووجهت نداءات للدول الشقيقة والمجتمع الدولي، للإسهام في عمليات الإسعاف وإنقاذ السكان المحاصرين في المدن التي تعرضت للإعصار.
أما الحدث الأخير، فهو الحرائق الضخمة التي شهدتها الجزائر، والتي مازالت مشتعلة مؤدية إلى أكل الأخضر واليابس، من الثروات الجزائرية، ولا تزال الأوضاع في بداياتها، ولم تتوفر بعد، أخبار دقيقة، عما ألحقته هذه الحرائق من خراب.
صحيح أن هذه الأحداث هي من صنع الطبيعة، لكن ذلك لا يعفي من المسؤولية. فالهزات الأرضية تحدث بهذا القدر في كثير من الدول، ولا تلحق ذات الأضرار حين تكون البلدان المستهدفة مستعدة لاستقبالها، سواء في شكل المباني أو في متانة البنية التحتية، أو في استخدام الوسائل العلمية للتنبؤ بشكل تقريبي بمواعيد حدوثها.
والأمر كذلك، لا يختلف عن الإعصار الذي ضرب الأراضي الليبية، فقد وفد هذا الإعصار من أوروبا، بالبلدان المواجهة لليبيا، ولم يشكل وصوله للأراضي الليبية مفاجأة للمسؤولين.
وكان بالإمكان إجلاء السكان، بشكل مؤقت عن المناطق التي يتوقع وصول الإعصار لها، أو على الأقل تحذير المواطنين، من مخاطره والطلب إليهم مغادرة المدن والبلدات المتوقع أن تكون هدفاً له. وبالمثل كان بالإمكان تفريغ السدود من مياهها بالبحر الأبيض المتوسط، فتكون نتائج الإعصار أقل كارثية.
الدعم العربي للأشقاء في المغرب وليبيا، مسؤولية أخلاقية وقومية ودينية، ليست فرض كفاية على دولة دون أخرى. وحين تحدث مثل هذه الكوارث، فينبغي التسامي فوق الخلافات السياسية، وألا تكون عائقاً من دون مدّ يد العون والمساعدة للإخوة. وبالمثل لا ينبغي من الدول المنكوبة، عدم قبول المساعدة من الأشقاء، تحت ذريعة السيادة.
وقد تكون مثل هذه الكوارث سببا لتضميد الجروح، ولكي تعود علاقات الأخوّة إلى ما ينبغي أن تكون عليه من سلام ومحبة ووئام، وليصدق القول المأثور بأن في كل شر خير. وأخيراً فليس لنا سوى التضرع إلى العلي القدير بأن يشمل برحمته الموتي، وأن يعجل في شفاء الجرحى، وأن يجعل ما جرى برداً وسلاماً على أهلنا في البلدين المنكوبين، إنه سميع مجيب.
********
الكوارث من رحم الفساد
عبد اللطيف المناوي
هرب الليبيون من الشاطئ خوفا من أمواج البحر المتوقعة نتيجة العاصفة؛ ليموتوا ضحايا لفساد صغير متراكم، تسبب في هدم السدود التي غدرت بهم وكان مفترضًا فيها أن تحميهم وتحمى مدينتهم.
انتهت العاصفة ومات من مات، وفُقد من فُقد، ومازال عدّاد الموت يتزايد.
انقشعت العاصفة لكن كشفت فسادًا بدا طوال الوقت صغيرًا ومسكوتًا عنه، وحاولت أطراف صرف النظر عنه في أعقاب الكارثة، لكن حجم المأساة أكبر من غض الطرف عنها.
السؤال الكبير الآن في ليبيا هو: هل كان من الممكن الحد من أعداد الضحايا الهائلة، لو كان هناك حرص وعناية يتمثلان في صيانة السدين المشؤومين اللذين تسببا بنسبة كبيرة في مقتل الآلاف، بدلًا من الصمت عن فساد ضياع أموال الصيانة؟.
«إذا ثبت تقصير قد ارتُكب من قبل المسؤولين عن هذه السدود (…) فسوف تباشر النيابة العامة كافة الإجراءات القانونية»، هذا تصريح لأحد المسؤولين الليبيين، لا يهم الآن اسمه، لأنه متكرر على ألسنة الأطراف المتنافسة التي لم تنجح الكارثة في أن توحدها حتى الآن، حتى لو خرج العشرات وقالوا غير ذلك.
فكل طرف– للأسف– يحاول أن يحقق الانتصارات السياسية الصغيرة على جثث الضحايا.
يوجد في ليبيا ستة عشر سدًا مائيًا موزعة على مدن مختلفة في شرق البلاد وغربها، تعرض معظمها للتخريب والإهمال وسرقة المضخات منذ العام 2011، وهو العام «كلمة السر».
صحيح أن الإهمال والفساد كان سابقًا، إلا أنه منذ هذا العام بدأ مسلسل استشراء الفساد والتهاون الكبير حتى بأرواح الناس. ليس الفساد سرقة أموال، لكنه أيضًا يشمل تجاهل البحث العلمى الذي دائمًا ما يحذر من خطورة الأوضاع، ولكن لا يُسمع له.
لقد أشارت ورقات بحثية نشرها متخصصون خلال السنوات الماضية، إلى تعطل غالبية شبكات المياه المرتبطة بالسدود منذ قرابة 15 عاما، في ظل غياب أعمال الصيانة الدورية.
وأشار تقرير لديوان المحاسبة الليبى عام 2021 إلى صرف ميزانيات منذ عام 2007 لصيانة السدود، منها ميزانية مخصصة لـ«سد درنة»، إلا أن تلك الميزانيات صُرفت دون أن يتم إنجاز الغرض منها مع «مماطلة» المسؤولين، كما أشار التقرير.
والآن وبعد مقتل وفقدان الآلاف جراء انهيار السدود، أعلنت إحدى «حكومات» ليبيا تشكيل لجنة للتحقيق، وتقصى أسباب عدم صيانة السدود، وسرقة المضخات والمعدات طيلة السنوات الماضية.
بنت السدين شركة يوغوسلافية في سبعينيات القرن الماضى، لحبس مياه السيول في الوادى الذي يشق وسط درنة، وظهر أول التشققات عام 1998، وفى عام 2007 كلف نظام العقيد الراحل معمر القذافى شركة تركية بأعمال الإصلاح في السدين، وبسبب عدم توفير الأموال، بدأت الشركة أعمالها في أكتوبر 2010، قبل أن تتوقف بعد أقل من 5 أشهر، عقب أحداث 2011 التي أطاحت بالقذافى، ومنذ ذلك الحين، تُخصص ميزانية لإصلاح السدين كل عام، لكن لم تباشر أي من «الحكومات» العمل.
قد تكون المبالغ التي امتدت لها أيادى الفساد صغيرة مقارنة بموازنة دولة، لكن هذا الفساد الصغير في دولة انشغل من وضعوا أنفسهم في مواقع القيادة، حقًا أو وهمًا، بصراعاتهم وأهدافهم المحدودة قصيرة النظر، وتركوا الفساد الصغير ينتشر ويكبر، ليدفع ثمنه بسطاء البلاد.
___________