استضافت السفارة الأميركية في ليبيا، الإثنين، حفل إفطار رمضاني أدّت فيه فرقة “أمران تينيري” الطارقية الشهيرة محلياً مقاطع موسيقية لقيت إشادة البعثة الدبلوماسية هناك.
ونشرت السفارة صورا من الحفل على صفحتها بـ“فيسبوك” وأرفقتها بتدوينة قالت فيها “خالص شكرنا لأصدقائنا الليبيين على حضورهم حفل الإفطار هذا الشهر وجعله احتفالاً رائعاً بشهر رمضان والتنوع والتماسك الاجتماعي والسلام“.
وأضافت: “نعرب عن امتناننا للفرقة الليبية الأسطورية إمران تينيري على أدائها الرائع لموسيقى الطوارق التقليدية“.
وتُعد ليبيا ضمن البلدان المغاربية ذات التعدد العرقي، إذ يتكون النسيج الاجتماعي المحلي من أربعة مكونات عرقية.
العرب
في 2020، قدرت بيانات البنك الدولي عدد سكان ليبيا بنحو 6.87 مليون نسمة.
ويُعد العرب المجموعة الإثنية الأبرز في البلاد، إذ ينتشرون في معظم مناطق البلاد، خاصة في الشرق والجنوب.
ورغم وجود إحصائيات رسمية، إلا أن أرقاما توفرها منظمات دولية متخصصة في تعقب الإثنيات العرقية عبر العالم تشير إلى أن نحو 90 في المئة من السكان يعتبرون أنفسهم عرباً.
وليبيا، مثل باقي بلدان المنطقة المغاربية، تعرّف نفسها كبلد عربي، وهي أيضا عضو في جامعة الدول العربية.
والواقع أنه خلال حقبة الدكتاتور القذافي، لم تكن ليبيا تعترف بوجود مكونات أخرى غير العرب.
وخلال أربعة عقود من حكم القذافي، كانت الأقليات الأخرى – مثل الأمازيغ – يتكلمون لغتهم في المنزل أو في الشارع، ولكن بشكل سري، ودائما بعيدا عن آذان الشرطة أو المؤسسات الحكومية أو الإعلام.
الأمازيغ
يشكل الأمازيغ نحو 10 بالمئة من السكان، ويعيشون خصوصا في الجبال الواقعة غرب طرابلس أو في الصحراء الجنوبية.
وبحسب بعض التقديرات فإن أعدادهم في جبال غرب البلاد تصل إلى 50 في المائة، خاصة في زوارة ونفوسة.
ومنذ سقوط القذافي في 2011 أصبحت مطالبهم أكثر إلحاحا، خاصة وأنهم ساعدوا الثوار في الوصول إلى طرابلس إبان الثورة.
وفي الوقت الراهن، يرفرف العلم الأمازيغي في أماكن عدة يقطنها الأمازيغ، ويجاهر أفراد هذه الأقلية بموروثهم اللغوي.
وتحرص حكومة طرابلس، المعترف بها من الأمم المتحدة، على إرضاء المجتمع الأمازيغي، بتوفير كتب مدرسية بلغتهم الأصلية، دون جعلها لغة رسمية بعد، بحسب تقرير سابق لـ“فرانس برس“
وفي مسودة الدستور التي أقرها البرلمان، ولكنها بقيت حبرا على ورق حتى الآن، تم الاعتراف باللغات التي تتحدثها مختلف المجموعات وخصوصا الأمازيغية، كجزء من التراث الليبي.
لكن اللغة العربية تظل اللغة الرسمية الوحيدة.
التبو
إذا كان الأمازيغ ينتشرون في معظم بلدان شمال أفريقيا، فإن التبو استوطنوا الجزء الأوسط من الصحراء الكبرى الأفريقية، على امتداد الجزء الجنوبي من ليبيا والأجزاء الشمالية والغربية الوسطى من تشاد، وشمال شرق النيجر وأقصى شمال غرب السودان.
وتتواجد قبائل التبو في منطقة تيبستي، وهم رحل من ذوي البشرة السوداء ومختلفون عن الأمازيغ والطوارق.
يتألف التبو من قبيلتين أساسيّتين هما: التدّا والدازا، تتحدث القبيلتان لغة خاصة بكل منهما لكنهما متشابهتان كثيرا، اختلطتا باللغات الأفريقية والعربية والأمازيغية.
تُعرف هذه القبائل بتسميتين هما: “التّبو” و“القُرعان“.
يدين “التبو” بالإسلام على اختلاف عشائرهم، وهم متصوّفون (طريقة إسلامية في التعبّد).
ومثل الأمازيغ، تعرّض “التّبو“، خلال فترة معمر القذافي، للاضطهاد، إذ تم تجريد عدد منهم من جنسياتهم ومنعهم من التعليم والصحة بذريعة أنهم تشاديون، رغم أنهم يعتبرون أنفسهم ليبيين ويحتفظون بمستندات ثبوتية قديمة.
في نهاية سنة 2018، رفضت قبائل التبو مشروع الدستور الليبي الجديد، وقالوا إن مضمونه “إقصائي ولا يمثل كافة مكونات الشعب الليبي“.
الطوارق
مثل التبو والأمازيغ، تتفرق إثنية الطوارق بين دول عدة في الصحراء الكبرى.
رغم أن البعض يصنف الطوارق والأمازيغ في خانة واحدة، إلا أن الإثنيتين متنوعتان لغويا وثقافيا.
وقد اختُلف في أصولهم، منهم من يرجع نسبهم إلى قبائل صنهاجة الأمازيغية، كابن خلدون، بينما يقول آخرون إنهم أحفاد “الجرمنتيين” الليبيين الذين سكنوا الصحراء الكبرى.
ولا توجد أعداد كبيرة من الطوارق في ليبيا، إذ يتركزون بالخصوص في الجنوب الغربي، حول واحات غدامس وغات وجبال أكاكوس.
في عهد القذافي، سُمح لبعض طوارق ليبيا بالحصول على أوراق ثبوتية، لكن ظل جزء كبير منهم بدون جنسية، لأن بعض الدوائر الرسمية كانت تعتبرهم يتحدرون من دول أخرى كالنيجر ومالي.
ووفق تقرير سابق لوكالة رويترز، فإن أعدادهم في ليبيا تتجاوز نصف المليون نسمة بقليل.
ويطالب ممثلو الطوارق – رفقة الأمازيغ والتبو – بإدماجهم في العمل السياسي، مؤكدين تحفظهم على مشروع الدستور الليبي، إذ اعتبروا أن مضمونه “يقصي باقي مكونات الشعب الليبي“.
وتنص المادة 30 من الإعلان الدستوري لعام 2011 على أن تنتخب الهيئة التأسيسية المتكونة من 60 عضوا بالتساوي بين الأقاليم الثلاثة. وخصص هذا القانون ستة مقاعد فقط للمكونات الثقافية الليبية.
*********
طوارق ليبيا… رحلة البحث عن الهوية
طالبوا البعثة الأممية بـ«إنهاء تهميشهم»
منذ اسقاط القذافي وقبائل الطوارق في ليبيا تبحث عن حل لأزمتها المتعلقة بعدم حصول كثير من الأسر على الجنسية، بالإضافة إلى حقهم في الحياة السياسية بوصفهم جزءاً من النسيج الاجتماعي للبلاد.
وخلال لقاء جمع وجهاء الطوارق وممثلي المجتمع المدني بنائب الممثل الخاص للأمين العام للشؤون السياسية، رايزدون زينينغا، مساء (الأحد) في مقر البعثة الأممية، أعاد ممثلو الطوارق طرح قضيتهم من جديد، مطالبين الأمم المتحدة «بإنهاء تهميشهم الممتد منذ سنوات».
وإلى جانب التبو والأمازيغ، يعد الطوارق من المكونات الثقافية في ليبيا، وسط اختلاف حول جذور نسبهم، بين من يُرجعهم إلى قبائل «صنهاجة» الأمازيغية، أو «الجرمنتيين» الليبيين الذين سكنوا الصحراء الكبرى، لكنهم يبحثون عن استكمال «هويتهم المنقوصة».
وفي عهد القذافي، سُمح لبعض أُسر الطوارق في البلاد بالحصول على أوراق ثبوتية، لكن يظل الجزء الأكبر منهم من دونها لاعتبارات كثيرة، من بينها الاعتقاد بأنهم ليسوا ليبيين وينتمون إلى دول مثل مالي والنيجر، وعلى الرغم من أن بعضهم يحمل «أرقاماً إدارية» لكنها لا تمكّنهم من حقهم كمواطنين في المشاركة في أي انتخابات.
وقالت البعثة الأممية إنه «في إطار مبادرة الممثل الخاص للأمين العام عبد الله باتيلي، لتمكين الانتخابات، جاء استقبال وجهاء الطوارق وممثلي المجتمع المدني الذين عرضوا وجهات نظرهم وشواغلهم».
ونقلت البعثة عن ممثلي الطوارق «دعمهم الكامل لمبادرة الممثل الخاص للأمين العام». وبينما دعوا إلى إجراء انتخابات «دون مزيد من التأخير»، شددوا «على ضرورة إشراك المكونات الثقافية في العملية السياسية، والتمثيل المتساوي للجنوب في المؤسسات الليبية».
ومع كل مبعوث أممي جديد إلى ليبيا يعرض الطوارق أزمتهم عليه علّهم يجدون حلاً، وسبق لهم أن عرضوا شواغلهم على المستشارة الأممية السابقة ستيفاني ويليامز، وقالوا إن «هناك الآلاف من الطوارق لم يحصلوا على الرقم القومي، مما يَحول دون ممارستهم حقوقهم السياسية أو تسلم رواتب المتقاعدين منهم أو الحصول على جوازات سفر أو إمكانية الاستفادة من المرافق التعليمية والرعاية الصحية».
وكشفت البعثة أن وفد وجهاء الطوارق أكد «مجدداً على مطالبهم طويلة الأمد بشأن المحرومين من المكونات الثقافية في الجنوب بمنحهم الحقوق الكاملة كمواطنين، وضمان تمثيل المرأة في البرلمان من خلال حصة 30 في المائة».
وأكد نائب الممثل الخاص للأمين العام، للوفد، دعم بعثة الأمم المتحدة لإيصال رسائلهم إلى القادة الليبيين والمؤسسات ذات الصلة.
وفور إعلان المبعوث الأممي عن مبادرته للانتخابات الليبية، أبدت قبائل الطوارق تأييدها، ودعت إلى تمثيلهم في أي لجان سياسية لحل الأزمة في البلاد.
وقالوا في بيان حينها وقّعت عليه 15 شخصية، من بينهم عبد القادر يحيى وإبراهيم كرنفودة، عضوا مجلس النواب عن أوباري، ومحمد أوخه سيدي علي، عضو المجلس الأعلى للدولة: «لن نعترف بأي أجسام سياسية أو تشريعية أو تنفيذية بما فيها لجان الحوار السياسي لا نكون فيها ممثلين تمثيلاً حقيقياً نابعاً من إرادة حرة لمجتمعنا المحلي».
وزادوا: «صبرنا بما فيه الكفاية، وآن الأوان لإنهاء سياسات الإقصاء والتهميش والظلم الواقع على أبناء مجتمعنا؛ ولا بد من الشروع في إقامة تنمية مستدامة في مناطقنا، وإشراكنا في بناء وطننا ومؤسساته السيادية بشكل حقيقي وعادل».
ودعا الموقّعون على البيان إلى ضرورة تنفيذ ما جاء في الفقرتين (2) و(8) من المادة الأولى من الاتفاق السياسي المُوقَّع في جنيف على خريطة الطريق للحل الشامل في ليبيا بشأن معالجة مسألة الأرقام الوطنية قبل الانتخابات القادمة، رافضين تجاهل ما جاء في هذه الفقرة من الجهات التنفيذية، مطالبين أيضاً بإشراك أسرهم المقيدة في السجلات المؤقتة بمصلحة الأحوال المدنية كما شاركت في انتخابات «المؤتمر الوطني» سنة 2012.
كان عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، قد تحدث عن حقوق الطوارق في الحصول على الأرقام الوطنية، وقال: «الأمازيغ مهمّون، ونعرف إخوتنا في الطوارق والتبو ماعندهمش أرقام وطنية، وهم ليبيون يعتزّون بليبيتهم، وشكَّلنا لجنة من أجل ذلك».
___________