عبدالله الكبير

لاشئ أبغض من أن تكون أفعال الإنسان خاضعة لإرادة الآخرين

عمانويل كانط

إذا، لم يكن زهير جادا وهو يحذر من بعث الحرب إذ يقول :

 متى تبعثوها تبعثوها ذميمة … وتضر إذا ضريتموها فتضرم

***

فالحرب ليست سوى ضحكة أو مهزلة، مزحةحتى إذا دكت أحياء تغص بسكانها بكل أنواع الأسلحة، حتى إذا حوصر الآلاف بين النار والنار، بين الدم والدم.

ماهم السفهاء إذا استباح ملك الهزائم المدن، وأحالها إلى دمار وخرائب ومقابر جماعية، أيتام وأرامل وثكالى، نزوح وتهجير وظلام، رعب لا يفتر على مدى الخراب، مع كل رشقة صواريخ جديدة، وفيما تعوي مدافع ملك الهزائم، يتساءل من أخطأته القذائف :

هل سأنجو في القصف التالي؟

بيوت وشوارع ودمى أطفال حوّّلها المرتزقة إلى حقول ألغام، تمزق ضحاياها بعد توقف الحرب، 

الأمر لايعدو المهزلة. سيعود الأموات إذا، مادامت الحرب مزحة، منزلة بين منزلتين، الضحكة والمهزلة.

هيا استيقضوا، يكفي هذا المزاح الثقيل، فما كانت حربكم إلا مهزلة.

هل تلتئم جراح مصابين يضنو عليهم اللصوص بثمن الدواء؟ وتنتهي اعتصاماتهم وبياناتهم والآمهم، فيتوقفون عن تعاطي الترامادول؟

 كانت الحرب مهزلة، فهل يغادر الدليح العتمة الأبدية ويطفو مجددا على نهر الضوء؟

الحرب ليست سوى مهزلة. فليعانق أنيس أطفاله مرة أخرى، ضاحكا يقول لزوجه: هيا أهجري هذا السواد، وخذي زينتك، كانت مجرد مزحة مستقطعة من زمن المهزلة الكبرى، وقد ولت إلى غير رجعة

 وماذا عن الدعوة في خطابك بالبرلمان المصري للجيش المصري ليتدخل في ليبيا؟ أكانت تمرينا مبكرا للمهزلة؟

في زمن المهازل، لا عجب ولا غرابة أن تبارك نيران المهزلة، ونقف على شفير غزو خارجي، بدعوة كريمة من ولي أمرنا، من تسلم أمانة حفظ أرواحنا، وصيانة حدودنا من الانتهاك.

ولكن مثلك لايؤتمن على الأوطان،

ومثلك لا يتقدم الصفوف إلا في أزمنة الانحطاط، الأزمنة التي يكثر فيها الأدعياء، الذين يزعمون أنهم أعيان ووجهاء

 سأل أحدهم الأحنف بن قيس : من الذي يسود قومه يا أبا بحر؟ 

فأجابه : (من كان له دين يحجزه، وحسب يصونه، وعقل يرشده، وحياء يمنعه

وورد في المعجم العربي الجامع أن أعيان البلد تعني سادتها وأشرافها، أي الصفوة المستنيرة التي تتبوأ الصدارة بقوة وجدارة، يقدمهم الناس دون تدافع منهم، أو يزكيهم حاكم مستنير برضا الناس، وتصدر مواقفهم على قاعدة مصالح العباد

أما الأدعياء المزيفون في أزمنة الانحطاط، فلا أحد يعترف لهم بالسيادة والشرف.

هم يمنحون لأنفسهم ما لا يستحقونه، ينتحلون نسبا يسمو عن ضآلتهم،

ومثل خراف تتضور جوعا، يتزاحمون على كل الموائد،

ومثل تلاميذ بلهاء، يجلسون أمام مرتكب الجريمة الأخلاقية الكبري، ليصفقوا لأكاذيبه، ويؤيدوا مبرراته، في يوم سعده الأكبر، إذ يتوهم أنهم منحوه صك الغفران، إعلان البراءة من المهزلة

 بعد كل ما خلفته من مصائب، ألا تستحق المهزلة محاسبة مقترفيها؟

ألا تستدعي شرف الاعتذار، والجهر بتحمل المسؤولية كما يفعل الرجال؟ 

لن يأخذك الندم، ولن تشعر بالعار، ولن تخجل من ضحايا مهزلة حرب عبثية منحتها صك الشرعية، لأنها ليست في الحساب الأخير إلا نسل ملعون، يحل منتشرا أينما تسنم القيادة من لا يستحقها،

وتلك هي المهزلة الكبرى.

___________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *