عبد الله الكبير
انتهت مغامرة زعيم شركة فاغنر بسرعة، وعادت قواته إلى مواقعها بعد يوم عصيب للرئيس الروسي، والطبقة الحاكمة في موسكو.
أجمع المراقبون على وصف ما حدث بالتمرد، أي لم يكن ثورة، أو انتفاضة، أو انقلاب عسكري لقلب نظام الحكم، كما ذهبت بعض وسائل الإعلام، ولكنه بلا شك كان حدثا كبيرا، كشف حالة ضعف خطير، خلف واجهة تظهر فيها روسيا كقوة عظمى متماسكة.
تصريحات زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين حول تهافت مبررات الحرب على أوكرانيا، وأن كل ذرائع الغزو ليست سوى أكاذيب، روجت لها قيادات عسكرية للحصول على رتب عسكرية رفيعة، ومارست الخداع على الشعب وعلى القيادة، هي أخطر جوانب التمرد.
فالصعوبات التي يواجهها الجيش الروسي في أرض المعركة، وفشله في الحسم، أضعف معنويات الجنود والشعب، ومن ثم فهذه التصريحات من شخصية مطلعة، وقادمة للتو من أرض المعركة، وكان دور المجموعة التي يقودها حاسما في الكثير من المعارك، فضلا عن السيطرة على مدينة باخموت عقب فشل الجيش النظامي في اقتحامها، ستزيد من التشكيك في شرعية الحرب، وتضع معنويات الجنود على شفا الانهيار.
اختلفت النظرة إلى التمرد من خارج روسيا حسب نوع العلاقة والمصلحة والموقف، فالعالم كله تابع أحداث التمرد باهتمام غير عادي، لأن ما يجري في دولة عظمى لابد أن يصل تأثيره إلى كل القارات.
الدول الغربية بقدر ما ابتهجت بهذا التصدع في جدار موسكو، كانت قلقة على مصير ترسانة نووية ضخمة، أن تقع في أيدي غير مسؤولة، وإذا كان رهانها الأبرز على نهاية الحرب في أوكرانيا، بانفجار أزمة داخلية تطيح بالرئيس بوتن، فبالتأكيد ليس على يد عصابة إجرامية يقودها متهور.
تركيا راقبت الموقف حابسة أنفاسها، وربما كان الرئيس التركي هو الوحيد الذي أعلن بوضوح تضامنه مع بوتن، لأن المصالح المشتركة بينهما كبيرة، وأي تراجع لدور موسكو الدولي سيؤثر على مصالح تركيا.
ما هو مصير فاغنر بعد إنهاء التمرد، بتسوية غادر فيها زعيمها إلى المنفى في بيلاروسيا؟
هذا هو السؤال الأكثر أهمية بالنسبة لنا، لأن ليبيا هي إحدى الدول التي تنشط فيها هذه العصابة، وتسيطر على قواعد عسكرية مهمة، وساندت حفتر في محاولته الاستيلاء على العاصمة، وتسعى أمريكا وحلفائها لطردها من ليبيا، بتنفيذ انتخابات محلية تأتي بسلطة شرعية، تملك صلاحيات كاملة لتقود الجهود السياسية، والقيام بهذه المهمة، للحد من النفوذ الروسي في المنطقة.
من العسير معرفة مستقبل فاغنر بدقة، لكن القرارات السريعة بشأنها من قبل بوتبن تقدم بعض المؤشرات المهمة.
اتهام رئيسها بالخيانة وإبعاده، يعني تفكيك قيادتها الحالية، وإسناد قيادتها إلى شخصيات أخرى أكثر ولاء.
دعوة من يرغب من أفرادها إلى التعاقد مباشرة مع وزارة الدفاع، مع السماح للوزارة بتجنيد السجناء، يعني أن عملية التغيير وإعادة الهيكلة، ستكون شاملة ولن تقتصر على قياداتها فقط.
فاغنر قدمت خدمات مهمة لروسيا،
وهي جزء أساسي في استراتيجية التمدد الروسي في مناطق الصراع،
وقد ارتبطت بشبكات مالية وسياسية وعسكرية في مناطق عديدة من العالم،
وهي الذراع التي مكنت روسيا من التمدد في القارة الأفريقية بتكاليف قليلة،
وتحت سيطرتها مناجم ذهب وألماس في السودان وإفريقيا الوسطى ومالي.
ومن ثم يستبعد أن يتم تفكيكها وإنهاؤها، وسوف تستأنف نشاطها وتواصل تمددها، بعد تجاوز هذه الأزمة، ولكنها ستكون تحت إشراف مباشر من وزارة الدفاع والاستخبارات العسكرية.
وقد أكد سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي أمس “أن مجموعة فاغنر ستواصل عملياتها في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى…. إنهم يعملون هناك بصفة مدربين، بالطبع سيتواصل هذا العمل”.
____________