أبو النور

الديمقراطية .. حرية الاختيار .. تداول السلطة سلميا .. الفصل بين السلطات .. احترام حقوق الانسان .. استقلالية القضاء .. حرية الصحافة .. الاقتراع السري.

كلمات تتشابه مدلولاتها أو بمعنى أدق تتكامل فيما بينها في التعبير عن الكلمة الأولى، كلمة الديمقراطية.

فكل الكلمات السابقة تتظافر وتلتقي لتكوّن مدلولا أو معنى واحد عبّرنا عنه بلفظ الديمقراطية أو حكم الشعب للشعب.

وقد كثر الحديث في أوساطنا الليبية المهتمة بالقضايا السياسية والحكم في ليبيا، فقد كثر الحديث بين هذه الاوساط عن الديمقراطية باعتبارها العلاج لمشاكل الحكم في ليبيا والدواء الشافي لكل أسقام الوطن وعلله السياسية.

ولا شك أن هذا الرأي في غاية الصواب فإن الشعب الليبي أحوج ما يكون إلى حكم ديمقراطي بعد عدة عقود من الدكتاتورية والتسلط والتفرد بالسلطة واستعمال كافة أدوات وأساليب البطش والقمع.

ولكن في غمرة الحماس للديمقراطية والتشدد والتوتر انتصارا لها، ينسى الكثير أن الدعوة للديمقراطية تحد كبير يفرضه أولئك الدعاة على أنفسهم في أساليبهم للدعوة .

فهذه الأساليب على الأقل ينبغي أن تكون أساليب ديمقراطية، والذي يدعو إلى الديمقراطية بأسلوب غير ديمقراطي لن يفلح في التحدي الأكبر الذي يمثله تطبيق الديمقراطية عندما يكون أولئك الدعاة في مواقع الحكم. فالديمقراطية تقتضي جملة من الشروط يتوجب توافرها فيمن يمارس الديمقراطية حاكما أو محكوما.

ولا نعني بحال من الأحوال في هذا المقام أن عدم تكامل هذه الشروط يحول دون تطبيقها أو يجوز استعماله ذريعة للوصاية على الجماهير أو استبعاد الديمقراطية.

إن توافر أكبر قدر من شروط أو مقومات الديمقراطية يشكّل الدعامة الاساسية لقيام حكم ديمقراطي ناجح وفعّال. ويقتضي الحال أن نشير إلى أهم شروط ومقومات الحكم الديمقراطي ليتضح لنا جميعا ما هي تلك المقومات والشروط.

أولا: معرفة الحقوق والواجبات

في مقدمة تلك الشروط توافر قدر من التعليم أو الوعي أو المعرفة التي تمكّن كل من الحاكمين والمحكومين من معرفة ما هية الديمقراطية، وبمعنى آخر تمكّن كل من الحاكمين والمحكومين من معرفة الحقوق والواجبات لكل فريق منهما، بل تمكّنهم من فهم ومعرفة الحدود التي تفصل بينهما في الواجبات والاختصاصات والمهام.

ثانيا: الحوار والتعامل السلمي بين الفرقاء

ومن شروط العمل الديمقراطي الحوار السلمي والتعامل السلمي بين مختلف الفرقاء الذين يمارسون العمل السياسي في ظل حكم ديمقراطي ونبذ العنف واستعمال القوة في الدفاع عن الأراء أو المصالح.

كما يتوجب احترام الرأي الآخر وقبول الهزيمة والإخفاق عندما لا تكون الأغلبية من رأيك، بل بذل أقصى الجهد لاحترام رأي الأغلبية عندما تصبح سياسية متبناة من قبل مجموع الشعب. لأن الديمقراطية قد تستعمل لبث الفرقة والشتات عندما يكون هدف الإنسان الانتصار لرأية فقط، أو عندما لا يكون رأية هو الرأي المنتصر فينسف الديمقراطية.

ثالثا: الإخلاص والصدق والتحلي بالأخلاق

ويستدعي الأمر أن نشير إلى شرط آخر من شروط الديمقراطية وإن كان هذا الشرط يصعب قياسه أو تحديده أو تبيانه بحكم عموميته، إلا أنه شرط ضروري لأي عمل ناجح.

هذا الشرط هو الإخلاص في العمل والصدق التوجه ومراعاة الجانب الأخلاقي في ممارسة العمل الديمقراطي، فإذا توفر هذا الشرط في سلوك الفئات السياسية سيجعل العمل الديمقراطي في غاية الكمال.

ورغم أن الكثير من الناس يصف العمل السياسي بـ اللعبةوينعتونه بمختلف النعوت، فإن الحقيقة تقول أن ضعف الجانب الأخلاقي في ممارسة الديمقراطية هو الذي جعل في كثير من الديمقراطيات المعاصرة ديمقراطيات لأصحاب الاحتكارات الكبرى تنظر من خلالها مصلحة الطبقة الفقيرة في المجتمع في سياق مصالح لأصحاب الاحتكارات ورؤوس الأموال الكبيرة.

وبسبب ذلك أجهضت الكثير من الديمقراطيات في مهدها على أيدي إنقلابيين عسكريين أو مغامرين باسم الانتصار للطبقة الكادحة أو الطبقة المسحوقة الفقيرة ليحل حكم ديكتاتوري استبدادي تسلطي محل الحكم الذي كان يتجه بخطى ولو كانت بطيئة جدا نحو الديمقراطية، وهذا ماحدث في ليبيا عام 1969م.

رابعا: الصبر وعدم الاستعجال على النتائج

ومن مقتضيات الديمقراطية الصبر ونبذ العجالة لأن الديمقراطية شجرة بطيئة في انضاج ثمارها، وأن عامل الزمن فيها مهم، ولا ينبغي لأحد أن يتوقع أن تنضج ثمار قبل أوان نضجها أو موسم جنيها.

وعندما تكون شجرة الديمقراطية فسيلة حديثة الغرس فهي تحتاج إلى جهد أكبر وصبر أطول حتى تنمو، وبعد اكتمال نموها تثمر وبعد أن تثمر تكون قليلة المحصول. ولكن في كل يوم يزداد نموها وتضاعف انتاجها وتكون ثمارها ناضجة صحيحة ليست مشابة بالعناصر الكيميائية التي تسرّع الانضاج وتأتي معها بأمراض وآفات وتفتقد الكثير من العناصر الغذائية حالها حال الانقلابات أو ما يسمى بالثورة التي تريد أن تتجاوز الزمن وتصلح ما أفسدته السنين ببيان يذاع من الإذاعة في الفجر.

خامسا: ترسيخ التقاليد الديمقراطية في المجتمع

ومن مقتضيات الحكم الديمقراطي ترسيخ التقاليد الديمقراطية وتعويد الأجيال على ممارستها. فرغم أن مبادئ الديمقراطية في عمومها واحدة اتفقت عليها الأديان وجاء معظمها في الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهود التالية، والموقّع عليها من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلا أن لكل بلد ظروفه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تخلق التمايز والاختلاف في التطبيق.

فالديمقراطية في الدول الاسكندنافية ليست الديمقراطية في ألمانيا أو فرنسا أو أمريكا أو اليابان أو أسبانيا أو استراليا أو غيرها من الدول، فلكل منها تقاليدها في تطبيق الديمقراطية.

وتقوم الديمقراطية على الأفكار والأراء ووجهات النظر من أجل مصلحة عموم الشعب محددة الأهداف والوسائل وفي مدة من الزمن معلنة ومعروفة للشعب.

وتقتضي مصلحة الأمة أن يكون لها ممثلون انتخبتهم بطريقة تحدد قانونيا وتكون مهمة هؤلاء الممثلين متابعة من يتولى تطبيق وتنفيذ هذه السياسات والبرامج بكيفية يحددها القانون.

وهذه الوضعية تستوجب، عند اختيار وانتخاب الممثلين، أن تراعى مصلحة الأمة في الانتخابات فيجري انتخاب ذوي الكفاءة والمقدرة والتأهيل وفوق ذلك المشهود لهم بسلامة الذمة والإخلاص والاستقامة. وهذه الصفات أقل ما ينبغي أن تتوافر في شخص يؤتمن على حق الشعب والأمة سواء بالقيام بممارسة الحكم أو ممارسة الرقابة والمتابعة.

وفي مجتمعاتنا تؤثر القبيلة تأثيرا سلبيا وخاصة في الجانب السياسي. وقد أذكى نظام الحكم العسكري، الذي سيطر على البلاد منذ انقلاب سبتمبر 1969، روح القبلية وعصبيتها وقد أرجع البلاد عقودا زمنية سيظل البعد القبلي والاقليمي والجهوي من العوائق والتحديات التي ستقف أمام الممارسة الديمقراطية ما لم يتصدى لها أهل العقل (أهل الحل والعقد) من قادة الرأي والمثقفين والأعيان والوجهاء حرصا على المصلحة العامة ونهوضا بمسؤولية التكليف من الله سبحانه وتعالى.

فإذا أردنا أن يكون الحكم ديمقراطيا علينا أن لا نتجاوز حدود وحدة الشعب ووحدة الوطن، وأن يكون اختلاف الأراء مؤسسا على احترام الرأي الآخر وفي حدود تطوير الشخصية الوطنية الليبية، وبما لا يسمح للأجنبي التدخل في شؤوننا الخاصة.

_______________

المصدر: مجلة المنار” (مجلة سياسية تدعو إلى ليبيا الدستورية) ـ العدد الثالث

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *