عمر أبو القاسم الككلي
لا أعتقد أن ثمة، على الإطلاق، قطاعا من شعب ما يكره عاصمة بلاده، وحتى يحقد عليها وعلى أهلها، مثلما هو الأمر مع الشعب الليبي (الذي أبهر العالم!).
إذ يظهر علينا، بين الحين والحين، من يطالبون بتغيير عاصمة البلاد انطلاقا من تعصبات جهوية، وليس من تعليلات وتحليلات ذات وجاهة موضوعية تمكن مناقشتها بهدوء ورصانة.
بعض هذه الأصوات تنطلق من دعوى “التهميش” الذي يُزعم أنه حصل في فترة حكم القذافي. والحقيقة أن القذافي لم يولِ عناية خاصة بطرابلس، كإقليم أو مدينة، على حساب إقليم آخر أو مدينة أخرى على مستوى التنمية الاقتصادية أو الصناعية أو البنية التحتية.
صحيح أنه وضع قيودا جائرة جعلت من طرابلس، لفترة طويلة، مركزا إداريا حتى في بعض المسائل التي لا تستدعي مركزة من هذا النوع.
لكنه كان، فعليا، معاديا لمدينة طرابلس وحاول نقل العاصمة إلى مدينة سرت.
***
ولعل آخر مقال بخصوص إيجاد عاصمة لليبيا بديلة عن طرابلس هو مقال فرج نجم “معضلة العاصمة في ليبيا وحلها في فكر العنيزي“*.
فرج نجم كان يتحدث عن رؤية الدكتور علي نور الدين العنيزي للمسألة [يسميها فرج نجم المعضلة]، لكن الرؤية المطروحة تمثل، ضمنيا وبوضوح، موقف فرج نجم الشخصي، وذلك من خلال الأمثلة التي حشدها لدعم رأي العنيزي، وبالتالي، رأيه هو شخصيا.
يقول فرج نجم “فتغيير العاصمة ليس بالأمر الجديد على الأمم الحية“.
إن وصف الأمم التي تغير عواصمها بكونها أمما حية يستبطنه القول بأن الأمم التي لا تغير عواصمها لا تعد أمما حية، وبما أننا نريد أن تكون الأمة الليبية أمة حية علينا، إذن، أن نلغي عاصمية طرابلس ونمنحها لمدينة أخرى.
يورد فرج نجم في سياق الأمم الحية التي غيّرت عواصمها حزمة من أمثلة تغيير العواصم قديما وحديثا، “ففي صدر الإسلام تغيرت العاصمة من مكة إلى المدينة ثم الكوفة ومن ثم دمشق في بحر 40 سنة” شخصيا لم أسمع بوجود دولة كانت عاصمتها مكة، أما المدينة فكانت نواة دولة وليدة ولم تصبح عاصمة إلا بعد الفتوحات الإسلامية.
أما تحول عاصمة الدولة الإسلامية من المدينة إلى الكوفة ثم دمشق فقد أملته ظروف حرب أهلية طاحنة ولم يكن اختيارا في ظروف الاستقرار والسلم. أي أملته حالات الكر والفر والغلبة.
ويستطرد فرج نجم “ووطنياً بجانب طرابلس كرابع أقدم عاصمة في العالم – كما كانت الإسكندرية في مصر – تعددت العواصم (الليبية) أيضا، فقد كانت العزيزية عاصمة الجمهورية الطرابلسية، وأجدابيا عاصمة إمارة برقة الأولى” لا يشير فرج نجم إلى أن العزيزية وأجدابيا كعاصمتين للجمهورية الطرابلسية وإمارة برقة الأولى، على التوالي، لم تكونا عاصمتين لليبيا بمجملها، وإنما أملت وضعهما ظروف الصراع مع الاستعمار الإيطالي في إقليمي طرابلس وبرقة وأقيمتا على الأراضي المحررة.
يستمر فرج نجم بضرب أمثلة تغيير العواصم في أمريكا وروسيا بعد ثورة 1917 وتركيا والبرازيل…إلخ.
ليصل إلى الحديث عما يعرف الآن بـ “العاصمة الإدارية” في القاهرة. وينسى أن هذا ليس تغييرا للعاصمة، فالقاهرة مازالت هي العاصمة السياسية لجمهورية مصر العربية، أما وصف المدينة الإدارية الجديدة بالعاصمة الإدارية فأعتقد أنه من باب المجاز أكثر مما هو من باب الواقع، إذ كان ممكنا أن يسمى “التجمع الإداري” أو “المنطقة الإدارية“.
وفي الختام، فإن تغيير بلدان لعواصمها تحت ظروف معينة لا يمكن أن يشكل حجة لتغيير العاصمة الليبية الحالية طرابلس التي يشير فرج نجم نفسه إلى أنها أقدم رابع عاصمة في تاريخ العواصم العالمية.
وإذا كان ثمة (أمم حية) غيرت عواصم بلدانها فإن ثمة (أمما حية) أخرى لم تفعل ذلك. وعليه، مالداعي للاقتداء بالأولى بدلا من الثانية والتضحية بعراقة عاصمتنا طرابلس؟!
_____________