عمر الكدي

لم تتوافق حركة حماس وحركة فتح على اقتسام السلطة في بلد محتل.

طردت حماس ممثلي السلطة من قطاع غزة فهربوا نحو العدو المشترك، الذي اوصلهم مشكورا إلى معقل السلطة في رام الله.

ومنذ ذلك الحين فشلت كل الوساطات لرأب الصدع بين قطاع محاصر، وسلطة صورية لا تملك الا التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال.

فإذا حدث هذا مع شعب محتل ومحاصر وكل يوم يسقط منه القتلى والجرحى، وتسرق أرضه ويزج بابنائه في سجون أبشع احتلال في التاريخ، فماذا حدث بين الأحزاب العربية؟

تقريبا ما حدث في البلدان العربية لم يحدث في أي مكان آخر في العالم.

حزب البعث العربي الاشتراكي يصل إلى السلطة في العراق وسوريا، وبالرغم من أن الحزب في البلدين ظل يرفع شعار وحدة حرية اشتراكية، إلا أن نفس الحزب نجح في إقفال الحدود بين البلدين طوال عقدين، حتى جاء تنظيم داعش وفتح الحدود عنوة، فعلى الأقل التنظيم الإرهابي كان أكثر إخلاصا لإسمه الرسمي الدولة الإسلامية في العراق والشام“.

وبالرغم من اتفاق الطائف لم ينجح الفرقاء اللبنانيون في التوافق على أي شيء، ولا يزال منصب الرئيس شاغرا في قصر بعبدا، بينما رئيس حكومة تصريف الأعمال لا يستطيع تمكين قاضي التحقيق في تفجير ميناء بيروت من استكمال عمله، ولم ينجح رئيس مجلس النواب المؤبد نبيه بري الإ في إلقاء القبض على هانيبال القذافي.

والفرقاء السودانيون لم يتوافقوا فيما بينهم وبين العسكر على المرحلة الانتقالية، بينما البرهان وتابعه حميدتي يتخذان قرارات سيادية لابد من الرجوع للشعب لتمريرها، مثل الموقف من سد النهضة والتطبيع مع إسرائيل.

فعاصمة اللاءات الثلاثة ابتلعت خرطومها وتقيأت نعمات ثلاث.

كادت الثورة السورية أن تنجح في إسقاط نظام الأسد، لولا عدم التوافق بين ممثليها الذين تنوعوا بين العلمانيين والقوميين والإخوان والتنظيمات الإرهابية، قبل أن يتدخل الروس والحرس الثوري الإيراني.

وفي تونس أقفلت دبابة واحدة البرلمان المنتخب الذي تحول إلى سيرك، تقدم فيه كل يوم عبير موسي نمرتها، ويدعو رئيسه الغنوشي كلما اندلع اشتباك بين النواب للصلاة على النبي.

أما برلمان الأردن فتحول إلى حلبة مصارعة حتى إن اللجنة الأولمبية فكرت في تنظيم مسابقة للمصارعة البرلمانية.

أما اليمنيون فحدث ولا حرج. معارضة منقسمة بشدة.

بعضها يريد الانفصال بالجنوب.

بعضها موالٍ للسعودية وأخرى موالية للإمارات.

والحوثيون يموتون من أجل آيات الله في إيران.

وفي ليبيا تحول الفرقاء إلى عملاء لروسيا وتركيا وجميع القوى الإقليمية.

وفي تونس ضاعت مكاسب الثورة القليلة عندما لم يجد الشعب ما يأكله في الأسواق، ونكاية في حركة النهضة تحالف العلمانيون مع انقلاب قيس سعيد.

ليس هناك استثناء سوى في المغرب، عندما حكم حزب العدالة والتنمية ورحل بهدوء عندما خسر في الانتخابات.

ليست المشكلة في الإسلام وإلا لماذا ينجح الأتراك والماليزيون والأندنوسيون في التحول نحو الديمقراطية ويفشل العرب؟

ولماذا تصر بعض الأحزاب العربية على تسمية نفسها بحزب الله وأنصار الله؟ لماذا أدخلوا الله إلى البرلمان والجبهات المشتعلة؟

عندما تواجهني في البرلمان باعتبارك حزب الله فسأصمت وإلا اتُهمتُ بأنني من حزب الشيطان.

بمثل هذه العقلية لا يمكن بناء توافق لنحقق جميعا مصالحنا أو على الأقل يمكننا العيش المشترك.

حدثت مراجعات بين الكثير من اليساريين والقوميين اتسمت بالنقد الذاتي، والقبول بالديمقراطية الليبرالية.

ولكن هذه المراجعة لم تحدث بين الإسلاميين، إلا إذا اعتبرنا ما فعله تنظيم الجهاد في السجون المصرية مراجعة، أو ما فعلته الجماعة الإسلامية المقاتلة في سجون القذافي قبيل ثورة فبراير بعدة أشهر.

فأي مراجعة تحدث في السجون لا يمكن اعتبارها مراجعة صادقة، كما أن مراجعة يشرف عليها علي الصلابي الهدف منها تأكيد العودة إلى حضن جماعة الإخوان، التي خرجت من جلبابها كل هذه التنظيمات المتطرفة، قبل أن تلتقطها أجهزة المخابرات وتوجهها حيث تريد.

ما الفرق بين ما ظهر عليه عبد الحكيم بالحاج وسامي الساعدي وخالد الشريف بعد خروجهم من السجن، وهم يرتدون البدل العربية؟ ومظهرهم خلال وبعد ثورة فبراير.

لا أحد منهم تغير إلا بالحاج الذي طلّق زيه الأفغاني واستراح في زيه الأوروبي، بعد أن نبتت له أجنحة سلامة.

حتى أنصار النظام السابق لم يجروا مراجعة بالرغم مما ارتكبوه خلال أربعة عقود من جرائم.

لا شك أن بينهم وطنيين ولدي معلومات مؤكدة أن ثورة فبراير لو لم تحدث في موعدها، كان من الممكن أن يقودها من الداخل شخصية مثل عبد القادر البغدادي الذي كان ناقما على القذافي وأبنائه.

ففي السنوات الأخيرة ومنذ أن ظهر القذافي في أزيائه الفلكلورية المضحكة، بدأ الرفاق والحواريونفي المراجعة، وإن اختلفت الحسابات.

فبعضهم اصطف مع المعتصم لمواجهة رعونة سيف وما قد يسببه لإغراق المركب بمن فيه.

وبعضهم رأى أن القذافي تغير بالكامل ولم يعد وفيا للشعارات التي رفعها منذ وصوله إلى السلطة.

وانتهى القذافي وهو يستجدي الليبيين أن يتركوه مثل إمبراطور اليابان أو الملكة اليزابيث.

كما لم نسمع مراجعة من المعارضة الليبية وفي مقدمتها الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، التي تخلى عن أمانتها محمد المقريف لصالح صهره إبراهيم صهد قبل أن تنتهي عند الضراط، ثم تركت لأي عابر سبيل.

الخلاصة، لا يمكننا بناء مستقبل دون مراجعة شجاعة.

الليبيون بعد الاستقلال لم يراجعوا مرحلة الجهاد، فاندمج في الدولة الوليدة الذين حاربوا الإيطاليين والذين حاربوا مع الإيطاليين، لذلك كانت الدولة هشة وعصفت بها أول ريح.

____________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *