عبدالله الكبير

الطريق إلى توزيع عادل للثروات الوطنية واضح ومعروف، سلكته ولم تزل عشرات الدول، فهو طريق يقوم على أساس متين من قواعد دستورية، وميزانية سنوية تقترحها الحكومات، وتعتمدها البرلمانات، مع المتابعة والمراقبة والمحاسبة، من المؤسسات التشريعية والرقابية.

تتوافق مكونات الشعب، مهما بلغ مستوى تنوعه العرقي أو الطائفي أو القبلي، في مراحل التأسيس، على القواعد الأساسية التي ستقوم عليها أركان الدولة، ونوع النظام السياسي الأكثر ملاءمة، وعلى تنظيم إدارة العائدات، وانفاقها بمستوى عال من الدقة والحرص، ووفق خطط مدروسة، قائمة على إدراك مصادر الدخل، ومستلزمات تطويرها وديمومتها.

ويتم ذلك خاصة إذا كان اقتراب ثروة طبيعية مآلها النضوب، أو فقدان القيمة بمرور الزمن، ما يستدعي التركيز على البدائل والاستعداد لمرحلة مابعد النضوب، بتحول العالم إلى بدائل أقل تكلفة، وأكثر حماية للبيئة، مع اعتماد الضمانات كافية لمنع النهب والهدر للثروة الوطنية

الدعوات المحلية لإنشاء آلية لتوزيع العائدات بشكل عادل، تبدو منطقية في ظاهرها، مع هذا التفاوت الواضح في مستويات المعيشة، والفرز الطبقي المتسارع، بين من يملكون الملايين، وينعمون بمستوى معيشة مرتفع، وبين من يصارعون الأهوال ليؤمنوا حاجاتهم الأساسية.

غير أنها في الحقيقة ليست مطالبات تنشد معالجة هذا الخلل، وتقليص الفجوة بين أفراد شعب، يفترض أنهم متساوون في حقوقهم السياسية والاقتصادية، حتى وإن زعمت ذلك في خطابها.

إنما الهدف هو الاستيلاء على حصة أكبر من العائدات، لتعظيم النفوذ والاستمرار في حلبة السباق نحو السلطة.

فالشخصيات التي ترفع عقيرتها مطالبة بالتوزيع العادل للإيرادات، لم تخضع لأي محاسبة عما أنفقته، رغم ما تؤكده التقارير العديدة الصادرة عن ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية، عن التجاوزات والمخالفات طوال السنوات الماضية.

وللضغط من أجل تنفيذ هذا المطلب، تكرر إغلاق النفط، ولم يبحث أحد في نتائج هذه الاغلاقات، التي يزعم من يقفون وراءها أنهم ينشدون العدالة في توزيع الموارد.
لم يتساءل أحد بعد الخسائر الفادحة المترتبة عن الاغلاق.

هل تحقق مطلب التوزيع العادل؟

وهل تحصلت المناطق المهمشة والفقيرة على حصتها؟

بينما الحقيقة التي يدركها الجميع اليوم هو أن الاغلاق، والشعارات المرفوعة حوله بحملات إعلامية منظمة، ليست سوى وسيلة للابتزاز للظفر بقطعة كبيرة من الكعكة.

ولنتذكر شهادة المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، في حوار مع قناة الجزيرة. ” لا يمكن لك تقدير حجم النهب الحاصل في ليبيا وسرقة الأموال العامة في هذا البلد، الكثيرون يتمسكون بمناصبهم لأنهم يجنون الثروة، ويا ليتهم يعيدون استثمارها في ليبيا، بل يفعلون ذلك في الخارج أو يقومون بغسلها “.

ولأن الحال كما هو عليه، لم يتغير منذ مغادرة غسان سلامة لمنصبه كمبعوث خاص إلى ليبيا، فلا أحد يتصور أن الضجة حول عدالة توزيع الإيرادات سوف تنهي مسلسل النهب، بل لعلها دعوة تحمل في باطنها التوزيع العادل لهذا النهب بين الأطراف القوية المتناحرة.
أما الدعم الدولي والإقليمي فهو يقع على جهة دعم طرف، سيحصل على قدر مناسب من العائدات، أو لضمان استمرار حالة التوازن بين أطراف الصراع، وإزالة أي أسباب يمكن أن تؤدي إلى توترات ينبغي تجنبها في المرحلة الراهنة.

قد تظهر بعض النتائج العرضية من اللجنة المالية المشكلة حديثا، المكلفة بمتابعةالإيرادات والإنفاق، برئاسة رئيس المجلس الرئاسي، إذا تعاملت مع الملف فنيا وليس سياسيا، وكشفت عن نتائج عملها بشفافية.

فقد نرى أن الكثير من الادعاءات حول التهميش باطلة، أو أن هذا التهميش منتشر على طول البلاد وعرضها، وقد نكتشف أن جزءا لا يستهان به من الثروة، استحوذت عليه فئات وكيانات وشخصيات، تتزعم حاليا قيادة مطالب التوزيع العادل للعائدات، ولكنها تتحمل القدر الأكبر من المسؤولية عن إهدار الثروات وإفقار الناس.
في كل الاحوال، لن يسفر أي إجراء، ولن تجدي أي لجان، ولن تتحقق العدالة،

لا في توزيع الثروة، ولا في غيرها من الحقوق، طالما لم تنجز الانتخابات، ولم يخضع الفاسدون للمحاسبة، ولم تبنى مؤسسات حقيقية تحتكم إلى دستور،  يديرها مسؤولون يدركون أن جوهر عملهم هو خدمة الناس، وليس السباق نحو السلطة والمال.

_____________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *