كريمة ناجي
البرلمان أحال باشاغا إلى التحقيق وكلف وزير المالية تسيير المهمات ومراقبون يشككون في صحة القرار وتحذيرات من رؤوس حكم موازية.
صوت مجلس النواب الليبي في جلسة مغلقة بمدينة بنغازي شرق البلاد على حجب الثقة عن رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا وإحالته إلى التحقيق، وتكليف وزير المالية أسامة حماد بتسيير مهمات رئاسة الوزراء إضافة إلى مواصلة عمله على رأس وزارة المالية، وفق المتحدث الرسمي باسم البرلمان عبدالله بليحق.
القرار يأتي مباشرة بعد توجيه باشاغا مكتوباً رسمياً يعلم فيه البرلمان بمنح نائبه على القطراني جميع الصلاحيات لرئاسة الحكومة بدلاً منه.
وفقدت حكومة باشاغا التي تتخذ من الشرق الليبي مقراً أنصاراً لها بسبب فشلها في دخول العاصمة الليبية طرابلس لممارسة مهماتها على رأس السلطة التنفيذية، إذ رفض رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة تسليمها إلا بعد إجراء الانتخابات.
وفشل باشاغا في الحصول على التمويلات المالية على خلفية رفض مصرف ليبيا المركزي الذي يتموقع بطرابلس، منحه موازنة تقدر بـ89 مليار دينار، أي نحو 18 مليار دولار، كان وافق عليها مجلس النواب في يونيو (حزيران) الماضي، ليتجه باشاغا لخفض الموازنة إلى 57.5 مليار دينار (11.5 مليار دولار) بداية العام الحالي، غير أن البرلمان رفض اعتمادها بسبب “ضخامة أرقامها“.
واختار مجلس النواب الليبي في الـ10 من فبراير (شباط) 2022 وزير الداخلية السابق بحكومة فائز السراج بطرابلس فتحي باشاغا رئيساً جديداً للحكومة، وهو القرار الذي قابلته الأمم المتحدة بمواصلة دعمها لحكومة الدبيبة.
تجاوز اللائحة
من جهته وصف عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة قرار حجب الثقة عن باشاغا وإحالته إلى التحقيق بـ“المتسرع وغير الصحيح“، وقال لـ“اندبندنت عربية” إن “القرار تجاوز اللائحة الداخلية للمجلس لأنه كان يجب أن يمر بثلاث جلسات حتى يكون صحيحاً، فالأولى للمساءلة والثانية للتقييم، أما الجلسة الثالثة فيتخذ فيها القرار“.
وأضاف أن “ما حدث اليوم من البرلمان هو عبارة عن قفز إلى جلسة القرار مباشرة، وهو تجاوز للوائح الداخلية التي تنظم عمل مختلف البرلمانات في كل دول العالم“، منوهاً بأن باشاغا لم تصرف له موازنة حتى يحال إلى التحقيق.
أما عضو مجلس الدولة عادل كرموس فأكد في حديثه إلينا أن “هذا القرار جاء بسبب رفض باشاغا الانغماس في ملفات فساد مالي مع مجموعة من النواب التي مارست عليه هذه الضغوط لإجباره على التنحي أو الإقالة“.
ما ذهب إليه كرموس يؤيده الدبلوماسي السابق خالد نجيم الذي قال إن “إقالة باشاغا جاءت بسبب تضارب المصالح بينه وبين نواب لا يتجاوز عددهم 15 نائباً وهم من حضروا جلسة اليوم التي تعتبر غير صحيحة بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، وهو ما أدى إلى الطعن فيها من بقية النواب الذين لم يحضروا“.
وأبرز الدبلوماسي السابق أن “تعيين رئيس جديد للحكومة الوطنية سيخلط الأوراق ويخلق بذلك رأس حكم موازياً، باعتبار أن قرار باشاغا بتكليفه لنائبه علي القطراني لقيادة الحكومة الوطنية بدلاً منه سابق لقرار البرلمان“.
ولم يخف نجيم تخوفه من “ولادة انقسامات تشريعية وسياسية جديدة ستلقي بظلالها على العملية الانتخابية، بخاصة أن بوادر الانقسام الحقيقي بين الشرق والغرب اكتملت الآن بتعيين رئيس حكومة من الشرق (أسامة حماد) بديلاً لباشاغا الذي ينحدر من القطب الغربي (مدينة مصراتة)، الذي كان وجوده على رأس حكومة الشرق بمثابة الضامن على عدم وجود رأسي سلطة تنفيذية واحد من الغرب والآخر من الشرق“.
إرباك الانتخابات
القرار يأتي في وقت حرج دولياً ومحلياً إذ تنشغل ليبيا بظروف سياسية وأمنية تتمثل في إنهاء المراحل الانتقالية والذهاب نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية، ومحاولة تأمين حدودها مع السودان الذي يواجه حرباً أهلية قد تأتي على الجنوب الليبي بأكمله، بحسب ما ذهب إليه الباحث بالشؤون السياسية والأمنية محمود الرملي.
وشدد الرملي على أن “هذا القرار سيربك خطة الأمم المتحدة، بخاصة أن مبعوثها عبدالله باثيلي حاول أن يصيغ جزءاً من مشهدها بتأكيده على إمكانية الذهاب نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال هذا العام، لكن يبدو أن الأمر أصبح مستبعداً بدخول ليبيا مرحلة جديدة من الانقسام السياسي، لا سيما أن لجنة (6+6) من البرلمان ومجلس الدولة لم تنجز حتى اللحظة أي توافقات قانونية حتى تكون لدينا قاعدة دستورية تجرى وفقها الانتخابات“.
وأوضح الباحث أن إقالة باشاغا وإحالته إلى التحقيق من مجلس النواب وتعيين بديل عنه سيولد انفصاماً بين المجموعة التي يترأسها قائد القوات المسلحة بالشرق خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح، ومجموعة أخرى من النواب توجهت نحو إنشاء حكومة ثالثة برئاسة وزير المالية أسامة حماد.
ونوه الرملي بأن “الجهود الدولية منقسمة بين التمديد لعبدالحميد الدبيبة كرئيس حكومة شاملة، بينما هناك مفاوضات أخرى تجري بالقاهرة من أجل إعلان حكومة جديدة قادرة على بسط نفوذها على كامل التراب الليبي، بخاصة أن المبعوث الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند أكد في اجتماعه الأخير مع رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة على ضرورة معالجة إشكال السودان بإيقاف الإمدادات النفطية من الشرق الليبي نحو عناصر الدعم السريع التي تحارب الجيش السوداني“.
وأضاف الرملي أن “حكومة الدبيبة غير قادرة على تلبية مطلب المبعوث الأميركي باعتبارها لا تسيطر على كامل التراب الليبي، وهو ما يوحي بضرورة وجود حكومة جديدة موحدة من أجل السيطرة على الحدود الجنوبية الليبية التي تستغلها فاغنر الروسية في تنفيذ أهدافها التوسعية بشمال القارة الأفريقية مما يتعارض مع السياسة الأميركية“.
____________
نهاية متوقّعة لحكومة باشاغا
سمير حمدي
أعلن مجلس النواب الليبي عن إيقاف فتحي باشاغا عن رئاسة الحكومة وإحالته إلى التحقيق. وذلك بعد سنة كاملة من إقرار الحكومة الموازية في مارس/ آذار 2022، بمثابة إقرار لأمر واقع، أن الحكومة التي دعمها البرلمان لتكون بديلا لحكومة عبد الحميد الدبيبة كانت خيارا فاشلا ولا يملك شروط النجاح ولا الاستمرارية.
بعد عجز قوات خليفة حفتر عن الدخول إلى العاصمة طرابلس، وفرض واقع سياسي جديد، ظهر توجّه لدى حلفائه السياسيين نحو البحث عن شخصية سياسية نافذة في المنطقة الغربية يمكن من خلالها حكم كامل الجغرافيا الليبية، وهكذا جاء فتحي باشاغا الذي كان وزيرا للداخلية في حكومة الدبيبة، ليكون في نظر البرلمان الليبي، ومن خلفه حفتر، العصفور النادر الذي سيتمكّن من الدخول من العاصمة باعتبار نفوذه السابق في المنطقة الغربية.
ومع فشل محاولات فتحي باشاغا في الدخول إلى طرابلس، فقد فعليا الورقة التي كان يساوم بها من أجل فرض استمراره رئيسا لحكومة محاصصة ولدت منذ البداية وفق شروط ضامنة لاستمراريتها، أي أن يقبل البرلمان بشخصية كانت مناوئة لها مقابل أن يضمن هذا الحليف مفاتيح طرابلس.
واقعيا، يظل فتحي باشاغا الخاسر الأكبر من الناحية السياسية، باعتباره قد فقد نفوذه التقليدي في المنطقة الغربية. وفي الوقت ذاته تخلى عنه حلفاؤه المفترضون، بل وأصبح مطلوبا لديهم بتهم الفساد وسوء التصرّف في الميزانية.
ولم تكن الحكومة التي قادها باشاغا قادرة على أن تنجز شيئا مهما في ظل أنها مجرّد سلطة موازية لا تحظى باعتراف دولي، وفشلت في الحكم من طرابلس، ولم تكن قادرة على حكم المناطق الخاضعة لخليفة حفتر الذي كان الحاكم الفعلي، ولم يتنازل عن سلطاته الواسعة في إدارة الجغرافيا الخاضعة لقواته. في المقابل، تواصلت المساعي لإيجاد نوع من التفاهمات بين عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر للوصول إلى نوع من السلطة المشتركة، وصولا إلى الإدارة المشتركة للبلاد في انتظار إنجاز الانتخابات المؤجلة.
ما يجري في ليبيا حاليا مجرّد فصل جديد من التنازع بين الأطراف المختلفة
سيولة الواقع السياسي وتغير التحالفات بشكل دائم والتدخل الدولي الذي يحاول ترتيب المشهد الليبي وفق المصالح الإقليمية والدولية المتضاربة أفضت إلى التضحية بشخصيات سياسية متعدّدة لصالح اللاعبين الأساسيين المدعومين خارجيا.
ومثلما جرى التخلي عن رئيس الحكومة الموازية في الشرق، عبدالله الثني، لصالح حكومة فتحي باشاغا، جرى التخلي عن هذا الأخير في ظل ما يتواتر من أخبار عن المفاوضات الحاصلة في القاهرة بين أحد أبناء خليفة حفتر وممثلي قوى موالية لرئيس حكومة طرابلس، عبد الحميد الدبيبة وهو أمر ستكون له تبعاته السياسية على الأرض.
ولعل استبعاد فتحي باشاغا هو أحد مظاهرها الأولية، فالأزمة الليبية متشابكة ومعقدة باعتبار طبيعة التجاذبات التي تتدخّل في صناعتها، فبالإضافة إلى القوى السياسية، ثمّة تأثير المليشيات المسلحة في الشرق والغرب والاعتراف الدولي الذي تحظى به حكومة الوحدة الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
وإذا أضفنا إليها مشكلات صياغة الدستور الجديد والقانون الانتخابي وما يتداول من حديثٍ عن البطاقات الوطنية المزوّرة، والتي سيكون لها أثرها على أي عملية انتخابية، فإن الوضع الليبي مرشّح لمزيد من التعقيد ولا يمكن توقع انفراجة قريبة، فالانتخابات أصبحت بعيدة عن التحقّق، فشروطها اللازمة غير متحققة، بل ولا توجد جهود فعلية لتحقيقها.
محاولة بعض القوى الدولية إيجاد نوع من التوافق بين خليفة حفتر وحكومة عبد الحميد الدبيبة حتى وإن ساهمت في تعديلات حكومية وفق محاصصة بين الطرفين، فإنها في الواقع لن تؤدّي إلى حل نهائي للأزمة الليبية، لسببين: محاولة استبعاد القوى المسلحة في الغرب الليبي من أي صفقة سياسية لن يُكتب لها النجاح. والانتخابات لن تتحقق بمجرّد الاتفاق بين هذين الطرفين، وإنما ينبغي أن تتوفر شروطها القانونية والواقعية.
ما يجري في ليبيا حاليا هو مجرّد فصل جديد من التنازع بين الأطراف المختلفة، وستستمر فوضى التجاذبات وحالة التنازع على النفوذ بين القوى المحلية المختلفة والجهات الدولية الداعمة لها، على أمل الوصول إلى نوع من الحل التوافقي المفروض دوليا، والذي يحفظ لكل القوى مصالحها بعيدا عن فكرة المغالبة التي تفترض هيمنة طرفٍ محدّد على ليبيا وإقصاء بقية الأطراف الأخرى.
____________